ارتبطت أعياد الفراعنة منذ قديم الزمان بالنيل وتقديسهم له، وعناصر الطبيعية التي ترمز لهم بالخير والنماء.فاليوم يحتفل المصريون بعيد "شم النسيم" بعد مرور أكثر من 5000 سنة على احتفال الفراعنة به، ولم يكن عيدًا عاديًا بل أصبح عيد ذات طابع ديني.والآن هيا بنا نتعرف على كيفية احتفال أجدادنا الفراعنة به...أصل اسم "شم النسيم":
أطلق الفراعنة عيد "شموش" أي البعث للحياة من جديد، وعلى مر العصور أضيفت إليه كلمة "نسيم"؛ وخصوصًا بعد أن حرّف الاسم إلى "شم" في العصر القبطي، يعود نسبة إلى عليل الجو من نسمات الربيع في هذا الوقت.طريقة الاحتفال به عند الفراعنة
:يبدأ الفراعنة بالاحتفال في الليلة الأولى أو "ليلة الرؤيا" بالاحتفالات الدينية، حيث ورد ذكر "ليلة الرؤيا" التي تعلن مولد الزمان وبعث الحياة في أكثر من بردية من برديات الفراعنة، ثم يتحول العيد مع شروق الشمس إلى عيد شعبي تشترك فيه جميع طبقات الشعب كما كان فرعون، وكبار رجال الدولة.كما يخرج المحتفلون بعيد "شم النسيم" جماعات إلى الحدائق والمتنـزهات؛ ليكونوا في استقبال الشمس عند شروقها، وقد اعتادوا أن يحملوا معهم طعامهم وشرابهم، ويقضوا يومهم في الاحتفال بالعيد ابتداء من شروق الشمس حتى غروبها، فتتزين الفتيات بعقود الياسمين "زهر الربيع"، ويحمل الأطفال سعف النخيل المزين بالألوان والزهور، فتقام حفلات الرقص على أنغام الناي والمزمار والقيثار، وتصاحبها الأغاني والأناشيد الخاصة بعيد الربيع.تاريخ الاحتفال:
ويعود بدء احتفال الفراعنة بذلك العيد رسميًا إلى عام 2700 ق.م، أي في أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة، ولو أن بعض المؤرخين يؤكد أنه كان معروفًا ضمن أعياد هيليوبوليس ومدينة "أون" وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات.وقد أخذ كثير ممن يحتفلون بأعياد الربيع في دول الغرب والشرق كثيرًا من مظاهر يوم شم النسيم ونقلوها في أعيادهم الربيعية.توقيت عيد شم النسيم:
احتفلوا بعيد الربيع الذي حددوا ميعاده بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل.وكانت السنة عندهم تبدأ بعد اكتمال القمر الذي يقع عند الانقلاب الربيعى في 11 برمودة "باراحاموت بالهيروغليفية"، وكانوا يعتقدون أن ذلك اليوم هو بدء خلق العالم ولقد سجل على جدران المعابد.
الأكلات المرتبطة بشم النسيم:البيض:
بدأ ظهور البيض على مائدة أعياد الربيع "شم النسيم"، مع بداية العيد الفرعوني نفسه أو عيد الخلق حيث كان البيض يرمز إلى خلق الحياة.الفسيخ:
السمك المملح في العيد؛ ظهرت في الأسرة الفرعونية الخامسة، عندما بدأ الاهتمام بتقديس النيل "نهر الحياة"، و"الإله حعبي" عند الفراعنة يدل على أن الحياة في الأرض حيث بدأت في الماء، لذلك فهو يعبر عنها بالسمك الذي تحمله مياه النيل من الجنة.وقد كان للفراعنة عناية بحفظ الأسماك، وتجفيفها وتمليحها وصناعة الفسيخ والملوحة واستخراج البطارخ، ويرون أن أكله مفيد في وقت معين من السنة، وكانوا يفضلون نوعًا معينًا لتمليحه وحفظه للعيد، أطلقوا عليه اسم "بور" وهو الاسم الذي حوّر في اللغة القبطية إلى "بوري" وما زال يطلق عليه حتى الآن.
