"أبرامز".. أوكرانيا تحصل أخيرا على الدبابة التي تعول عليها لترجيح كفة المعارك ضد روسيا لصالحها

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الاثنين عن وصول أولى دبابات "أبرامز" الأمريكية، مثلما كان جو بايدن قد وعده مطلع 2023. بفضل قوتها النارية الهائلة ودروعها المعززة، بات ممكنا لقوات كييف أن تعول على هذا السلاح لترجيح كفة المعارك بوجه الجيش الروسي لصالحها، على الرغم من أن هذه المدرعة الحديثة لا تخلو من عيوب.

نشرت في: 28/09/2023



جنود بولنديون يطلقون النار من دبابة أبرامز خلال تدريبات تجريبية في منطقة عسكرية قرب أورزيسز. بولندا في 16 سبتمبر/أيلول 2023. © رويترز


دخلت دبابة غربية ثقيلة جديدة إلى ساحة المعارك في أوكرانيا لتضاف إلى نظيرتها الألمانية ليوبارد 2، مع إعلان الرئيس زيلينسكي عن وصول أولى الدبابات الأمريكية من طراز أبرامز M1A1 إلى بلاده، مرحبا بهذه "الأخبار الجيدة"، التي لم ترق لموسكو.
وقال زيلينسكي على تطبيق تلغرام إن دبابات "أبرامز موجودة فعلا في أوكرانيا ويتم تجهيزها لتعزيز كتائبنا"، دون تحديد عدد الدبابات التي تم تسلمها. كما عبّر الرئيس الأوكراني عن مدى "امتنانه للحلفاء على الوعود التي تم الإيفاء بها".
في المقابل، توعد الكرملين الثلاثاء بأن هذه الدبابات "ستحترق"، وأن وصولها ساحة المعركة "لن يغير ميزان القوى" بين الجبهتين، حسبما قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، مضيفا: "كل هذا لا يمكنه أن يؤثر بأي طريقة على جوهر هذه العملية العسكرية الخاصة، ونتيجتها".


كما أكد الكرملين بأنه "لا يوجد علاج سحري ولا سلاح يمكنه تغيير ميزان القوى في ساحة المعركة".
وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن الأسبوع الماضي عن تسليم هذه الدبابات إلى كييف خلال زيارة زيلينسكي البيت الأبيض سعيا للحصول على دعم إضافي، فيما تواصل قواته هجومها المضاد لاستعادة الأراضي التي بسط الروس سيطرتهم عليها.
ووعدت الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني بتسليم الأوكرانيين 31 دبابة من طراز أبرامز، مزودة بذخائر تحتوي على اليورانيوم المنضب بعيار 120 ملم، مضادة للدروع وقادرة على اختراقها إلا أنها مثيرة للجدل لمخاطرها المزدوجة على الجنود والمدنيين.
على الرغم من ذلك، فإن واشنطن لن تسلم كييف أحدث نسخها من هذه الدبابات أي أبرامز M1A2، بل إنها تكتفي بتزويد الأوكرانيين بدبابات من الطراز القديم قام الجيش الأمريكي بتحديثها. إضافة إلى ذلك، فقد تم تجريد هذه الدبابات من بعض التكنولوجيات المتقدمة تحسبا لوقوعها في قبضة الروس، حسبما كشفت صحيفة USA Today.
دبابات أبرامز.. "الوحش المعدني"
على الرغم من تلك التعديلات، تبقى أبرامز M1A1 أحد أكثر المدرعات كفاءة في العالم، إلى جانب ليوبارد الألمانية ولوكلير الفرنسية وتشالنجر البريطانية.
دخلت دبابة أبرامز، التي صنعتها شركة "جنرال دايناميكس" وسميت تكريما لأحد جنرالات الحرب العالمية الثانية، الخدمة في أوائل ثمانينيات القرن العشرين. إلا أنها لم تدخل ساحة المعارك بشكل فعلي سوى بعد مضي عشر سنوات مع اندلاع حرب الخليج وتحديدا في عملية عاصفة الصحراء في 1991. لاحقا، تم نشرها ضمن مهمات في البوسنة والهرسك وكوسوفو، ومن ثم العراق منذ 2003.
وقد تزودت بها بضعة دول من حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك أستراليا، الكويت، مصر، المغرب، والعراق. أما في أوروبا، فقد قدّمت بولندا طلبية ضخمة لشراء 366 دبابة وصلت أول دفعة منها في يونيو/حزيران الماضي. من جهة أخرى، من المنتظر أن تستلم تايوان أيضا أول دفعة من هذه الدبابات في 2024.

