كأنّ الله سبحانه عندما طلب من عباده الكمال، أراد أن يريهم ذلك في صورةِ الأنبياء بدرجات متفاوتة {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ}. وعندما خلق النبيَّ محمد صلى الله عليه وآله أراد أن يري عباده كيف يكون كمال الكمال. الشواهد على علو النبي محمد صلى الله عليه فوق الكمال لا تعدّ وما شهد الله سبحانه وتعالى له به من علو منزلة غير خفيّ.
ذكر الله كشاهد على شمول عنايته عز وجل لموسى عليه السلام من بداية عمره، أن الله سبحانه اختار أن يتربى موسى بعينه وعلمه. راقب الله حاله ولم يغب عنه حتى صار موسى عليه السلام إلى ما صار إليه من حسن الصنعة الربانية وتحمل المسؤولية. {وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي}؛ أراقب حالك ولا أغفل عنك من عنايتي بك وشفقتِي عليك؛ حرّم عليه المراضع إلا مراضع أمه وحماه من الأعداء وأنجاه من الغرق في اليمّ ونصره على فرعون وقومه وغير ذلك من أصناف الرعاية الخاصة. فلما استكمل الله صناعته لموسى عليه السلام وأفاض عليه من ألطافه صار موسى عليه السلام نبيًّا عظيمًا من أولي العزم.
إذا كان هذا حال النبي موسى عليه السلام؛ صنعه الله صناعةً ربانيّة - تحت رعايته - فكيف إذًا حال النبي محمد صلى الله عليه وآله وهو أكمل مخلوق؟ يمكن لأي لبشر أن يتكامل في جنبةٍ واحدة أو أكثر من جوانب شخصيته إلا أن الأنبياء على قمة الكمال وعلى رأسهم - فوق الكمال - النبي محمد صلى الله عليه وآله. وقفة قصيرة في التاريخ ترينا أن هذه ليست نظرية إنما حقيقة عاشها من رأى النبيَّ محمد صلى الله عليه وآله في كل أحواله. هذه بعض الشواهد من القرآن الكريم التي يمكن للقارئ الكريم أن يستقصيهَا من صفات كمال النبي محمد صلى الله عليه وآله: {وإنكَ لعلى خلقٍ عظيم}، {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ}، {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}.
أما ما قال عنه من عرفوه فهو لا يحصى: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ما برأ الله نسمةً خيرًا من محمد صلى الله عليه وآله. وفي حديثٍ طويل منه عن الحسن ابن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: جاء نفرٌ من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد أنت الذي تزعم أنك رسول الله وأنك الذي يوحى إليك كما أوحي إلى موسى بن عمران؟ فسكت النبيّ صلى الله عليه وآله ساعة ثم قال: نعم أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا خاتم النبيين وإمام المتقين ورسول رب العالمين.
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}. في أيام مولده لا ننسى أن الله سبحانه أنعم علينا بأكبر نعمة؛ ألا وهي بعثة نبيّ تولى هدايتنا وتربيتنا، وأنقذنا من الضلالاتِ والمتاهات. نبيًّا نحتاج إلى النظر إلى الوراء قبل بعثته لنعرف كيف كان "الإنسان" وما كان عليه من سوء الحال قبل الإسلام، وكيف صار بعد الإسلام!
في أيام مولده صلى الله عليه وآله فرصة مميزة للتعرف على شيء من سيرته ومكانته من المصادر الموثوقة فما قيل عنه وفيه صلى الله عليه وآله في القرآن الكريم ومن الشعر والنثر ما لا يمكن جمعه في مقالٍ من سطور قليلة!
وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني ** وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ
خُلِقتَ مُبَرَّأً مِن كُلِّ عَيبٍ ** كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