ذكر الله هذه الحشرة في القرآن مؤكداً هذا المعنى فقال تعالى: ﴿(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)) (الحج: 73).
بديع الأسلوب
الخلق كله لله، ولكن الأسلوب القرآني المعجز يختار الذباب الصغير الحقير، ويتحدى بخلقه بل باسترجاع ما يخطفه منه، لأن العجز أمام هذه الحشرة الحقيرة المستقذرة، يلقي في الحس ظل الضعف أكثر مما يلقيه العجز عن خلق الجمل والفيل وأمثالهما، وهذا من بدائع الأسلوب القرآني العجيب، على أن هذه الحشرة رغم ضعفها ومهانتها وقذارتها، كثيرة ومتنوعة تربو على 100 ألف نوع من الذباب كل نوع يحتوي على ملايين الملايين.
من وظائف هذه الحشرة أنها تُنَقِّي الهواء، بقضائها على النباتات أو العضويات المتفسخة، ولكنها تحمل في طَيَّاتها ما يزيد على 500 مليون جرثوم، ووجود الذباب في مكانٍ ما مؤشِّر على أن هذا المكان ليس نظيفاً، فكأنها رادعٌ قوي كي ننظف أفنيتنا كما وجَّهنا النبي عليه الصلاة والسلام، فهل في الوجود قوة، أم تستطيع كل القوى المعبودة المخترعة لو اجتمعت أن تخلق ذباباً واحداً؟
التحدي القرآني
كلا بل إن كل القوى عاجزة ليس عن خلقه فقط، بل وأيضاً عن مقاومته والانتصار منه، لو سلبها شيئاً من الذي عليها من الطيب، أو مما حولها من الطعام، لذا قال تعالى ((وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)).
أنى لتلك الأصنام المصنوعة والأوثان المنحوتة أن تكف عنها الذباب أو تدفع عنها الأذى بل كل المخلوقات، حتى الحيوانات عاجزة عن ذلك، لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن هذا التحدي القرآني قد ازداد قوة ورونقاً وإعجازاً، حينما اكتشف العلم الحديث أن الذباب لا يملك الجهاز الهضمي، ولذلك يلجأ إلى الهضم الخارجي، وذلك من خلال إفراز العصارات الهاضمة على المواد المغذية ثم تدخل هذه المواد المهضومة إلى الأنبوب الهضمي حتى يتم امتصاصها لتسير في الدورة الدموية إلى خلاياه ويتحول جزء منها إلى طاقة تمكنه من الطيران، وجزء آخر إلى خلايا وأنسجة ومكونات عضوية، وجزء أخير إلى مخلفات يتخلص منها جسم الذباب، فأين قطعة الغذاء؟ وما السبيل إلى استرجاعها؟.
مضادات حيوية
ثم إن هذا الذباب الذي يحمل الكثير من الأمراض، يحمل أيضاً الكثير من المضادات الحيوية التي تشفي من هذه الأمراض، وهذا أمر منطقي لأن الذبابة تحمل الكثير من البكتريا الضارة على جسدها الخارجي، ينبغي أن تحمل أيضاً مواد مضادة للبكتريا حتى تستمر في حياتها، وهذه المواد زودها الله بها ليقيها من الفيروسات والأمراض.
ومن المفاجآت أن العلماء وجدوا أن أفضل طريقة لتحرير هذه المواد الحيوية المضادة، أن نغمس الذبابة في سائل لأن المواد المضادة تتركز على السطح الخارجي لجسد الذبابة وجناحها.
علماء الغرب
ولقد أدهش هذا الاكتشاف علماء الغرب، وتحدثوا عنه باستغراب، فالباحثة كلارك تقول: إننا نبحث عن المضادات الحيوية في مكان لم يكن أحد يتوقعه من قبل.
وقال البروفسور الدكتور جوان ألفاريز برافو، من جامعة طوكيو: إن آخر شيء يتقبله الإنسان، أن يرى الذباب في المشفى! ولكننا قريباً سوف نشهد علاجاً فعالاً لكثير من الأمراض مستخرج من الذباب.
ولكن هذه الحقائق العلمية هي التي أرشد إليها النبي الأمي، صلى الله عليه وسلم، قبل ألف وأربعمائة سنة، حينما قال: «إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء» (رواه البخاري). ولا غرو فإنه الرسول الأمين لرب العالمين الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
سبحان الله
طبيعة الذباب بديعة ومعقدة، يقول أهل الاختصاص: إن الذبابة لها 6 أرجل ورأس وبطن وصدر، ولها عينان مركبتان في كل عين 6000 عيين، وعين الذبابة فيها قرنية وشبكية وقزحية، وكل عيين فيها 48 ألف مستقبل عصبي وكل عين في مساحة نصف مليمتر مكعب والذبابة فيها 10 ملايين خلية، 9 ملايين خلية جسمانية، ومليون خلية عصبية، ووزن دماغها واحد من مليون جزء من الجرام، وهو يعمل بأعلى كفاءة.