وتعتبر دبابة أبرامز M1A1 بمثابة الوحش المعدني، إذ يبلغ وزنها 56 طنا، وهي مزوّدة بقوة نيران مماثلة لتلك الموجودة عموما في الدبابات الغربية الحديثة، وذلك بفضل مدفع 120 ملم قادر على الاشتباك مع أي هدف معاد على مسافة تتخطى 4 كيلومترات، ميزة هامة في حال واجهت دبابة T-72 التي نشرها الجيش الروسي.
في هذا الشأن، يوضح مارك شاسيلان المتخصص في قضايا الدفاع: "في حالة القتال المباشر، يمكن لدبابة أبرامز M1A1 أن تعوّل على قدراتها على اكتشاف الأهداف البعيدة وتحديدها. إذ إن لديها رؤية أبعد وأفضل، في الليل والنهار وفي كافة الظروف الجوية وذلك خصوصا بفضل كاميراتها الحرارية".
كما يوفر درعها المركب من عدة طبقات لها حماية معززة في حال تعرضها للهجوم. يضيف نفس المتحدث: "هي دبابة تعرف كيف تقاوم الضربات. حمايتها الأمامية ستقيها من عدة مقذوفات مضادة للدبابات يمكن للروس إطلاقها".
"قدرات تبقى محدودة"
على الرغم من كل تلك الميزات القتالية وخصوصا قوتها وقدراتها على التحرك والمقاومة، فإن دبابة أبرامز ليست خالية من العيوب. فقد اعترف جو بايدن نفسه لدى إعلانه في يناير/كانون الثاني عن قرار تسليم أوكرانيا المدرعات الأمريكية، بأنه وعلى الرغم من أن "دبابة أبرامز هي الدبابة الأكثر كفاءة بالعالم"، إلا أن "صيانتها معقدة أيضا. لذلك سنرسل المعدات اللازمة للمحافظة على هذه الدبابات وصيانتها في الميدان".
لكن الأدهى من ذلك، هو مشكلة أخرى تعيب هذه الدبابات: استهلاك محركها التوربيني للوقود بشكل هائل. يشرح مارك شاسيلان في هذا الصدد: "إنه محرك ديناميكي للغاية إلا أنه يستهلك نحو ضعف ما يستهلكه محرك الديزل. خلال اختبارات المقارنة التي تم تنفيذها في اليونان، قطعت أبرامز مسافة 280 كلم واستهلكت 2200 لتر من الوقود. وهذه ضعف الكمية التي تستهلكها لوكلير (الدبابة الفرنسية) لقطع نفس المسافة".
توضيحا لنقائص الدبابة الأمريكية التي تعوّل عليها كييف كثيرا، قال الجنرال جان بول بالوميروس القائد الأعلى السابق في "تحويل قيادة الحلفاء" القيادة العسكرية التابعة لحلف شمال الأطلسي في مقابلة سابقة مع قناة فرانس24، إن "دبابة أبرامز لها حدودها". وأوضح نفس المصدر: "هي لا تستهلك الكثير من الوقود فحسب، بل إنها كذلك معرضة في بعض الأحيان لمشكلات فنية، وهو ما ينبغي أخذه في الحسبان بالنسبة إلى عملها".
من جهة أخرى، فإن دبابات أبرامز ليست مخصصة للعمليات السرية. إذ إن محركها التوربيني يطلق عادة كميات كبيرة من الغاز الساخن، ما يجعل من السهل رصدها بواسطة الكاميرات الحرارية.
"أبرامز" والهجوم الأوكراني المضاد
من العناصر الرئيسية في العمليات الهجومية في الحرب الحديثة، تشكل هذه الدبابات القتالية الثقيلة قوة هجومية إضافية للجيش الأوكراني لكن دون أن يكون عددها كافيا لتكون حاسمة على أرض الميدان.
يرى الجنرال بالوميروس: "ما يصل من هذه الدبابات هو فقط أعداد محدودة. ويكمن التحدي الذي يواجه فولوديمير زيلينسكي هو ضمان أن تكون عملية التسليم هذه الأولى من سلسلة تسليم أكبر لاحقا، لبضع عشرات أو حتى المئات من دبابات أبرامز".
من جهة أخرى، تبقى الدبابات أبرامز M1A1 كغيرها من باقي الدبابات الغربية الأخرى، عرضة لخطر الألغام التي تتسبب حاليا في إبطاء تقدم الأوكرانيين.
في هذا السياق، يوضح مارك شاسيلان بأن "المشكلة بالنسبة للأوكرانيين هي في اختراق خطوط الدفاع الروسية للعثور على احتياطيات الجيش خلفها وإقحامهم في المعركة. لكن وطالما لم يتم اختراق خط الدفاع، فلن يكون هناك قتال لخوضه". يؤكد نفس المتحدث في هذا الإطار على أهمية سلاح الهندسة الذي يهدف إلى "الاختراق" بمعنى "فتح الممرات عبر حقول الألغام، لكي تتمكن المركبات المدرعة والمشاة من المرور عبرها".
يتابع نفس الخبير: "لكن ليس لدينا أي من معدات الاختراق تلك. ففرنسا، مثلا، تمتلك ستة منها فقط". يضيف شاسيلان: "ببساطة، لأن 30 عاما قد مضت منذ أن تخلينا تماما عن فكرة أننا قد نضطر في يوم ما إلى اختراق حقول الألغام".
هذا، ويصطدم الهجوم الأوكراني المضاد في الوقت الراهن بخط روسي واسع من التحصينات والألغام والفخاخ المضادة للدبابات، ما يؤدي إلى إبطاء جهود قوات كييف الرامية إلى استعادة الأراضي التي احتلتها روسيا. وهي لم تمكن حتى اليوم سوى من استعادة عدد قليل من القرى في جنوب وشرق البلاد.
بالرغم من ذلك، فقد نجحت القوات الأوكرانية خلال الأسابيع الأخيرة في بلوغ الخطوط الروسية الأولى جنوبا، حيث استولت في أوائل سبتمبر/أيلول على بلدة روبوتيني في منطقة زابوريجيا. يبقى هذا الزخم ضروريا للجيش الأوكراني للحفاظ على الأمل في تحقيق اختراق حاسم قبل أولى موجات الصقيع في فصل الشتاء.