هى سيدة وأرملة ايضاً
تعيش وحيدة بعد ترملها فى مسكن فاخر كبير مع خادمتين شقيقتين
دولاب ملابسها مزدحم بالملابس الغالية ولها طقوس خاصة بحياتها وتحرص عليها
والفتاتان عاطلتان من الجمال وفى سنّ مقاربة لسن السيدة وعالمهما محدود
بالعمل المنزلى وغرفة نومهما البسيطة وتلبية طلبات السيدة ورعايتها
علاقتهما بالسيدة طيبة إلى حدّ ما لطول عشرتهما لها ولرقتها فى التعامل معهما طوال الوقت ..لكنهما فى نفس الوقت
يُضمران لها كراهية من نوع عجيب ..فهى تمتلك كل ما حُرمتا منه ,الجمال ..والثراء.. والعائلة العريقة ..والأهم من هذا
كله , الحب والإهتمام
من طقوس هذه السيدة هى أنها كانت تستيقظ كل يوم من نومها
القصير بعد الغداء
فتدق الجرس وتدعو إحدى الفتاتين طالبة منها الشاى ..فتأتى به إليها
وتتناوله السيدة ببطء فى فراشها , ثم تنهض متكاسلة إلى حمامّها الخاص وتعود لترتدى ملابسها
التى أعدتها لها إحدى الخادمتين ومن ثم تشترك الشقيقتان فى مساعدتها على إرتداء ملابس الخروج
وتصفيف شعرها ووضع المساحيق التى تزيدها جمالا , ثم تقدمان لها حقيبة يدها ويودعانها إلى باب المسكن
لتخرج السيدة الأرملة فى زيارة لإحدى صديقاتها أو إلى المسرح أو إلى السينما وتودعهما باسمة شاكرة وتغيب وراء
الباب .فما أن تتأكد الشقيقتان من مغادرتها للمنزل حتى تبدأن
حفلة الحقد
ففى كل يوم تتقمص إحدى الشقيقتين شخصية السيدة , فترتدى ملابسها وتنام فى فراشها وتدق الجرس وتطلب الشاى
من خادمتها بلهجة ارستقراطية مفتعله , وتصدع الأخرى بأمرها ..وتُمضى المساء فى تلبية طلباتها
ومساعدتها على خلع ملابسها وتدليك قدميها كما تفعلان مع السيدة الحقيقية
حتى إذا حان موعد عودتها , أسرعت السيدة المزيفة بخلع ملابسها وارتداء ملابس العمل
وتقف مع شقيقتها بجوار الباب تستقبلان السيدة بخنوع واحترام
بعد أن أفرغتا كل طاقتيهما من الحقد عليها خلال ساعات غيابها
وفى اليوم التالى يتم تبادل الأدوار فتنام إحدى الشقيقتين فى السرير
وتقوم الأخرى بخدمتها وهكذا
وحدث أن ظهر رجل فجأة فى حياة هذه السيدة الأرملة وبدا من
تصرفاتها معه
أنها تميل إليه وربما تزوجته
ولسوء حظ هذا الرجل فإنه هارب من قضية قديمة لذا فقد أرسلت إحدى الخادمتين بلاغاً للشرطة تكشف فيه
أمره وبالفعل تتبعته الشرطة وألقت القبض عليه
حزنت السيدة لما حدث لهذا الرجل وهرولت وراءة تسعى لمساعدته
وكلفت محامياً كبيراً للدفاع عنه حيث كشفت المحنة عن عمق مشاعرها نحوه
ولهذا السبب كثر خروج السيدة يومياً للقيام بمساعيها للإفراج عن هذا الرجل
وهنا وجدت الشقيقتان فرصاً عديدة لممارسة هوايتهما فى الحقد عليها ووجدتا فى حزنها وقلقها
على رجلها فرصة أكبر للشماته فيها خلال هذه الحفلات
وهكذا تتطور حفلات الحقد التى تكشف عن حقيقة لا مفرّ منها وهى
أن كلتا الشقيقتين تحب كلّ واحدة منهما الأخرى لدرجة لا تطيق معها فراقها
وفى نفس الوقت تكره كلّ منهما الأخرى كراهية عميقة ولا أمل فى ذوبانها مع الأيام
ولأن الحقد لا سقف لطموحاته ولا حدود , فإنه يتصاعد حتى يصل إلى أن تقرر الشقيقتان قتل
السيدة من خلال وضع السمّ لها فى فنجان الشاى الذى تتناوله كل أصيل
وفى اليوم المحدد تستيقظ السيدة من نومها وتطلب الشاى الخاص بها كالعادة , فتُقدم لها إحدى الشقيقتين الفنجان
المسموم
فى نفس اللحظة تتلقى السيدة مكالمة تليفونية مفاجئة تعرف منها أنه قد أفرج عن حبيبها وأنه ينتظرها
فى مقهى قريب فتهرول لارتداء ملابسها وتخرج للقائه تاركة وراءها فنجان الشاى المسموم
وعلى الفور وبعد خروجها كالعادة تبدأ حفلة الحقد اليومية
فترتدى إحدى الخادمتين ملابس السيدة وتنام فى فراشها وتدق الجرس فتأتى الخادمة فتشير إليها بترفّع إلى كوب
الشاى الموضوع فى مكانه وتأمرها بتقديمه لها
تحاول شقيقتها أن تنبهها أن هذا الفنجان مسموم وأنها تعلم هذا من قبل وتنبهها إلى ضرورة
إيقاف اللعبة الآن , لكنها تتمادى فى الدور حتى النهاية وتكرر نداءها لها باللهجة الارستقراطية الآمرة : الشاى
وتعاود شقيقتها تنبيهها , لكن الأخرى كانت قد مضت بعيداً فى عالم الوهم فلا تتنازل عن أرستقراطيتها
ولا عن المطالبة بالشاى ..فتنجرف الأخرى إلى اللعبة ..وتقدم لها الشاى
فتتناوله وتموت
وبموت هذه الفتاة يُنزل الستار على مسرحية
" الخادمات"
التى كتبها الأديب الفرنسى صاحب الماضى الإجرامى العجيب جان جينيه
والتى عُرضت لأول مرّة فى عام 1952
فصورت أغوار النفس البشرية تصويراً مفزعاً
وإختيارى اسم " حفلة حقد " لهذه المسرحية كان كرد فعل للعديد من المشاهد
التى تبرر فيها كُلاً من الشقيقتين حقدها وكراهيتها لهذه السيدة التى تعيشان
فى كنفها وتترفق بهما ..
تُرى كم حفلة حقد يقيمها البعض كل يوم ويبددون فيها من الطاقة النفسية مالو وجهوه إلى عمل مفيد لحياتهم
لنالوا بعض أو كلّ أسباب نجاح الآخرين وسعادتهم
وترى كم حفلة حقد أخرى تمادى فيها الآخرون فى آداء أدوارهم فيها حتى اختلطت عندهم الحدود
فالتهمهم حقدهم وراحوا ضحايا لأحقادهم على غيرهم ..تماماً كما راحت تلك الخادمة البائسة ضحية
لحقدها على سيدتها فى مسرحية جان جينيه
شكراً لحسن متابعتكم