نتائج الدراسات الجينية تثبت أن التدخين يجعلنا نشيخ أسرع – ترجمة عدنان أحمد الحاجي
Genetic evidence shows that smoking can cause us to age faster
(دراسة قامت بها الدكتورة سيو داي (Dr Siyu Dai) وآخرين للبنك الحيوي في المملكة المتحدة)
أثبتت دراسة أجريت على ما يقرب من نصف مليون شخص أن التدخين يقصِّر من طول القُسيمات النهائية للكروموسومات في خلايا الدم البيضاء في جهازنا المناعي. تسمى هذه القُسيمات النهائية بالتيلوميرات(1)، ويُعتبر طول التيلوميرات مؤشرًا على مدى سرعة تقدمنا في السن وقدرة خلايانا على إصلاح وتجديد نفسها بنفسه (التجديد الذاتي)(2).


وفي محاضرتها أمام المؤتمر الدولي للجمعية الأوروبية للجهاز التنفسي في ميلانو بإيطاليا المنعقد من 8 – 12 سبتمبر 2023(4)، قالت د سيو داي (Siyu Dai)، أستاذ مساعد في كلية الطب السريري، في جامعة هانغتشو نورمال (Hangzhou Normal University)، وأيضا باحثة ما بعد الدكتوراه الفخرية في قسم طب الأطفال، قالت باحثة الجامعة الصينية في هونغ كونغ: “دراستنا أثبتت أن حالة التدخين(5) وعدد السجائر يمكن أن يؤديا إلى تقصير طول التيلوميرات في كريات الدم البيضاء، وهو ما يُعتبر مؤشرًا على الإصلاح الذاتي للأنسجة والتجدد(2) والشيخوخة. وبعبارة أخرى، يمكن للتدخين تسريع عملية الشيخوخة(6)، في حين قد يقلل الإقلاع عن التدخين من هذه المخاطر بشكل كبير.
التيلوميرات تشبه النهائيات (الأغطية) البلاستيكية أو المعدنية لخيوط (أربطة) الحذاء، والتي تمنع من أن تنسل (تتفكك) هذه الأربطة. التيلوميرات هي عبارة عن أطوال من تسلسلات الحمض النووي المتكررة التي تحمي أطراف (نها ئيات) الكروموسومات. في كل مرة تنقسم فيها الخلية، تصبح التيلوميرات أقصر قليلاً، وتصبح في النهاية قصيرة جدًا لدرجة أن الخلية لم تعد قادرة على الانقسام بنجاح، وتموت الخلية في النهاية. وهذا ما يُعتبر جانبًا من عملية الشيخوخة.


التدخين يؤدي إلى اقصير التيلوميرات (الأغطية الملونة بالبرتقالي للكروموسومات)(3)

أطوال التيلوميرات في خلايا الدم البيضاء (التي تسمى كريات الدم البيضاء أيضًا) قُرنت سابقًا بالتدخين، ولكن، حتى الآن، لم يكن هناك سوى عدد بسيط من الأبحاث حول ما إذا كانت حالة التدخين وعدد السجائر المدخنة [التي تحسب بعدد علب السجائر التي يدخنها الشخص في السنة (pack year) على أساس تدخين علبة سجائر واحدة فيها 20 سيجارة يوميًا(7)] تتسبب في الواقع في تقصير أطوال التيلوميرات.
قامت الدكتورة داي وزميلها الدكتور فنغ تشين (Feng Chen)، من الجامعة الصينية في هونغ كونغ، بتحليل البيانات من البايوبانك في المملكة المتحدة (UK Biobank)، والذي يحتوي على معلومات جينية (وراثية) وصحية عن نصف مليون مشارك في المملكة المتحدة. لقد درس الباحثون ما إذا كان الشخص مدخنًا في الوقت الراهن أو مدخنًا سابقًا أو لم يدخن قط ومستوى إدمانه للدخان، كم عدد السجائر التي دخنها (عدد علب السجائر التي دخنها في السنة على أساس أن في كل علية 20 سبجارة)، بالإضافة إلى معلومات عن طول التيلومير في كريات الدم البيضاء المأخوذة من تحليل الدم.
لقد استخدموا طريقة تسمى التوزيع العشوائي المندلي(8)، والتي تستخدم التباينات في الجينات (المعروفة باسم تعدد أشكال النوكليوتيدات الفردية أو SNPs)(10، 9) الموروثة من الوالدين [الأب أو الأم أو كليهما]، لاستنتاج مدى العلاقة السببية بين التعرض إلى عامل بيئي (مثل التدخين) وبين الاصابة بمرض أو بحالة مرضية (مثل قصر طول التيلوميرات في كريات الدم البضاء).


