كونوا محمديِّين قولًا وفعلًا

بسم الله الرحمن الرحيم (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب 21).
كلنا نحب النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وكلنا نصلي عليه ليلًا ونهارًا وصباحًا ومساءً، وكلنا نتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بحب حبيبه المصطفى محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-.

إذن، فمحمد على ألسنتنا وفي عبادتنا ومقدم في كل شؤون حياتنا، ولكن هل هذا يكفي؟ هل يكفي أن نقول نحن موالون للنبي ﷺ بألسنتنا من دون جوارحنا؟ هل يكفي أن نحتفل بمولده دون أن نتأسى به ونقتدي به؟ هناك أمور كثيرة في حياتنا لا تتوافق مع تعاليم النبي محمد ﷺ ووصاياه، وهناك عادات وتقاليد تشبثنا بها ولم نراعِ فيها الدين والأخلاق، وهناك شخصيات سكنوا حياتنا وامتلكوا نفوسنا على الرغم من ضعفهم وفقدانهم القدوة الصالحة واستبدلنا بهم قدواتنا الصالحة.

لو تفقدنا جيل اليوم لوجدناهم تشبهوا بأبطال الملاعب ومشاهير الفن وشخصيات كرتونية وهمية. انظروا لأطفال اليوم من قدواتهم؟ من مُثُلُهم؟ يلبسون لباس من؟ يقصون شعرهم قصة من؟ يقلدون حركات من؟ يقضون أكثر وقتهم في متابعة من؟ من يخطط لمستقبلهم؟.

وجيل الشباب، ما ثقافتهم؟ ما هواياتهم؟ من قدواتهم؟ ما أحاديث مجالسهم؟ ما الثقافة السائدة في نقاشاتهم؟ هل ما يناقشونه يخصهم ويرفع من مستواهم؟ هل ما يستغرقون من الساعات الطوال لأجله يُقارَن بمن يقضون وقتهم ويبذلون قصارى جهدهم في البحوث التكنولوجية والابتكارات العلمية والصناعات الإلكترونية؟ الحقيقة المُرَّة أن ما استحوذ على عقول أكثر شبابنا اليوم لم يُعره أصحاب الهمم العالية والكفاءات الراقية أيَّ اهتمام فراحو يبتكرون ويصنعون ويطيرون ويحلقون، ونحن نستقبل ابتكاراتهم واختراعاتهم ونتهافت على تقنياتهم ولا نستطيع العيش من دونها.


الشباب الذين أَسَرتهم هواياتُهم وراحوا يبذلون الغالي والنفيس لأجلها لا ينطقون إلا بمنطق هواياتهم، ولا يتعاملون إلا لصالح مشروعاتهم حتى لو خالف ذلك شرعهم ودينهم ومعقداتهم.

نعيش ذكرى مولد خير البرية، سيد الأنبياء والمرسلين محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- فهل اقتدينا به؟ هل دارت أحاديثنا حول أخلاقه وصفاته؟ هل احترمنا جلساءنا حين ناقشنا موضوعًا يهمنا ولا يهمهم. وهذا دأب بعض الأصدقاء يستحوذون على النقاش في كل مكان ويسترسلون في ذكر الوقائع والنتائج الخاصة بهم، ولا يهمهم راحة من جالسوا ولا راحة من رافقهم وقد يعلو الصراخ والشجار لانفعالهم لما آلت إليه مشروعاتهم وهواياتهم.

ومن أسَرَته هواية أو لعبة أو مشروع ركز ثقافته عليها فلا يقرأ إلا عنها ولا يتابع إلا سيرتها ولا يصرف أمواله إلا من أجلها ولا يرافق إلا من كان يهواها. هنا نقف ونقول: مارِسُوا هواياتكم وتابعوا مشروعاتكم ولكن لا تهملوا أمر دينكم ولا تتناسوا قدواتكم، ولا تحسبوا أن كل الناس يميلون إلى كل ما تتحدثون وتحللون وتقررون وتنفذون.


قدوتُنا الكبرى محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي نُقل عنه أنه قال: (لا يتناجى اثنان دون الثالث) من باب احترام الجليس لا يتهامس اثنان بحضور أصدقائهم، فما بالك بالصراخ والشجار في موضوعات لا تهمهم، وقد تنفرِّهم من الجلوس أو ارتياد مجلسهم الذي كانوا يهوونه.

لنقتدي بسيد الأنبياء والمرسلين وأهل بيته -عليهم السلام- في طبعنا وسلوكنا ونقاشنا، فهم أسوتنا وقدوتنا ولا نضيع وقتنا فيما لاينفعنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (المجادلة 9) صدق الله العلي العظيم.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.