البصل في شم النسيم:
ظهر في الأسرة الفرعونية السادسة، وقد ارتبط ظهوره بما ورد في إحدى أساطير منف القديمة التي تروى أن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد، وقد أصيب الأمير الصغير بمرض غامض عجز عن علاجه، امتُنِع خلالها عن إقامة الأفراح والاحتفال بالعيد مشاركة للملك في أحزانه، واستدعى الملك الكاهن الأكبر لمعبد آمون.فنسب مرض الأمير الطفل إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه، وأمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الأمير في فراش نومه عند غروب الشمس بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ، ثم شقها عند شروق الشمس في الفجر ووضعها فوق أنفه ليستنشق عصيرها، كما طلب منهم تعليق حزم من أعواد البصل الطازج فوق السرير وعلى أبواب الغرفة وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة
.خس شم النسيم:
كان الخس من النباتات التي تعلن عن حلول الربيع باكتمال نموها ونضجها، وقد عرف ابتداءً من الأسرة الفرعونية الرابعة؛ حيث ظهرت صورة من سلال القرابين التي يقربونها لآلتهم من دون الله – تعالى - بورقه الأخضر الطويل، وعلى موائد الاحتفال بالعيد، وكان يسمى بالهيروغليفية "حب"
.حمص شم النسيم:
هي ثمرة الحمص الأخضر، وأطلق عليه الفراعنة اسم "حور – بيك"؛ أي رأس الصقر لشكل الثمرة التي تشبه رأس حور الصقر المقدس عندهم، وكان للحمص –كما للخس- الكثير من الفوائد والمزايا التي ورد ذكرها في بردياتهم الطبية، لذلك سُميت بالملانة الخضراء.الياسمين:
كانوا يتعطروا ويتزينوا بزهرة الياسمين المعبرة عن نسمات الربيع، أما زهرة اللوتس فهي ترمز إلى البعث، وكانت تسمى "الجميل".علاقة شم النسيم بالنيل:
"حابي" الذي كان يتمثل في صورة إنسان يحمل فوق رأسه نباتات مائية يرمز لخصوبة الفيضان، كما يرمز إلى الأرض التي تم إخصابها بمياه الفيضان فقد كان هو سيد النهر الذي يجلب النماء وسيد أسماك وطيور المستنقعات.
العلاقة بين شم النسيم وعيد القيامة
:بعد انتشار المسيحيّة في مصر في القرن الرابع، واجه المصريون مشكلة في الاحتفال بهذا العيد "شم النسيم"؛ إذ أنه كان يقع دائمًا داخل موسم الصوم الكبير المقدّس الذي يسبق عيد القيامة المجيد وفترة الصوم، التي تتميَّز بالنسك الشديد والاختلاء والعبادة العميقة، مع الامتناع طبعًا عن جميع الأطعمة التي من أصل حيواني.فكانت هناك صعوبة خلال فترة الصوم في الاحتفال بعيد الربيع، بما فيه من انطلاق ومرح ومأكولات؛ لذلك رأى المصريون المسيحيُّون وقتها تأجيل الاحتفال بعيد "شمّ النسيم" إلى ما بعد فترة الصوم، واتفقوا على الاحتفال به في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد أو عيد الفصح، والذي يأتي دائمًا يوم أحد، فيكون عيد شمّ النسيم يوم الاثنين التالي له.
انتقال شم النسيم من الفراعنة إلى اليهودية والنصرانية:
انتقل عيد شم النسيم من الفراعنة إلى بني إسرائيل عندما خرجوا من مصر، وقد اتفق يوم خروجهم مع موعد احتفال الفراعنة بعيدهم، حتى لا يشعر أحد بخروجهم لانشغالهم بالاحتفالات.واحتفل بنو إسرائيل بالعيد بعد خروجهم ونجاتهم، وأطلقوا عليه اسم عيد الفصح، والفصح كلمة عبرية معناها "الخروج" أو "العبور"، كما اعتبروا ذلك اليوم – أي يوم بدء الخلق عند الفراعنة- رأسًا لسنتهم الدينية العبرية تيمنًا بنجاتهم، وبدء حياتهم الجديدة.ولما دخلت المسيحية إلى مصر أصبح عيد المسيحيين يلازم عيد المصريين القدماء –الفراعنة- ويقع دائمًا في اليوم التالي لعيد الفصح أو عيد القيامة.واستمر الاحتفال بهذا العيد في مصر بعد دخول الإسلام تقليدًا متوارثًا؛ تتناقله الأجيال عبر الأزمان والعصور، يحمل ذات المراسم والطقوس، وذات العادات والتقاليد التي لم يطرأ عليها أدنى تغيير منذ عصر الفراعنة وحتى الآن.