وجوه لا تنسى: الحاج جعفر محمد آل عبيد ”السخي الكريم“
حسن محمد ال ناصر27 / 9 / 2023م - 5:40 ص
من عاش ذاك الزمن الجميل ”جيل الطيبين“ فإنه يذكر شخصيات كانت حاضرة بطيب قلبها وبشاشة وجهها ودماثة أخلاقها وإحسان يدها، فالكرماء لا تنتهي صورهم، ولا ذكرهم فصفة السخاء والكرم صفة عظيمة إذا اتصف بها إنسان، وشخصيتنا لهذه السطور ممن مر في الذاكرة وطبيعي جدا مثل هؤلاء يركزون في فضاءات الأحياء والفرقان والزرانيق من مسجد لحسينية، ومن مأتم لدكان عامر بالمؤمنين.
أجل كنت صغيرا، وأنا أنظر ذاك الرجل ذو الأخلاق الحميدة الحاج جعفر بن محمد بن سلمان آل عبيد صاحب الوالد حفظه الله، ودائما كان يزوره في محله بعد مجيئنا من منزلنا الثاني في حي المقيبري، نجلس ويقدم لنا الشراب ”استكانة شاي أو فنجان قهوة“ والحاج وأبي يضحكان ويمزحان وبالتأكيد كانت لي معه لطافة وود لا أنساها.
ولد في القديح في 01/07/1344 هـ، وتربى في كنف أبوين كريمين، وكسب منهما التربية الحميدة والإصلاح في الدين والدنيا، فالحاج أبي سعيد من الوجوه الطيبة المحترمة ذو قلب مفعم بالحب يأخذك بالأحضان ودود دائم الابتسامة شفاف تستطيع السبر في تفاصيل شخصيته المسالمة المتسامحة سريعا دون تكلف دون عناء، يحبه كل من جالسه والتقى به محب للصدقة وشأنه الخير للمساكين والمحتاجين، ولا يرد أحدا خائبا فبابه مفتوح للكل.
في بداية حياته عاش في النخيل وتحديدا في ”شرب الصاغة“ وكان مسكنا له، ثم انتقل إلى الفريق الشمالي بالقرب من حسينية الغضبان، اشترى قطعة أرض مع أخيه تسمى ”المعيمري“ المعامره وسميت بذلك نسبة لتعميرها وإصلاحها بالفلاحة، هكذا كان يحب الزراعة، ويذوب عشقا فيها.
التحق بشركة الزيت العربية السعودية ”أرامكو السعودية“ بوظيفة كاشير ”محاسب“ لبيع المواد الغذائية قرابة الثمان سنوات، ودرس اللغة الإنجليزية عندئذ، ولظروف ما انقطع عن شركة أرامكو، واشترى قطعة أرض زراعية ”نخل“ بالقرب من عين الحسين بالقديح، وسكن بها لفترة من الزمن أكثر من تسع سنوات.
وبعد هذه الفترة انتقل إلى مسكنه الحالي الذي وطد أساسه وبناه الواقع بالقرب من شبرة القديح.
له علاقات حسنة مع الناس رجل مؤمن لبق كريم محسن ذو شخصية معطاء ومثلما يقال ”خدوم“، تزوج في سن مبكر من الحاجة زهراء بنت عبد الله الأصمخ رحمها الله، وله منها أربع بنات وأربعة أولاد الحاج سعيد والحاج موسى والحاج باقر والحاج فاضل حفظهم الله جميعا، واستمر بالعمل الحر وفتح له بقالة لبيع المواد الغذائية؛ ومن ثم غير النشاط لبيع أواني وكماليات منزلية، وأغلب جلاسه رجال مؤمنين خيرين، يحب مجالسة العلماء، ويقترب منهم ويدعوهم إلى بيته، ويقيم مأدبة على شرفهم.
انخرط في حب الحسين من صغره منغمسا في العشق الحسيني مستمعا بكائا ذو عبرة شجية، سار على درب من سبقه لإكمال المسيرة المنبرية، وأعطاها من وقته وجهده وماله، ولم يبخل في بناء أو تشييد أي عمل قوامه إحياء مراسيم آل بيت محمد صلوات الله عليهم، يعتبر من المؤسسين للحسينية الشمالية، فقد كان ملازما للحاج مهدي الدعيبل رحمهما الله.
كان لزوج أخته الحاج أحمد العنكي رحمه الله عادة أسبوعية ”قراءة“ يقرأ فيها الخطيب الفذ اللامع الملا علي توفيق رحمه الله، وبعدما توفي الحاج العنكي استمر الحاج أبي جعفر بالقراءة، وأخذ على عاتقه ”العادة الأسبوعية“ في بيته المذكور آنفاً ويعرف ”بمأتم بيت أبو سعيد“ بالخطيب نفسه، ولم تنقطع حتى بعد وفاة الخطيب، فقد أعقبه غريد الخطباء الخطيب الرائع الملا محمد عبد رب النبي حفظه الله، ولا يزال يقرأ المأتم بمعية أولاده.
كما سبق ذكره فإنه ممن يلتمس الفقراء وخاصة أقاربه لمساعدتهم وتقديم يد العون لهم سواء بالمادة أو بوجاهته وحب الناس إليه، فصلة الرحم لا تفارقه أبدا فكانت من دعائمه الكبيرة، وهنا سأروي حادثة دون ذكر الأسماء أنه في يوم من الأيام توفي أحد أرحامه وترك بنتن صغيرتن فتكفل بهن، ورعاهن خير رعاية.
للحاج جعفر اتصال مباشر وغير مباشر مع جمعية مضر الخيرية للتبرعات، ووسيط أيضا لتوصيل ما جادت به أيدي الناس، وفي أيام محرم يوزع على غالبية المساجد والحسينيات صناديق ماء ومناديل ورقية. إما بنفسه أو يوصي البائع بكمية معينة لكل مأتم، يحب إصلاح ذات البين، وشهد له الكثير أنه لا يحب الخصام، يعطي ويجزل العطاء والمساعدة ولا يحب الظهور.
ومن أعماله الخيرة التي تذكر له أنه يعمل في تفصيل الأكفان فحينما يمت شخص يذهب للمغتسل على الفور، ويكون مجاورا لأهل المتوفي في سبيل الله دون مقابل، فرحمك الله أبا سعيد رحمة الأبرار المنتجبين الأخيار رحمة واسعة، وسكنه الله فسيح جناته، رحم الله من قرأ له وللمؤمنين والمؤمنات الفاتحة.