تقسم الآيات التي تتكلم عن الزلازل حسب اهتماتها و مضامينها إلى :
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا {1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا {2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا {3}
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا {1} وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا {2} وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا {3} فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا {4} فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا {5} يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ{6} تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ {7} قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ {8} أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ {9}.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ {1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد.
لمستعرض الآن كلا من هذه الآيات بشيء من التفصيل :
أ ـ في سورة الزلزلة نرى لوحتين مرتبطتين ببعضهما البعض . الأول ظاهرة الزلزلة و الرجفة التي تنتاب الكرة الأرضية يوم القيامة ، و كلمة إذا هنا تجمع ما بين معنى الظرفية و المباغتة و المفاجأة ، و ذلك لأن الزلازل تتم بدون علم الناس و بدون سابق إنذار ، وأمل الناس الآن معرفة زمن وقوعها معرفة واضحة محددة . أما اللوحة الثانية فإنها بلا شك نتاج الأول أي الزلزلة و تصور لنا أن الأرض ستخرج أثقالها من باطنها إلى سطح الأرض الخارجي .
لقد أجمع جل المفسرين تقريباً بأن المقصود بجملة : ( و أخرجت الأرض أثقالها ) إنما يقصد به بعث و خروج الموتى من أجداثهم و يرافق ذلك خروج الكنوز المدفونة تحت الأرض . و هنا أقول أيا كان التفسير ، فإن من الأمور المعروفة و المسلم بها أن حدوث الزلازل العادية سبب من أسباب صعود مواد الأرض الباطنية العميقة إلي سطح الأرض و ما تجدد البراكين بسبب حدوث الزلازل إلا شاهد حي على ما ذكرته . هذه الزلازل العادية التي عاشها الإنسان خلال وجوده على الأرض ، والتي لم تزد قوة أعظمها عن قوة بضع ملايين من القنابل الذرية المعيارية ، قد أدت إلى قتل ملايين البشر و إلى تبدلات ملحوظة في مظهر التضاريس ، و علمت على صعود كميات كبيرة من الصخور الباطنية نحو السطح . فما بالك بزلزلة يوم القيامة التي ستنال الأرض كاملاً وليس مناطق محددة كما هو الأمر حالياً ، و كيف يتم نسف الجبال و البحار ، وكيف تحمل الأرض و الجبال و تدك دكة واحدة ، إن لك تكن قوة الدفع الباطنية زلزلة هائلة القوة ، و هل من المعقول أن يحدث مثل هذا الواقع المرعب و تتبدل الأرض غير كما جاء في البيان الإلهي ، و لا يخرج الأرض أثقالها الباطنية و تدفع بصخورها المصهورة العالية الكثافة إلى سطح الأرض الخارجية فتمتد الأرض مدا .
و لنتوقف قليلاً عند تركيب الأرض و نرى كيف تتبدل نوعية و كثافة الصخور ( مركبات الأرض ) كلما اتجهنا من السطح إلى النواة الداخلية . و تتكون الكرة الأرضية من طبقات متتالية تتنامى فيها كثافة المواد و تزداد تدريجياً نسبة المركبات الحاوية على عنصر الحديد و أكاسيده المختلفة و ذلك مع اقترابنا من النواة . و تزايد الكثافة مرده أساساً تزايد الضغط. فكلما تعمقنا داخل الأرض تزايد وزن الطبقات الأرضية ، و مرده كذلك إلى عمليات الفرز الثقلي بسبب الحرارة العالية في نواة الأرض و مركزها ، مما يسمح بتمركز العناصر الحديدية الأثقل و الأكثر كثافة في النواة ، بينما تتمركز في الأجزاء العليا من طبقات الأرض الصخور الرسوبية و الغرانيتية ثم البازلتية في صخور القشرة الأرضية و هي صخور قليلة الكثافة مقارنة مع الصخور العميقة ، ووزنها النوعي لا يزيد عن ( 2.5 ـ2.7).
أما الصخور التي تكون طبقة الرداء ( المانتيل ) فإن أوزانها النوعية أكبر فهي التي تكون طبقة الرداء ( المانتيل ) فإن أوزانها النوعية أكبر فهي أثقل و تصل إلى (3ـ3.5) و هي مؤلفة بخاصة من البريوديت المتنوع و يحتوي على الأوليفين و الأوليفين و الأوجيت و الغرانات .. الخ .
و لكها صخور وفلزات فوق قاعدية فقيرة بالسيليس الخفيف وزناً.
و في نواة الأرض سواء الخارجية منها أو الداخلية يسيطر فيها الحديد و أكاسيده المختلفة Feo ، Fe203 مع قليل من النيكل و كبريت الحديد .
و بسبب ما ذكرناه يرتفع الوزن النوعي للنواة عامة إلى ( 4،4ـ 5،3) .
و هكذا تزايد قيم الوزن النوعي للمواد المكونة للأرض من القشرة إلى النواة المركزية .
