هل تنبؤات الدكتور جيفري روز عن وجود حضارة مفقودة تحت الخليج العربي ستتحقق …!! – بقلم صادق علي القطري
الدكتور جيفري روز هو عالم آثار وأنثروبولوجيا بارز قدم الكثير من الأبحاث والمساهمات الكبيرة في فهم أصول الإنسان وحضارات ما قبل التاريخ في شبه الجزيرة العربية.
قاد الدكتور جيفري روز فريقًا دوليًا من العلماء الذين يدرسون أصول الإنسان في شبه الجزيرة العربية منذ عام 2000. وقد حقق فريقه سلسلة من الاكتشافات الأثرية والوراثية البارزة في سلطنة عمان والتي أعادت كتابة الفصول الأولى في تاريخ الجنس البشري.
قال فيه أحد زملائه: “لقد كان جيفري روز يبحث عن أدلة على الروابط الأفريقية العربية لفترة طويلة، حيث كان يعمل في أماكن يصعب تصور إجراء الأبحاث فيها تقريبًا. وهذه حالة نموذجية للعمل الشاق الذي يؤتي ثماره، وهو أمر يستحق الاهتمام”.
حصل على بكالوريوس في الكلاسيكيات من جامعة ريتشموند (ريتشموند، الولايات المتحدة الأمريكية) 1997، وماجستير في علم الآثار من جامعة بوسطن (بوسطن، الولايات المتحدة الأمريكية) 2000، وماجستير ثان ودكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة ساوثرن ميثوديست (دالاس، الولايات المتحدة الأمريكية) في عامي 2003 و 2006 على التوالي حيث تغطي اهتمامات جيفري روز مجموعة واسعة من المواضيع: من أصول الإنسان إلى الحضارات المبكرة، والتقنيات القديمة إلى علم الوراثة الحديث، وعلوم الأرض إلى علم الآثار تحت الماء، والأساطير إلى علم اللغة. وهو على دراية بسياسات وأديان الشرق الأوسط، ويتحدث العبرية والعربية، وعاش في عمان وفلسطين واليمن لأكثر من عقد من الزمن.
في السنوات الأخيرة، عندما كشف علماء الآثار عن أدلة على وجود موجة من المستوطنات البشرية على طول شواطئ الخليج العربي والتي يعود تاريخها إلى 7500 عام مضت. “حيث لم يكن هناك من قبل سوى عدد قليل من معسكرات الصيد المتناثرة، وفجأة، ظهر أكثر من 60 موقعًا أثريًا جديدًا بين عشية وضحاها” كما قال جفيري روز. حيث “تفتخر هذه المستوطنات ببيوت حجرية دائمة جيدة البناء، وشبكات تجارية لمسافات طويلة، وفخار مزخرف بشكل متقن، وحيوانات مستأنسة، وحتى أدلة على واحدة من أقدم القوارب في العالم.”
تمثل الخرائط أماكن البؤر السكانية الاستيطانية عبر العصور قبل وبعد الطوفان.
ويسأل جيفري روز ان كيف يمكن لمثل هذه المستوطنات المتطورة أن تظهر بهذه السرعة، مع عدم وجود سجل اثري سابق لهذه المجموعات السكانية؟ حيث يعتقد روز أن الأدلة على تلك المجموعات السكانية السابقة قد تكون مفقودة وتقع مغمورة تحت مياه الخليج.
وقال روز أيضا: “ربما ليس من قبيل الصدفة أن تأسيس مثل هذه المجتمعات المتطورة بشكل ملحوظ على طول الخط الساحلي يتوافق مع فيضان حوض الخليج العربي في فترة ذوبان الجليد في أواخر العصر الجليدي الاخير منذ حوالي 8000 عام”. وقال أيضا: “ربما جاء هؤلاء المستعمرون الجدد من قلب الخليج، وقد شردوا بسبب ارتفاع منسوب المياه الذي أدى إلى إغراق الأراضي الخصبة تحت مياه المحيط الهندي”.
وهذا يتفق مع ما تشير اليه البيانات التاريخية لمستويات سطح البحر (المحيط الهندي/ خليج عمان) قبل الطوفان، حيث كان حوض الخليج أعلى من مستوى سطح بحر عمان 120-130 مترا منذ حوالي 125-120 ألف سنة.
فكان وادي الخليج العربي الخصب ملاذاً مثالياً من الصحاري القاسية المحيطة بها، حيث توفر له المياه العذبة من أنهار دجلة والفرات ونهر قارون ووادي باتون حيث كانت هدة الأنهار امتدادا لانهار وادي الرافدين وان هدة الأنهار تلتقي في نهر واحد وتصب بمياهه في مضيق باب المندب في خليج عمان، فضلاً عن الينابيع الجوفية التي يعتقد انها كانت منتشرة بكثرة في هذا الوادي.
وعندما كانت الظروف في المناطق النائية المحيطة بهذا الوادي في أشد حالاتها جفافًا، كانت واحة الخليج اكثر خصوبة من حيث مساحة الأرض المكشوفة حيث ان الحوض المكشوف، في ذروته، كان بحجم بريطانيا العظمى تقريبًا كما يقول روز.
ومما زاد فرضية روز في الاعتقاد بوجود حضارة مغمورة تحت الخليج وقربها من الصحة، ظهور ادلة على أن الإنسان المعاصر كان موجودًا في المنطقة لفترة طويلة عندما كانت الواحة (واحة الخليج العربي) فوق الماء حيث أنتجت المواقع الأثرية المكتشفة مؤخرًا في اليمن وعمان أسلوبًا للأدوات الحجرية يختلف عما كان موجودا ضمن تقاليد شرق القارة الإفريقية. يقول روز: “إن هذا يثير احتمال أن يكون البشر قد استقروا في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية منذ ما يقارب 100 ألف عام أو أكثر”.