رسم توضيحي لاستبدال النوكليوتيدات الفردية (SNP) في تسلسل الحمض النووي مما يؤدي إلى ثلاثة متغيرات(10).
العشوائية المندلية تتجنب مشكلة عوامل أخرى غير معروفة تؤثر في كثير من الأحيان في النتائج، وبالتالي تمكِّن الباحثين من التحقيق فيما إذا كان عامل معين هو السبب للحالة المرضية، وليست مجرد علاقة تلازمية معها فقط.
استخدم الباحثون بيانات من 472,174 مشاركًا في البنك الحيوي (اليايوبنك) في المملكة المتحدة، و 113 شكلًا من أشكال النوكليوتيدات المفردة (SNPs) المتعلقة بحالة التدخين (15 SNPs للمدخنين الحاليين و 78 SNPs للذين لم يدخنوا قط و 20 SNPs للمدخنين سابقًا).
“لقد وجدنا أن حالة التدخين الحالية كانت متلازمة بشكل معتبر إحصائيا مع تيلوميرات كريات الدم البيضاء الأقصر طولًا، في حين أن المدخنين السابقين والذين لم يدخنوا قط لم تظهر لديهم تيلوميرات كريات الدم البيضاء الأقصر طولًا بشكل معتبر احصائيًا.
وكان هناك اتجاه لطول أقصر لـ التيليويمرات بين الذين كانوا يدخنون، لكن هذا لم يكن ذا دلالة إحصائية. أما الذين دخنوا أعلى عدد من السجائر كان طول تيلوميرات كريات الدم البيضاء لديهم أقصر بشكل معتبر جدًا من الناحية الاحصائية. وكخلاصة، التدخين قد يتسبب في تقصير طول تيلوميرات الكريات البيضاء، وكلما زاد عدد السجائر التي يدخنها الشخص كلما كان التأثير على تقصير التيلوميرات أقوى” ، كما قالت الدكتور داي.

“في السنوات الأخيرة، ربطت الدراسات الرصدية الطول القصير لتيلوميرات كريات الدم البيضاء بالعديد من الأمراض، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري وضمور العضلات(11). وهذا يعني أن تأثير التدخين في طول التيلوميرات ربما يلعب دورًا حاسمًا في هذه الأمراض، على الرغم من الحاجة إلى اجراء المزيد من الأبحاث لفهم الآليات الكامنة وراء عملية قصر طول التيلوميرات.
“تضيف دراستنا إلى القرائن التي تشير إلى أن التدخين يسبب الشيخوخة. حيث أن هناك فوائد صحية واضحة للإقلاع عن التدخين، فقد حان الوقت لإدراج دعم الإقلاع عن التدخين وكذلك العلاجات ضمن الادارة السريرية اليومية لمساعدتنا على خلق بيئة خالية من التدخين للجيل القادم.
ستقوم الدكتور داي والدكتور تشين بإجراء المزيد من الأبحاث للتحقق من صحة النتائج التي توصلا اليها. وهما أيضا مهتمان باستكشاف تأثير التعرض للدخان السلبي [وجود شخص لا يدخن في مكان يُدخن فيه] على الإصلاح الذاتي للأنسجة والتجدد والشيخوخة، لا سيما في الطريقة التي يمكن أن تؤثر بها في الأطفال.
البروفيسور جوناثان غريغ (Jonathan Grigg)، رئيس لجنة مكافحة التبغ بالجمعية الأوروبية للجهاز التنفسي، والذي لم يشارك في هذا البحث. علق قائلا: “هذه الدراسة تتناول مسألة ما إذا كان التدخين يؤثر في أطوال التيلوميرات. التيلوميرات تحمي نهايات الكروموسومات. فلو أصبح طول التيلوميرات قصيرًا، لا تستطيع الخلايا الانقسام بنجاح ولذلك تموت.

أثبتت الدكتورة داي وزملاؤها في الدراسة التي أجريت على نصف مليون راشد وجود علاقة لا غبار عليها بين التدخين وأطوال التيلوميرات القصيرة.
هذه الدراسة استخدمت التوزيع العشوائي المندلي، وهي طريقة معروفة لتزويدنا بمستويات جيدة من الأدلة والقدرة على إثبات العلاقات السببية بين التدخين وقصر التيلوميرات لدعم الدراسات الرصدية السابقة، مما يفيد بأن التدخين يسبب الشيخوخة، في حين قد يعكس الإقلاع عن التدخين هذا التأثير. سيكون من المثير للاهتمام انتظار ما سيجده الباحثان فيما يتعلق بتأثير التدخين السلبي في طول التيلوميرات.
مصادر من داخل وخارج النص:

5- ” حالة التدخين (smoking status) هو متغير يعتمد على عدة أسئلة حول حالة تدخين السجائر. ويتضمن فئات المدخنين الحاليين [فئات مدخني السجائر وغيرها من أنواع التدخين بما فيها التدخين الخامل]، والمدخنين السابقين والذين لم يدخنوا قط، وحالات التدخين غير المعروفة” ،

10- ” تعدد أشكال النوكليوتيدات الفردية (SNP) يُعزف على أنه استبدال نيوكليوتيد واحد (الأدينين أو الجوانين أو السيتوكين أو الثايمين) بآخر في موضع معين في تسلسل الحمض النووي. (SNP) هو الشكل الأكثر شيوعًا للمتغير الذي وُجد في الجينوم.



الأستاذ عدنان أحمد الحاجي