و عندها تقع زلزلة يوم القيامة المروعة التي ستستمر طويلاً لا بد من أن تندفع كميات كبير من الطبقات الباطنية العميقة ذات الوزن النوعي الكبير إلى السطح الخارجي ، و يبين لنا الجدول التالي تزايد كل من قيم الوزن النوعي و الكثافة في باطن الأرض لارتباطهما مع بعضهما البعض بالنسبة لبنية الأرض .
ب ـ سورة النازعات : نتوقف في هذه السورة عند الآيتين الكريمتين ( يوم ترجف الراجفة . تتبعها الرادفة . و هما لوحتان لمشهد زلزالي واحد ، ، انقسم علماء التفسير في بيانهما و توضيحهما . فأكثر العلماء اعتبروا الراجفة النفخة الأولى ، و الرادفة الثانية . ووجد آخرون في الرجفة الأرض ، و الرادفة الساعة ، كما أن منهم من قال إن الراجفة هي الزلزلة ، و الرادفة الصيحة ، وقلة من أشاروا إلى أن الراجفة تمثل اضطراب الأرض ، و الرادفة الزلزلة . إن التصور الأخير في اعتقادي هو الأكثر واقعية و ليس هنالك من فارق في عام الزلازل بين اضطراب الأرض و الزلزلة ، و يجب أن أبين أن ترتيباً معيناً يتم عن حدوث الزلازل : ففي البدء و قبل حدوث الهزة الكبرى الأساسية عادة . تظهر هزات أرضية هزات أرضية خفيفة تمهيدية تعرف باسم الهزات الطلائية ( for shoch) بعد هذه الهزات تأتي الهزة الأساسية المخربة أو ذات التأثير الأكبر . و بعد فترة هدوء نسبية غير طويلة عادة تأتي الهزة المكملة و هي التي تكمل مهمة الهزة الأساسية في التدمير و التخريب ، إذ تنهي في الزلازل القوية تخريب ما لم يخرب سابقاً . و تعرف عادة باسم ما بعد الهزة و يقصد بها الأساسية ـ أو( ( After shoch .
و لقد قصد القرآن بتصوري بكلمة الرادفة هذه الهزة المكملة . و الهزة الرادفة أضعف من الأولى بشكل عام و لكن قد يحدث العكس . و تاريخ الزلازل حافل بهذه المفاجآت .
ج ـ سورة الحج : تفتتح هذه السورة بمشهد زلزالي مرعب لا نرى له مثيلاً في الآيات و السور القرآنية الأخرى ، فيها بيان لما سيصيب الناس من هلع و فزع و خوف . فالأمواج الأهتزازية تضرب الأرض بقسوة ووحشية ، و الناس يهيمون في العراء على وجوههم ، ولقد أخذ منهم الرعب كل مأخذ ، و جميعهم يطلب النجاة : الأم ألقت أغلى ما لديها و هو رضيعها ، و هربت خوفاً على نفسها ، و أجهضت ذوات الحمل . و الناس كالسكارى من هول الموقف و من الذعر ،و قد بهتوا و لا يدرون ما وقع و ما يجب فعله و ما سيحدث و بتصوري أنهم سيعرفون آنذاك أن القيامة قد وقعت و أن الأرض و من عليها ملك الله الشديد القاهر القادر .
تعكس آية الزلزلة في سورة الحج واقعتين الأول : نفسي ، وهو ما أشار إليه كل علماء التفسير ، والمتمثل بكلمات القرآن المعبرة عن حال الناس آنذاك ، والثاني : حسي ، و هو ما يحدث في الزلازل القوية المدمرة : الأرض تمور موراً شديداً و تضطرب بقوة . الأمواج الزلزالية الأهتزازية بأنواعها المختلفة تحدث نسيجاً من الاهتزازات يصعب تصوره و تخيله ، فبعضها يدفع الناس و الأشياء إلى الأمام ، ثم يقذف بهم وبها إلى الوراء ( الأمواج الطولية ) فالناس كالسكارى في حركتهم ، و الآخر يقذف ما على الأرض نحو الأعلى ثم يهبط بها نحو الأسفل ( خافضة رافعة ) و للأمواج العرضية و السطحية دور أساسي في هذه الحركة .
كما تتعرض التربة و ما عليها لحركات دورانية و انحرافية . و بالطبع لا تقع هذه الحركات متتالية بل في آن واحد بسبب استمرارية الزلزلة فكيف لا يصبح الإنسان كالسكران في ذهوله و لا وعيه ؟ و كالسكران في تمايله و ترنحه .
و بالواقع كل ذرة أو جسم صخري ( تربه ) يتعرض في حال استمرار الزلزال لفترة طويلة نسبياً إلى حركات دفع راسية نحو الأعلى و الأسفل و إلى عمليات دفع دورانية . و كأننا أمام ذرة غبار تتأرجح وسط عاصفة هوجاء.