يقول الشاعر أيمن العتوم: "سقطت ورقة العمر في بئر الزمن، فكبرنا فجأة، كيف كبرنا؟ كيف هرمنا بهذه السرعة؟"..

خلال مقالنا السابق أخذناك في رحلة ممتعة عَبر الزمن والتاريخ والطفولة وتعرفنا فيها على تاريخ صناعة الأنمي وكيفية تطورها ومواكبتها لتغييرات الزمن.

لا ريب أن الزمن يجري بسرعة لا تستطيع أحياناً استيعابها لقد تغيرنا وكبرنا وتغير العالم حولنا، ما كان سابقاً خيالاً سخيفاً أضحى اليوم حقيقة واقعة.

لا تتوقف عجلة التطور عن الدوران لقد تغير العالم خلال خمس سنوات أكثر وأسرع مما تغير خلال قرن كامل من الزمان، لم نعد كما كنا في طفولتنا أبرياء مفعمين بالآمال لقد كبرنا قبل أن نفهم ما حدث وكان علينا التعامل مع واقعنا الجديد كبالغين بأي طريقة.

وأهم تطور عاصرناه كان التطور التقني والتكنولوجي الذي أصبح واحداً من مفردات اليوم العادي في حياتنا وقد لحق التطور بعالم الأنمي الذي لم يعد فناً يدوياً ضئيل الميزانية لقد سقط فنانو الأنمي في بئر الزمن وأصبحوا مرغمين ومطالبين بالتعامل مع واقع جديد طور من صناعتهم هذه وجعلها أكثر شهرة وسلاسة.

سنستكمل معك عزيزي القارئ رحلتنا اللطيفة هذه وفي مقالنا هذا سنركز على الطريقة التي اخترقت بها التقنيات الحديثة عالم الأنمي، وكيف تحولت صناعة الأنمي من عوالم طفولية إلى صناعة إقتصادية عالمية متينة فلنتابع معاً الرحلة الخاصة بعالم الأنمي عَبر الزمن والتطورات العالمية..!

التقنيات الحديثة تغزو الأنمي

لم يفوت صناع الأنمي فرصة اللحاق بالتطور واستثماره في صنع أعمالهم، مع بداية ظهور الأنمي كان صنعه عملية طويلة ومرهقة إذ انبغى على الفنان رسم كل التفاصيل وتوزيع المشاهد والألوان والتحريك بشكل يدوي بحت قد يستمر لأشهر طويلة.

وقد تحدثنا سابقاً كيف كانت الرسومات الخاصة بشخصيات الأنمي في الستينات والسبعينات قليلة الدقة والوضوح، بشكل عام لا شك أن اختراع الحاسوب كان حدثاً مهماً.

إذ قدم هذا الاختراع المهم الكثير للبشرية واختصر الكثير من الجهد والتعب والوقت الطويل، أمًا في عالم الأنمي فقد حمل اختراع الحاسوب شيئاً جديداً يعرف باسم الصور المولدة بواسطة الحاسوب أو ال CGI.

لا شك أنك سمعت بهذا المصطلح كثيراً إذ إن صناع الأفلام والمسلسلات مغرمون بهذه التقنية التي تتيح لهم تصوير وإنشاء أي مشهد يرغبون فيه دون بذل جهود خيالية، أمًا صناع الأنمي فوجدوا أن تقنية الـ CGI توفر الجهد وتعطي صورة ورسوماً جيدة تختصر الوقت.

لو أننا أردنا وضع تعريف للـ CGI لقلنا أنه تقنية توليد الصور بواسطة الحاسوب وقد كان فيلم هيتشكوك الأسطوري Vertigo أول فيلم يستخدم هذه التقنية عام 1958 .

أمًا في عالم الأنمي فقد كان أول استخدام ملحوظ لهذه التقنية في أنمي Golgo 13: The professional..



عام 1983 لكنه كان كارثة حقيقية إذ بدت المشاهد مظللة غير الجذابة، يمكن عزو هذا الفشل إلى أن استخدام هذه التقنية كان شيئاً جديداً غير المألوف.

لذا لم يتم استعمالها بالشكل الصحيح، في الواقع من الطبيعي أن كل تقنية جديدة يتم تقديمها إلى عالم الفن السابع ستجلب معها كماً كبيراً من الجدل وانقسامات الآراء بين مشجع متحمس ورافض قلق، لكن استخدام تقنية الـ CGI وحتى الآن لا يزال مرفوضاً بحدة من أغلب المشاهدين.

لعل السبب يعود إلى أن الانطباعات الأولى هي ما تصنع السمعة ولم يترك الـ CGI أي انطباع جيد عند بداية ظهوره سواء في عالم السينما أو الأنمي في الواقع أصبح عدم استعمال تقنية الـ CGI مدعاة للفخر ودلالة على التميز مثلما فعل مخرج الأنمي الأسطوري هاياو ميازاكي عندما أعلن أن فيلمه الأخير The boy and the heron مرسوم كاملاً بشكل يدوي.



