بسم الله الرحمن الرحيم -... {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} - صدق الله العلي العظيم - [البقرة: آية 165].
ما الفرق بين القوة والطاقة والعزم؟ لماذا يبرد جسد الإنسان بعدما يموت؟ من أين أتت طاقة هذا الكون، وكيف تم تخزينها؟ ما قانونا الحرارة الديناميكية المهمان لفهم الكون والطاقة؟
كثيرا ما يتساءل أهل الحكمة عن موضوع تكوين الطاقة وفنائها. وهو سؤال في محله، وبحاجة إلى تقصٍ وتفكر وتدبر. هو فعلا كذلك. وقبل الشروع في شرح هذه القضية، علينا التأسيس لبعض الأمور لنصل للغاية المرجوة.
هناك قانونان مهمان جدا لفهم الكون والطاقة:
1. الطاقة (المادة) لا تفنى ولا تستحدث، لكنها تتحول من شكل إلى آخر.
2. الفوضى (entropy) تزيد في الكون ولا يمكن إنتاج نظام من فوضى بدون تدخل خارجي (Anonymous).
قبل الانفجار الكبير، كان الوجود في صورة متفردة (نقطة كثيفة في غاية الصغر). لم يكن هناك مكان أو زمان (من الصعوبة أن نتصور عدمية المكان أو الزمان - خصوصا الزمان). لم تكن هناك ساعة تتكتك، وحتى لو كانت هناك ساعة، فإنها لن تتحرك قدر أنملة. فلا نستطيع أن نحسب زمانا أو مكانا قبل هذا الانفجار. وكثيرا ما نحاول أن نفسر نحن القضايا بالزمان والمكان فنقول إن الله أزلي قديم. هذا صحيح بالنسبة لنا. وعلينا أن نتذكر بأن الزمكان مخلوق، ولا يمكن أن يحدّ مخلوقٌ خالقَه أو مقارنة الخالق بهذه الأشياء التي تؤثر فقط على المخلوقات. هناك قوانين كونية تخص هذا الكون وتؤثر على من وما فيه، ولا أثر لها خارج إطار الكون (Greene, 2011).
كانت المتفردة قوة واحدة تكتنز طاقة مهولة. والطاقة لا تساوي القوة. نحن نستخدم القوة لننتج طاقة. الترجمة الإنجليزية للقوة (force) ليس بالمعنى الدارج لدينا لأن القوة، عندنا، شيء إيجابي بالنسبة لنا. كلمة (force) أقرب للقسر من القوة لأن القوة شيء داخلي وكامن، بينما القسر عبارة عن تسليط قوة للتحكم في جسم خارجي. وليس المراد هنا درسا في اللغة، ولكن الترجمة الأقرب توضح الصورة بشكل أفضل. وهناك كثير من المفاهيم ضاعت في الترجمة.
بعيد الانفجار، انقسمت تلك القوة إلى اتجاهين؛ إحداهما سالبة (الجاذبية) وأخرى موجبة. والموجبة منها تنقسم إلى 3 قوى، وهي الطاقة الكهرومغناطيسية، التي تحرك الحياة فينا، والقوة النووية المتينة - وهذا ما يحدث في النجوم أو المفاعلات النووية لتكوين الطاقة، ثم القوة النووية الضعيفة، وهي مهمة جدا لتحديد عمر الصخور وسواها، كما أنها الطاقة التي تحرك الوشاح الأرضي (mantle)، وهذا ما يسبب في سخونة المياه المعدنية الناتجة من الأرض وتحريك القشرة الأرضية، وبسبب ذلك تحدث البراكين والزلازل والفيضانات والجبال والانفراج القاري. الاطلاع على (Geiger, 2019) يساعد في فهم بعض تفاصيل مكونات وطبقات الأرض.
يقول بعض العلماء، من أمثال ميتشيو كاكو (Kaku, 2016)، لو جمعنا قوى الكون الأربع فإن محصلتها تكون صفرا، وهذا يعني أن هذه القوى نتجت عن لا شيء طالما محصلة الجمع تساوي صفرا. التفكير في مثل هذه الأمور ترهق الذهن بصورة عجيبة.
يظن بعض العلماء بأن الانفجار ولّد مادة ومادة مضادة (طاقة وطاقة مضادة) كونت أنوية الذرات الصغيرة (هيدروجين وهيليوم وليثيوم) وخزنت الطاقة الزائدة في تلك الأنوية. كل الطاقة، منذ البدء إلى اليوم، تعود للطاقة الأولى منذ أكثر من 13 مليار سنة، والتي تم تخزينها في أنوية الذرات. هذه أوعية صغيرة جدا، ولكن مع تضافرها (مثلما في الشموس)، نستطيع أن نجني طاقة مهولة. هذه نتيجة القوة النووية المتينة.
