ذكرى المولد الشريف
يحتفل العالم الإسلامي بذكرى المولد الشريف، لسيد الأنبياء وأفضل الرسل محمد (ص)، حيث يمثل الاحتفال بذكرى المولد الشريف تعبيرا متواضعا، تجاه ما يحمله المسلمون تجاه الرسول الأكرم (ص)، من محبة وتفان في سبيل الدفاع عن الدين الإسلامي، الذي أضاء الدنيا منذ بزوغه قبل أكثر من 14 قرنا، فالبنى محمد (ص) تحمل طيلة 23 عاما من التبليغ للرسالة الكثير من الآلام، حيث كابد التكذيب والأوصاف العديدة، التي أطلقها عليه كفار قريش، خلال التبليغ في مكة المكرمة، فضلا عن الاعتداء الجسدي من السفهاء والصبيان، وذلك في سبيل إنقاذ الإنسانية جمعاء من الظلام، والعبور بمختلف الأجناس إلى النور والهداية، فقد عبر صلوات الله وسلامه عليه عن تلك المرحلة من حياته الشريفة بالقول ”ما أوذي نبي مثل ما أوذيت“، ”كان لقي من قومه بلاء شديدا حتى أتوه ذات يوم وهو ساجد حتى طرحوا عليه رحم شاة“.
الاحتفال بالمولد الشريف للرسول الأكرم (ص)، أحد ملامح الانتماء والافتخار بالانتماء للديانة الإسلامية، فقد خلق سيد الأنبياء (ص) واقعا مختلفا ومغايرا، للفترة التي سبقت انبعاث نور الرسالة في مكة المكرمة، فالتاريخ يتحدث عن حياة بائسة ومظلمة يكابدها مجتمع قريش، وجميع القائل العربية في الجزيرة العربية، حيث يأكل القوي الضعيف، وينتشر الجهل في مختلف جنايات تلك القبائل، فضلا عن الفقر المدقع الذي يعشعش لدى غالبية، المجتمعات البشرية القاطنة في الجزيرة العربية.
إظهار الفرحة والسرور بمولد منقذ البشرية من الظلام والنور، يكشف بعضا من حالة الامتنان لاعتناق الديانة الإسلامية، خصوصا وأن الدين الإسلامي يحمل الكثير من التعاليم، والمبادئ القادرة على وضع الإنسان على الجادة الصائبة، من خلال تحديد المسارات السليمة ورفض مختلف أنواع الظلم، وتحريم مختلف أنواع الاعتداءات على الآخرين ”المؤمن حرام كله عرضه وماله ودمه“، وبالتالي فإن العقيدة الإسلامية التي جاء بها رسول الإنسانية (ص)، تنظر إلى الإنسانية بشكل أساسي، والعمل على الحفاظ على الحياة البشرية، وتحريم مختلف أنواع الظلم والاستبداد.
المولد الشريف لخاتم الأنبياء (ص) فرصة سنوية، لاستذكار الكثير من الأعمال سطرتها السيرة النبوية الشريفة، فهذه المناسبة تشكل إضاءة لإنارة الطريق للمسلم، خصوصا وأن الكثير من الأعمال ما تزال خافية على الجميع، باستثناء بعض الإشارات القليلة التي يسلط الضوء عليها، من حياة الرسول الأكرم (ص)، ومن ثم فإن الاحتفال بذكرى المولد الشريف يعطي المسلم وقودا، للاعتزاز بالانتماء للديانة الإسلامية، من خلال سرد الكثير من الآلام التي تحملها الرسول (ص)، في سبيل إيصال هذه الرسالة إلى الإنسانية جمعاء.
شكلت الرسالة الإسلامية انعطافة كبرى في التاريخ البشري، حيث استطاعت إحداث تغييرات جذرية في مسيرة المجتمعات البشرية، فقد تمكنت من إحداث انقلابات جذرية في القبائل المتناحرة، وإعادة رسم العلاقات الإنسانية، من خلال تكريس المبادئ الإسلامية القائمة على الاحترام الكامل، وتحريم إشهار السلاح في وجه البشر، بخلاف القضاء على التفكير الجاهلي السائد القائم على النهب وإباحة القتل، فضلا عن إيقاف تشريع ”وأد البنات“، وبالتالي فإن الرسالة الإسلامية وضعت قانونا صارما في تنظيم العلاقات الإنسانية، والعمل على خلق الحالة التصالحية، ورفض مختلف أنواع النزاعات والحروب، باعتبارها من الجرائم الكبرى ”من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا“.
الدروس المستلهمة من ذكرى المولد الشريف عديدة وكثيرة، فحياة الرسول الكريم (ص) مدرسة في مختلف المجالات الحياتية، فهذه السيرة العطرة قادرة على إحياء النفوس البشرية، من خلال الكثير من التعاليم والمبادئ، التي ترجمتها تلك الشخصية الاستثنائية والفريدة، التي من الله بها على البشرية جمعاء، ومن ثم فإن مناسبة المولد الشريف تحث البشرية على تسليط الضوء، على شخصية أفضل الخلق وأكرم الرسل، لإنقاذها من حالة التخبط والتشتت التي تعيشها، في مختلف المجالات الحياتية، فهذه المعاناة ليست مقتصرة على الشعوب غير المسلمة، ولكنها تشمل كذلك الشعوب الإسلامية التي تكابد الكثير من الصعوبات، والتحديات العديدة، سواء الحروب، أو الفقر، أو الضياع في اكتشاف الذات بالطريقة المطلوبة.