الذكاء الاصطناعي

نحن نتكلم هنا عن الثمانينات حين كان استخدام التقنيات الحديثة شيئاً جديداً غير المعروف لكن وفي الوقت الحالي أصبحت بعض الأنميات تعلن وبفخر أنها قد صنعت بواسطة هذه التقنية التي لا تزال حتى الآن تشكل وصمة عار ولا ترقى إلى مستوى روعة وعاطفة الرسوم اليدوية، حتى تلك الأعمال فائقة الشهرة لم تسلم من النقد الحاد بعد استعمالها الـ CGI كانمي Attack on titans.



الذي استخدم في موسمه الرابع هذه التقنية بعدما تغيرت شركة الإنتاج توفيراً للوقت والجهد حسب ادعائهم، لكن هذا أثار إحباط وانزعاج عشاقه الذين اعتادوا أسلوب الرسم اليدوي الرائع في المواسم الثلاثة الأولى، حيث شبهوا المشاهد القتالية في الموسم الرابع أنها أشبه بألم مزمن في الأسنان، لكن من ناحية أخرى حاز أنمي Demon slayer على إعجاب واسع بفضل رسوماته المذهلة والتي كانت كلها مولدة باستعمال الحاسوب لكنها خلبت كل من شاهدها.



لم ينته الجدل الخاص باستعمال تقنيات الـ CGI حتى الآن ولا يبدو أنه سينتهي في أي وقت قريب، إن أولئك الذين نشأوا على أفلام استوديو غيبلي والأنميات الأسطورية ذات الرسم اليدوي الجميل قد يلاقون صعوبة في تقبل وجود أنمي صُنعت مشاهده عن طريق الحواسيب، ومع تطور الذكاء الاصطناعي انتشرت العديد من المخاوف المتعلقة باحتمالية وجود أنميات مصنوعة بالكامل دون أي تدخل بشري مما سيلغي فكرة فن الأنمي من الوجود.

إذهال بصري خيالي

عندما ظهر Astro boy إلى الوجود منتصف الستينات حقق نقلة نوعية مهمة ورسخ الانطلاقة الحقيقية لعالم الأنمي الممتع، لكن لو أنك شاهدته الآن ستلاحظ انخفاض الدقة المستخدمة في عرضه إضافة إلى بساطة الصورة والرسم، لقد بقي الأنمي وحتى منتصف التسعينات يعاني من مشكلة التحريك والدقة البصرية.

إذ إن الرسم اليدوي كان مُرهقاً للغاية لذا فإن الرسام يركز على رسم الشخصية الأساسية ولا يكترث كثيراً برسم تفاصيل المشهد، في الواقع أحياناً يمكن ملاحظة بعض الأخطاء في دقة رسم الشخصية الرئيسية حتى وهو ما نلاحظه عند متابعة أنمي Dragon Ball مثلاً إذ أنه ورغم روعة القصة وشدة الحماسة التي حملتها إلا أن الدقة والتحريك لم أفضل شيء ممكن.

لكن وفي وقتنا الحالي أصبحت دقة الرسم أهم من أي شيء آخر، وأصبح أمام فنان الأنمي تحدّ جديد هو إذهال المشاهد بالألوان والتحريك وعرض الأنمي بأعلى دقة ممكنة، في الواقع بعض الأنميات اشتهرت بفضل الرسم الرائع والدقة المذهلة في الرسم كأنمي Deamon slayer أو قاتل الشياطين.



الذي يبهرنا حلقة تلو حلقة بمشاهد هي قطع من الفن الرفيع، تجعلك تشعر أن ما تشاهده ليس رسماً بل هو فيلم حقيقي تم تصويره بأفضل كاميرات العالم، لم يركز أنمي قاتل الشياطين فقط على الشخصيات الأساسية إذ إن البيئة المحيطة ومشاهد القتال كانت دقيقة مذهلة بصرياً بلا أي مبالغة، إضافة إلى قاتل الشياطين اشتهر أنمي آخر برسمه المذهل وألوانه المبهرة هو أنمي Jujustu Kaisen.



الذي لا بد أنك شاهدت صوراً لشخصية ساتورو غوجو بعينيه الزرقاوين المذهلتين اللتان جعلتاه الشخصية المفضلة لدى المتابعين والسبب الأساسي لمتابعة الأنمي عند أغلبهم، في الواقع يعاني المغرمون بعيني غوجو حالياً من خيبة الأمل إذ أنه وبسبب تغيير الاستديو لم تعد عينا غوجو رائعتين مذهلتين كالسابق، ولا يمكن الحديث عن الدقة والإبهار البصري دون الكلام عن الأنمي الذي شغل العالم والذي ننتظر بفارغ الصبر نهايته أنمي Attack on titans.



الذي ورغم الانتقادات الموجهة إلى بعض مشاهده المصنوعة بواسطة الـ CGI إلا أنه نجح ومنذ أولى حلقاته بلفت انتباه الجمهور بقصته الفريدة ورسومه الرائعة خاصة المشاهد القتالية التي تحمل متعة لا تضاهيها متعة.

