عودة إيران إلى الساحة الدولية… نجاح زائف؟

إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة، ترميم العلاقات مع دول الجامعة العربية والمملكة العربية السعودية، الانضمام إلى البريكس... منذ عدة أشهر، حققت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعض النجاح الدبلوماسي الذي تهدف من خلاله إلى الخروج من عزلتها الدولية. لكن هذه الإنجازات والتحالفات تكشف في الحقيقة عن هشاشة قوة إقليمية نالت منها سنة من المظاهرات المرتبطة بوفاة الشابة مهسا أميني، وأنهكتها الصعوبات الاقتصادية.

نشرت في: 26/09/2023



الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، 19 سبتمبر 2023. © أ ف ب


بعد مرور عام على وفاة مهسا أميني التي أثارت احتجاجات واسعة مناهضة للسلطة في
إيران، بدأت الجمهورية الإسلامية تعود إلى الساحة الدولية، حيث استأنفت علاقاتها مع العديد من منافسيها السابقين.
وعلى الرغم من التقارير العديدة الواردة من المنظمات غير الحكومية واعتراضات المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والتي تتهمها بارتكاب انتهاكات خطيرة بهذا المجال، يبدو أن السلطة الإيرانية أصبحت مقبولة من جديد. فهي على الأقل تسعى لإقناع الجميع بذلك.
"إن أدوات لغة طهران تقدم إيران على أنها دولة لم تعد معزولة، وتتحاور مع جيرانها الإقليميين، دولة تضع نفسها في منطق بناء"، كما يحلل ديفيد ريغوليت روز، الباحث المشارك في معهد إيريس (معهد الدراسات الدولية والعلاقات الاستراتيجية في باريس) ورئيس تحرير مجلة "أوريون ستراتيجيك"، "لكن هذا منطق استعراضي إلى حد كبير".


ففي 22 سبتمبر/أيلول، أعلنت إيران على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنها ستعيد علاقاتها الدبلوماسية مع جيبوتي صباحا، ومع المالديف مساء. كل ذلك بعد أكثر من سبع سنوات من القطيعة. ويأتي هذا التقارب بعد أشهر قليلة من إبرام الدولة ذات الأغلبية الشيعية والمملكة العربية السعودية ذات الأغلبية السنية المصالحة بينهما بموجب اتفاق توسطت فيه الصين.
وقطعت الرياض علاقاتها مع طهران بعد الهجوم على سفارتها في طهران في يناير/كانون الثاني 2016، عقب إعدام شخصية شيعية في السعودية. وحذت حذوها جزر المالديف، وهي أرخبيل في المحيط الهندي، ودول أخرى في الجامعة العربية، كدليل على التضامن.
واجهة الاسترضاء مع الولايات المتحدة
ضربة دبلوماسية أخرى تحققت هذا الخريف، حيث نجحت إيران في التوصل مع الولايات المتحدة إلى اتفاق يسمح للجمهورية الإسلامية باستعادة أموالها المجمدة البالغة ستة مليارات دولار. وتم تحويل المبلغ في 18 سبتمبر/أيلول عبر قطر، مقابل إطلاق سراح خمسة مواطنين أمريكيين محتجزين في إيران.
وفي نظر بعض الخبراء ووسائل الإعلام الأمريكية، فإن هذا الاتفاق من شأنه أن يُظهر استرضاء نسبيا بين البلدين. حتى أن قناة "سي إن إن" قالت إن "الإفراج عن الأمريكيين يمثل خطوة مهمة إلى الأمام في العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من المفاوضات غير المباشرة والمعقدة بين واشنطن وطهران".
لكن الحكومة الأمريكية أرادت التقليل من أهمية الحدث. وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن إن الاتفاق "لم يغير علاقتنا مع إيران بأي شكل من الأشكال". إن هذا التوافق، الذي تم وضعه في سياق قضية تبادل الرهائن، لا يشكل بأي حال من الأحوال حكما مسبقا على حوار جديد بين الأمريكيين والإيرانيين، وخاصة فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية. وذكّر الرئيس الأمريكي جو بايدن في 19 أيلول/سبتمبر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن واشنطن لا تزال "ثابتة في التزامها بضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي أبدا".
كما أصرت الولايات المتحدة على أن هذه المليارات الستة التي تم رفع الحظر عنها لا تشكل "شيكا على بياض" مقدما لإيران، وأن استخدامها سيتم تحت "رقابة صارمة"، هي موجهة "لأغراض إنسانية" فقط. في حين أكدت طهران من جانبها أن لديها إمكانية استخدام هذه الأموال بطرق أخرى وليس لشراء الدواء والغذاء فقط.
إيران في حالة هشاشة داخلية
مع ذلك، وبعيدا عن النجاح الذي أظهرته طهران، فإن هذا الاتفاق، وكذلك التقارب مع المملكة العربية السعودية، يكشف قبل كل شيء عن "مخاوف القوة الإيرانية التي تجد نفسها في وضع داخلي يحتمل الانهيار"، كما يشير ديفيد ريغوليت روز.
وأوضح الباحث قائلا إن "كانت طهران هي الطرف الذي أصر على الحصول على الاتفاق مع الرياض - منافستها الاستراتيجية، لأن القوة الإيرانية شعرت بالضعف الداخلي بعد المظاهرات [بعد وفاة مهسا أميني]، ولأن الخنق بسبب العقوبات الاقتصادية أصبح قويا للغاية". "... لذلك كان عليها تخفيف التوترات مع الخارج. لم تكن قادرة على تحمل البقاء في عزلة مع الخارج بالوقت الذي تواجه فيه زعزعة للاستقرار من الداخل".