المكانة الاجتماعية

يمتلك كلّ فردٍ من الناس رغبات متعدّدة ومتنوعة، تلك الرغبات بعضها كامنة والأخرى بارزة، لكن تختلف درجتها لدى كلّ إنسان من حيث بروزها أو اختفائها، فبعض الناس تجد رغبة الأكل بشراهة بارزة لديه، وآخر يضع لها قانونًا بحيث يستطيع التحكّم فيها، هي الرغبات يحكمها نظام معيّن بحيث تقنّن، وتهذّب في بعض الأحايين، فجميع الرغبات الموجودة عادة ما تكون بارزة، ولكن ما إن تحكّم فيها صاحبها صارت مهذّبة.
الرغبات عند أيّ فرد تختلف قوتها من حيث الممارسة، فمنها ما هو إيجابي وآخر سلبي، فعندما يستخدم الإنسان الرغبة في الأكل بصفة مقنّنة فإنها تصبح إيجابية لاستمرار حياته في كامل الصحة، على العكس من ذلك لدى الآخر الذي يتعامل مع شهيته المفتوحة للأكل على نحو سلبي فسوف يصاب بالأمراض، كذلك هي رغبة الجنس عندما يمارسها على نحو إيجابي يحفظه من الحرام عبر الطرق السليمة التي من خلالها تبنى الأسر وتستمرّ الحياة.
من تلك الرغبات هي الرغبة في تحقيق المكانة الاجتماعية التي يسعى لها كلّ فرد، بل هي محلّ أنظار كثير من الناس، هذه الرغبة كغيرها، فيها النوع الإيجابي والنوع السلبي، فالبعض يسارع لكي تكون له تلك المكانة بالطرق السلبية السريعة، فلا يبالي لأيّ أمرٍ كان، بل يزاحم عليها، ويقاتل للحصول على مراده، البعض يسعى لكي يحصل على الشهادات العليا، حتى وإن دفع المبالغ الطائلة للحصول على لقب أكاديمي يليق باسمه - في اعتقاده - فيكسب بذلك احترام الآخرين مع أنّ تلك الشهادة غير معترف بها.
وفي الطرف الآخر يوجد آخرون يسعون لكسب المكانة الاجتماعية بالطرق المشروعة، لذلك تجد فروقًا بين الاثنين، فالأول يسعى لإرضاء غروره فتتكون لديه حالة من النرجسية، وتجد بروز هذه الحالة عندما يدخل مكانًا عامًّا فتراه يتوقع من الآخرين إبراز الاحترام المبالغ فيه لحضرته على حساب الآخرين، وإن لم تتحقّق أمنيته يتأذى، ويعتبر ذلك قلة احترام لشخصه الكريم، مع أنّ الواقع غير ذلك، بل البعض قد ينسحب من المكان لذات السبب، ولا يقبل تقديمه أو مناداته إلّا بتلك الصفة التي سعى لها.
أما الثاني فهدفه مختلف جدًّا، فسعيه للحصول على المكانة الاجتماعية عبر الطرق السليمة أو بمعنى أصح الإيجابية هي الخدمة التي سعى من أجلها، كدراسته المتقدّمة يريد منها رفع مستوى مجتمعه وبلده، فلا يبالي بالألقاب، ولا يتأذى من مكان استُقبل فيه وجلس حيثما وجد متّسعًا، فهو يزيّن مكانه ويرفعه، على العكس من الأول الذي يظنّ بأنّ المكان هو الذي يزيّنه ويرفع من شأنه.
وقِس على ذلك جميع الأشكال، منها من يسعى لكي يكون رجل دين يلبس الزّي الذي يرفع من مستواه الاجتماعي، ومن يسعى لشراء الملابس الفاخرة والمقتنيات الغالية كالسيارة وغيرها، كلّ ذلك فيه ما هو إيجابي وما هو سلبي كالمثال السابق.
ليس هناك شك في أنّ المكانة الاجتماعية تمثل ضرورة ورغبة يمتلكها كلّ إنسان، لكن على من أرادها يسعى لها بالطرق السليمة المقنّنة لكي تأتي بنتائج إيجابية.