ميزانية ضخمة

منذ اللحظة الأولى التي خرج فيها الأنمي إلى العالم واجه عدم تقبل من قبل بعض البالغين المصرّين أنه رسوم متحركة موجهة للأطفال كأفلام ديزني التي اكتسحت العالم منذ الستينات وحتى الآن، لقد امتلك فنانو ديزني ما لم يمتلكه فنانو الأنمي الميزانية الضخمة التي تتيح لهم انتشاراً عالمياً واسعاً.

منذ بداية نشوء الأنمي وحتى الثمانينات كان صناع الأنمي يعانون من الميزانية المنخفضة والتسويق الضعيف، لكن ومع ارتفاع شعبية بعض الأنميات مثل Gundam و Dragon Ball.. تحول الأنمي من مجرد فن للأطفال إلى صناعة حقيقية مميزة انتشرت من اليابان إلى العالم.



لم تعد ميزانية أعمال الأنمي ضئيلة بأي حال خاصة مع نمو الصناعة حيث كلفت كل حلقة من حلقات أنمي Demon Slayer حوالي 80.000 دولار للحلقة الواحدة أمًا انمي Jujutsu Kaisen فقد كلفت الحلقة الواحدة حوالي 150.000 دولار.

قد تظن أن هذه مبالغ خرافية تبذر لصناعة حلقة أنمي لا تتعدى مدتها الـ 30 دقيقة لكنك ستغير وجهة نظرك عندما تعرف أنه ومع حلول الألفية الجديدة أصبح للأنمي سوق عالمي قدر بنحو 28.61 مليار دولار عام 2022 ومن المتوقع أن يرتفع أكثر بكثير بفضل شعبيته الواسعة.

لم يعد الأنمي ذلك الفن الطفولي المحرم على البالغين، لقد أصبح صناعة مستقلة مربحة ورمزاً ثقافياً عالمياً لليابان له متابعون من شتّى أنحاء العالم.

وأصبح من المعتاد أن تسارع منصات المشاهدة إلى شراء حقوق عرضه لجذب المشاهدين إليها كما فعلت منصة شاهد عندما اشترت حقوق بث أنمي Bleach بدبلجة عربية عبر منصتها كما عرضت قناة MBC ACTION الشهيرة الكثير من الأنميات ذات الشعبية يبدو أن جهود الحرس القديم أمثال مايازاكي وتاكاهاتا وغيرهم من المبدعين آتت أكلها وأصبح الفن الذي فنوا أعمارهم لأجله محط أنظار العالم بأسره.

مواكبة التطورات العالمية

خلال رحلتنا عَبر الزمن ضربنا أمثلة عن أنميات حققت نجاحاً فائقاً رغم أنها انتهت منذ أعوام، إلا أنها احتفظت بمكانة كبيرة في قلوب متابعيها، ولا يمكن وبكل تأكيد الحديث عن تاريخ الأنمي دون ذكر تلك الأعمال التي تخطت الزمن وواكبت التطور والتغير الحتمي ببراعة حقيقية، نقصد هنا أنمي ون بيس الذي حطم الأرقام القياسية عند عرض حلقة الغير الخامس وأنمي Detective Conan.



الذي ننتظر كونان أو شينشي منذ عقود كي يعود إلى شكله الحقيقي، في الواقع لو أردت أن تستكشف بنفسك تطور الأنمي فكل ما عليك فعله هو متابعة حلقات أنمي ون بيس منذ البداية وحتى الآن.

إنها تجربة ممتعة حقاً كما أنها ستسمح لك بملاحظة ومواكبة التغييرات التي طرأت على ون بيس منذ التسعينات وحتى الآن، خاصة على صعيد الرسم الذي أصبح أكثر براعة وضوحاً من قبل.

لقد شكل ون بيس حالة خاصة لن تتكرر في عالم الأنمي واستطاع اختراق عالم الخيال إلى عالم الواقع مع إصدار منصة نتفلكس لمسلسل ون بيس الواقعي الذي يجتاح العالم حالياً محققاً تقييمات خيالية ونسب مشاهدات مرتفعة جداً.

إضافة إلى ون بيس والمحقق كونان بعض الأنميات نالت فرصة جديدة في العصر الجديد، إذ تم إعادة إنتاجها برسم مختلف أكثر حداثة ودقة برونق يجمع ما بين الماضي والمستقبل، مثل أنمي Hunter X Hunter.



الشهير بالقناص في عالمنا العربي والذي نال نسخة حديثة عام 2011 رغم أن مؤلفه لم يقدم أي فصول جديدة منذ أعوام بسبب مشاكله الصحية، إلا أن متابعي هذا العمل المميز لا يزالون متأملين بحدوث معجزة ما تسمح لهم بمعرفة نهاية هذه القصة التي أغرموا بها لعقود.

ختاماً يمكن القول أن الأنمي أكثر بكثير من مجرد رسوم متحركة؛ إنه عالم شاسع ساحر وصناعة متفردة متميزة، نتمنى أن تكون قد استمتعت في رحلتنا التاريخية هذه التي أردنا من خلالها رصد الجهود الجبارة والتاريخ الممتع الذي جعل من الأحلام حقيقية وأهدانا عالماً ساحراً عظيماً هو عالم الأنمي!





ساندي ليلى - أراجيك