بسكوت أبو الزبد!

قبل عدة سنوات، قدمت إلى أحد الزملاء بسكوت أبو الزبد فامتنع عن تناوله في البداية بداعي أنه غير مألوف وشكله مُريب حسب تعبيره، فأخبرته أنه غير متوفر في الأسواق المحلية وقد أحضرته من إحدى الدول الأوربية وليطمئن قلبه أكثر، أخبرته أني تأكدت من مكوناته قبل شرائه.

فبادرني: "تكلم بالعربي ما عرفت ويش تقصد"! فأجبته: أخبرتك مسبقًا أنه بسكوت أبو الزبد! تبادر إلى ذهني أنه ربما هذا المصطلح أو المسمى معروف بين جيلنا فقط أو الأجيال التي سبقتنا، ولكن زميلي العزيز الذي ينحدر من قرية أخرى من قرى قطيفنا الحبيبة يكبرني بعدة سنوات، فأدركت حينها أن استخدام مصطلح بسكوت "أبو الزبد" ربما هو مقتصر فقط على أهل الديرة. اختصارًا للوقت وحتى ننهي الجدل بشكل ودي وسلمي، استبدلت العبارة بأن هذا المنتج عبارة عن بسكويت مستورد فاخر وهش محشو بالكريمة، ونحن في الديرة نُسمي مثل تلك الكريمة بشتى أنواعها بالزبد فقهقه صاحبنا ضاحكًا معللًا بأن هذا شيء غريب وظريف! لسنا من كوكب آخر يا عزيزي، فعند ذهابك إلى محل الخضار والفواكه يخبرك أن طعم المانجو اليوم مثل الزبدة، وعندما تذهب إلى بائع الأسماك يخبرك أن السمك الصافي
اليوم - بالرغم من وصول سعره إلى أرقام فلكية - مثل الزبدة، بل إنك في بعض الأحيان تتغزل في أم العيال قائلًا لها يا كريمة يا زبدة!

دائمًا ما كانت تُشكل الاختلافات في المُسميات بين المناطق مادة فكاهية دسمة، ليس استنقاصًا من قدر أحد أو استهزاء بل لإضفاء روح المرح والدعابة على الجو العام فقط لا غير. فأنتم تسمون الشيء الفلاني كذا والشيء الفلتاني الآخر كذا. لا يوجد صح أو خطأ في الموضوع، بل كل ما في الأمر أن كل شخص منا ينتمي إلى مجتمع مُصغر نشأ وتربى على ثقافة مختلفة عن الآخر، لدرجة أن بعض الكلمات أو الممارسات تقتصر على مجتمع دون غيره من المجتمعات القريبة جدًا، والتي يشترك معها في كثير من الأشياء وتربطه بها علاقات وطيدة. فعندما تشاهد مُسلسلًا أو برنامجًا تلفزيونيًا وتُطرب مسامعك عبارة "فلافة وفلافين" حينها يَعلم الجميع أنها إشارة إلى لهجة الشعب اللطيف في مجتمع القطيف.

من أهم العوامل التي تؤثر على جودة وكفاءة الاتصال الفعال بين الأفراد، هو توفر عنصر الوضوح في المحتوى أو الرسالة المُراد إيصالها إلى الشخص المتلقي أو المُستقبل، ويَكمن وضوح الرسالة في استخدام المُفردات المعروفة والشائعة والمصطلحات الصحيحة والصريحة والدقيقة والخالية من الأخطاء اللفظية أو المكتوبة وتكون مفهومة للمتلقي. كما يفضل أن تكون الرسالة مختصرة ومباشرة، دون إنقاص المعلومات الأساسية حتى يتسنى للمتلقي فهم الرسالة بصيغتها الصحية، ولا تكون مُطولة حتى لا يتشتت تفكير المتلقي نتيجة إضافة معلومات زائدة أو غير ضرورية أو لا تمت إلى الموضوع المطروح بأي صلة. بل في بعض الأحيان، كثرة التفاصيل تجعل من القراءة أو الاستماع شيئًا مملًا ويزيد من احتمالية ورود الأخطاء وسوء الفهم مما يصعب على أطراف الاتصال التفاعل معه.

وضوح المحتوى يساعد على خلق مساحة مشتركة بين المُتحدث أو الكاتب والمُستمع، مما يجعل من عملية الاتصال تفاعلية وليست من طرف واحد (أنا في وادٍ وأنت في وادٍ). وهذا يثري الحوار بالنقاش وطرح الأفكار ووجهات النظر والبراهين المختلفة، مما يساعد في زيادة المخزون المعرفي للأشخاص. لذلك من الضروري جدًا عند مخاطبة الآخرين سواء لفظيًا أو كتابيًا مراعاة أن الأشخاص مختلفون وينتمون إلى فئات ثقافية وفكرية ودينية وعلمية وفلسفية مختلفة. وأن يكون المحتوى ملائمًا للفئة المُستهدفة وبما تَستوعبه عقلوهم، والتي بدورها تمنحهم الدافعية وتُشد من انتباههم وتركيزهم، وهذا بدوره يضمن بنسبة كبيرة وصول الرسالة بشكل أفضل وأدق، وبالتالي فهمها بالشكل الصحيح. نعم هنالك أشخاص يملكون تنوعًا في شتى المجالات، لكن لا يمكن البناء على هذه الفرضية في جميع المناسبات والتجمعات. فاختيار المفردات المناسبة والنصوص الواضحة يُساعد الجميع على الفهم دون أي لبس أو سوء فهم.

الاتصال يشغل حيزًا كبيرًا من أعمالنا وحياتنا اليومية والأنشطة المختلفة، لذلك يجب إعطاء هذا الجانب الاهتمام الكافي في اختيار المفردات والأسلوب المناسب. الاتصال مهارة كبقية المهارات قابلة للاكتساب والتطوير والصقل بالممارسة، فالاتصال الفعال يُمكّن الأشخاص من إنجاز مصالحهم بكل سهولة ويسر، ويمنحهم الثقة لإيصال أفكارهم والتأثير على الآخرين، إما بإقناعهم لترك سلوك والاتجاه إلى آخر أو اتخاد قرار، كما أن التواصل الجيد يساعد في فهم المهام المُوكلة للشخص بشكل صحيح وبالتالي إنجازها بالطريقة المثالية وتحقيق النتائج المُتوقعة. التواصل الجيد يُعزز من روح التعاون والعمل مع المجموعة نحو تحقيق هدف مشترك، والتواصل الفعال يسمح لكل جانب بفهم موقف الآخر واستيعاب الاختلافات وتحسين العلاقات