لقد قلنا بأن الجاذبية قوة سالبة في الكون، ومحصلتها تساوي باقي القوى الثلاث في الكون، لنصل إلى حصيلة صفر. كلنا يعرف معنى الجاذبية، ولقد تطرق ابن طفيل لهذا الموضوع في قصته ”حي بن يقظان“، في القرن الثاني عشر الميلادي، إذ وصف بأن للصخور خاصية السقوط والذهاب للأسفل حتى تدفن نفسها في الأرض. وهذه ملاحظة ذكية جدا من أبي بكر محمد بن عبدالملك بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي. نحن نعرف بأن من يسقط من علو يتأذى وقد يموت، اعتمادا على الارتفاع الذي يكون فيه. وهذا بسبب تأثير الجاذبية الأرضية.
نعود للقوى الثلاث الأخرى. قلنا إن الشموس تستخرج جزءا من طاقة الذرات من خلال دمج نُوَيَّاتِها لتكوين ذرات أكبر. خلال هذا الدمج، يتسرب جزء من تلك الطاقة الدفينة التي ابتدأت من الانفجار الأول. تصل لنا هذا الطاقة من الشمس كضوء وحرارة، بالإضافة إلى أشياء أخرى لا نراها ولا نشعر بها، وبعضها يشكل خطرا على جسم الإنسان. بسبب قدرة الطحالب والنباتات على امتصاص الطاقة من ضوء وحرارة الشمس، تتحول القوة إلى كهرومغناطيسية، بحيث تكون النباتات مركبات عضوية (أغلبها سكر)، فتحول القوة النووية إلى قوة كهرومغناطيسية كامنة في جزيئات السكر. الحيوانات تتغذى على النباتات، وتخزن هذه الطاقة في شحومها ولحومها. وتأكل الضواري الحيوانات العاشبة لتعيش لأنها بحاجة إلى طاقة. ثم نأتي نحن لنأكل النباتات ومن يأكلها من الحيوانات، فتتحول الطاقة الكهرومغناطيسية إلينا. أجسامنا لا تحرق إلا السكر كمصدر للطاقة. ونستخدم هذه الطاقة لرفع درجة أجسامنا إلى 37 درجة مئوية، وهذه درجة مناسبة لحرق الطاقة وتحويلها إلى سكر، ثم يتم التفاعل، فتنتج أجسامنا حرارة. وتعتبر الحرارة طاقة مهدورة وتسبب في زيادة الفوضى في الكون. لنفهم كيف تكون الطاقة الحرارية هدر، علينا أن نتصور محرك السيارة الذي يحوّل طاقة حرق الوقود إلى حركة، ولكن أكثرها يتحول إلى حرارة بحاجة إلى تبريد. كمية الحرارة الخارجة تعتبر هدراً للطاقة لأننا في هذه الحالة نرغب في الحركة، لا الحرارة. الحرارة تزيد من الفوضى الكونية كما هو موضح في القانون الثاني للحرارة الديناميكية (thermodynamics). هنا نرى أننا استفدنا من الطاقة لإنتاج حركة مرغوبة، بينما جزء من الطاقة تحول إلى فوضى. محصلة الطاقة الأساسية هنا تساوي الحركة + الحرارة + أشياء أخرى. فلو قارنا الطاقة الناتجة مع النتيجة الحاصلة فستكونان متساويتان، بالرغم من وجود الهدر. وعليه، هذه الطاقة لا تفنى وستظل موجودة في الكون وإن تغير شكلها. وعندما تتحول كل الطاقة الكونية إلى فوضى، يموت هذا الكون.
لا حاجة لنا أن نناقش القوة الرابعة، النووية الضعيفة، ولكن ينطبق عليها ما ينطق على القوتين الموجبتين الأخريين.
لنراجع الموضوع قليلا ونربط الخيوط. هناك قانونان مهمان بخصوص الطاقة والفوضى. أنتج الانفجار العظيم أربع قوى تسيطر على هذا الكون. وتم تخزين جزء من الطاقة الناتجة من الانفجار في أنوية الذرات. كل الطاقة التي نستخدمها في الحاضر تم إنتاجها منذ اللحظة الأولى من الكون. وهذه الطاقة تتحول فقط من شكل إلى آخر، ولكنها لا تفنى ولا تستحدث.
اليوم أنت تستخدم هاتفك الذكي المتنقل إذ يتم تخزين الطاقة في شرائح من عنصر الليثيوم. وتعتبر هذه الطاقة المخزونة عن سيل من الإلكترونات تم تخزينها في المجال الأخير لذرة الليثيوم (هذه قوة كهرومغناطيسية خارج نواة الذرة). وحين تنفد الطاقة، عليك بإعادة شحنها. الطاقة لم تذهب سدى لأنك استخدمت هاتفك لأداء مهمات معينة. وتلاحظ أيضا بأن جهازك يسخن، ويعتبر هذا هدراً للطاقة، ولكن من الصعوبة التخلص من هذا الهدر.