الناس معادن وكل إنسانٍ يشبه معدنًا، له خواص فيزيائية وكيميائية؛ لون وبريق وصلابة وانكسار وثبات وغير ذلك من الصفات والخواص. الذهب يختلف عن الحديد والحديد يختلف عن الألمنيوم والألماس، وهكذا كل معدن يختلف عن غيره. في مجتمعنا يقال عن الإنسان الطيّب إن معدنه أصيل وإن فلانًا أو فلانة من ذهب أو من معدنٍ سيء!
قبل أن نطلب من الناس والأصدقاء ونتوقع منهم أن يكونوا من معدنٍ طيب وثمين، علينا أن نصنع من أنفسنا ومن أولادنا وبناتنا معدنًا ثمينًا، يحبه الناس ويثمّنونه، وإلا كيف نطلب من غيرنا ما ليس فينا؟! عن الإمام علي عليه السلام: "عليكم بالأشكَال من الناس والأوسَاط من الناس، فعندهم تجدون معادن الجواهر". لذلك إذا حان وقت الزواج واختيار الزوج أو الزوجة اختر المعدن الأطيب والزوج الذي له قيمة أعلى من غيره. وإذا اخترت صديقًا اختر المعدن الأثمن الذي لا يصدأ ولا يتغير بسرعة ولا ينكسر تحت الامتحان. وإذا سافرت أو جاورت فاختر من تسافر معه ومن تجاوره.
تَعرِف المعادن حين تجرّبها لكن قبل أن تجرّبها كن مستعدًا لنتائج التجربة وليكن لديك سبب وجيه للتجربة، وإلا يكفي في الدنيا صديق جيّد ولا داعي للامتحان! نادرًا ما تجد صديقًا من معدن الذهب أو الألماس لذلك لا بأس بالفضة وغيره من معادن الأصدقاء ويجتاز الامتحان.
في هذا الزمن تتشابه المعادن الأصيلة والمعادن المقلدة؛ بعض المعادن الرخيصة تُطلى بصبغات براقة فلا تعرف المعدن الأصيل من الزائف إلا بالصهر والطرق والامتحان القاسي وأسرع صفة يمكن الكشف عنها هي اللون فإن الناس تلونهم المصالح والمنافع بسرعة عالية! من الناس - الثمين - من له لون واحد لا يتغير مهما مرت الأيام ومن الناس من يتغير لونه مثل الحرباء، كل مناسبةٍ لها لون.
إذا في حياتك تعرّفت على إنسانٍ معدنه أصيل وجوهره ثمين، لا تفرط فيه ولا تضيعه. الحمد لله الدنيا لا تزال بخير والخير في الناس موجود، لكن كما يحتاج الذهب إلى البحث الدقيق والتجربة يحتاج الصديق إلى البحث الدقيق والتجربة. الأصدقاء الحقيقيون تعرفهم مع السنين، يزدادون غلاوةً وجمالًا، لا يَعلوهم الصدأ. هم في العشرين كما في الأربعين وفي الستين وفي الثمانين وحتى بعد الموت لا يتغيرون!
{وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}، جاء في حديثٍ عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن الرجل يقول في الجنة: ما فعل صديقي فلان؟ وصديقه في الجحيم، فيقول الله: أخرجوا له صديقه إلى الجنة، فيقول من بقي في النار: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم". هؤلاء هم الأصدقاء من المؤمنين الذين نأنس بهم في الدنيا ويشفعون لنا في الآخرة، لا الذين يخذلوننَا وينسونا في أول منعطف من الطريق!