وهذا التقدير يعتبر أقدم بكثير من التقديرات الناتجة من نماذج الهجرة الحديثة، والتي تضع أول هجرة ناجحة إلى شبه الجزيرة العربية منذ ما بين 50 – 70 الف سنة.
وقال روز “إن واحة الخليج العربي كانت متاحة لهؤلاء المهاجرين الأوائل، وكانت توفر ملاذا طوال العصور الجليدية عندما أصبحت معظم المنطقة غير صالحة للسكن بسبب الجفاف الشديد”. “إن وجود المجموعات البشرية في الواحة يغير بشكل أساسي فهمنا لنشوء الإنسان والتطور الثقافي في الشرق الأدنى القديم”.
ويشير حيفري روز أيضًاو إلى أن الأجزاء الحيوية من أحجية التطور البشري قد تكون مخبأة في أعماق الخليج العربي (الفارسي). في مقال له بعنوان “ضوء جديد على عصور ما قبل التاريخ البشري في واحة الخليج العربي الفارسي” نشرها في مجلة الأنثروبولوجيا الحالية، «المجلد 5، العدد 6، ديسمبر 2010».
ومما يزيد من صحة هذه الفرضية لروز اكتشاف هانز بيتر أويربمان من جامعة توبنغن في ألمانيا ثلاث مستوطنات مختلفة من العصر الحجري القديم يعتقد البشر استوطن فيها منذ حوالي 125000 إلى 25000 سنة ومن ضمن هدة المواقع كان موقع جبل فايا-1 والذي يعتبر الموقع الأكثر وضوحا من هذه المعسكرات البشرية في الخليج الذي قال فيه جيفري روز: “إن هذا الموقع وغيره من المواقع الأثرية تشير إلى أن المجموعات البشرية المبكرة كانت تعيش حول حوض الخليج طوال العصر البليستوسيني المتأخر”.
وجبل الفايا هو جبل من الحجر الجيري يقع في المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة، الإمارات العربية المتحدة ويُطلق على هدا الموقع الأثري اسم (FAY-NE1)، وهو عبارة عن ملجأ صخري يقع في الطرف الشمالي الشرقي لجبل فايا. وقد قام علماء الآثار بحفر عدة خنادق في الموقع، بمساحة إجمالية تزيد عن 150 مترًا مربعًا. تحتوي على تسلسل طبقي بعمق 5 أمتار من المستويات الأثرية، تحتوي على رواسب من العصرين البرونزي والحديدي، والعصر الحجري الحديث، والعصر الحجري القديم.
وبالرغم من عدم العثور على أي حفريات بشرية في هدا الموقع الاثري، فقد جادل أرميتاج وآخرون بأن القطع الأثرية المجمعة والتي يرجع تاريخها إلى 125 الف سنة مضت، تم إنتاجها من قبل البشر المعاصرين تشريحيا وذلك لأن التجميع كان يشبه التكنولوجيا المعاصرة في شرق وشمال شرق أفريقيا أكثر من التكنولوجيا الموجودة في مواقع أخرى في شبه الجزيرة العربية.
نتيجة لذلك، تم استخدام الأدلة الموجودة في جبل الفايا لدعم فكرة الانتشار المبكر للبشر المعاصرين من القرن الأفريقي عبر جنوب شبه الجزيرة العربية وجنوب آسيا. ووفقًا لهذه النظرية، يعتقد ان الإنسان الحديث انتشر خارج أفريقيا قبل ثوران بركان توبا الهائل قبل 70-75 الف سنة مضت.
ويستند هذا الادعاء إلى أعمال التنقيب في جوالابورام في الهند التي قام بها بتراجليا وآخرون، الذين يجادلون بأن التجمعات الموجودة في طبقات ما قبل وبعد ثوران توبا تشير إلى وجود البشر المعاصرين المستمر. واما بالنسبة لبتراجليا وزملائه، فإن وجود البشر المعاصرين في جبل الفايا منذ 125 الف سنة يمكن أن يكون دليلا على طريق الانتشار المبكر للبشر المعاصرين خارج أفريقيا، والذي من الممكن أن يكون البشر قد اتبعوه إلى جنوب آسيا.
وفي الختام،،،
في عالم الآثار، يعد البحث عن الحضارات المفقودة وكشف أسرار ماضينا القديم مسعى مستمرًا. إن نظريات الدكتور جيفري روز بشأن الحضارة المفقودة تحت الخليج العربي تأسر الخيال وتشعل الفضول, في حين أن صحة هذه التنبؤات لا تزال غير مؤكدة، إلا أنها بمثابة تذكير بالإمكانات الهائلة للاكتشافات التي تكمن تحت أعماق البحر.
وبينما نحن نتعمق أكثر في دراسة عصور ما قبل التاريخ، فمن الأهمية بمكان أن نتعامل مع مثل هذه النظريات بعقل متفتح وجرعة صحية من الشك على حد سواء.
ومما لا شك فيه أن أبحاث الدكتور روز قد أثارت اهتمامًا ومزيدًا من الاستكشاف، ومن خلال البحث المستمر والاكتشافات الأثرية قد نتمكن يومًا ما من كشف الحقيقة وراء هذه الألغاز القديمة.
وسواء أتت تنبؤات الدكتور روز بثمارها أم لا، فقد ساهم عمله بالفعل في فهمنا للتاريخ الغني لشبه الجزيرة العربية والدور الهام الذي لعبته في الهجرة البشرية والحضارة. إنه بمثابة تذكير بأن البحث عن المعرفة لا يعرف حدودًا، وأن جاذبية الحضارات المفقودة ستستمر في أسر مخيلتنا لأجيال قادمة.
المصادر