الفضائليّ يجمع الفضلات من الحُجَر الكثيرة في منزله، يفرغها
في كيس كبير يتَّسع لما يجمعه طول النهار من فتتات مايلقيه أبناؤه٠
بحجم ماذاب حناناََ على أبنائه وسكب قطرات عمره عطفاََ عليهم،
وجدهم ينسون سريعاََ ماقدَّمه في أيّامهم المقتضية٠٠٠ وجد نفسه
مشهداََ فاقد الملامح في أيّامهم٠٠٠لايتنكّرون لأبوَّته تماماََ إنما هم
متنكَّرون لمعاني الحنان والعاطفة٠
يميلون عليه وأشغالهم تنهب اللحظات منهم ، تجذبهم ارتباطاتهم
جذب المحبَّ حبيبه٠٠٠يسلَّمون عليه من وقوف ، ولايجدون وقتاََ
لتجاذب الكلام معه، يبخلون عليه بدقائق يجلسون بقربه٠٠٠لاتخرج
من أفواههم كلمة إلا والاستعجال يصادرها عنه
وجد قلوبهم تقطر انشغالا وجموداََ ٠٠٠فراح يبحث عن موضوع
للحنان يبثُّه لواعج عاطفته السخيّه، فوجد في القطط الأليفة موضعاََ
للحنان المتدفَّقّ٠٠٠هاتيك القطط المتجوَّلة حول منزله ألف فيها دفئا
ولمس في أعينها حنانا فيّضاََ لاينضب ٠صار في كَّل أصيل يجلس
على عتبه داره، يمسك بالكيس الكبير٠٠٠يدس يده تجول داخل
الكيس،يخرج منه ماتمكَّنت أصابعه من تناوله ٠٠٠يلقي بمحتوى يده
أمام العتبة٠٠٠يرصد شجار القطط على ماجادت به أنامله٠
في كلَّ أصيل كانت القطط على موعد مع مائدة الفضائليَّ الدسمة
المتنوَّعة٠٠٠ولايكاد ينفرج الباب إلا ويرى تجمَّع القطط متجوَّلا
بإزاء عتبته في انتظار حلول المائدة عليه٠٠٠تتشاجرالقطط القطط على ما
يُلقي لها من بقايا السمك وعظام الدجاج وأفخاذها٠
مواءُْ حاًدُّْ لها وتنازع بمخالبها مع بعضها البعض ٠٠٠يستمر يلحظها
مستمتعاََ بتناولها الهادىء على اصطيادها مايزبط من كفَّه٠٠٠ يحاول
إنصافها في الحصول على القدر الكافي من الطعام٠٠٠حتّى القطط
تُقدَّر الإنصاف وتجد له احتراما في مشاعرها ٠٠٠صار عدد القطط
يكبر كلَّما مرّت الاّْيام ، وصار عليه البحث عن فضلات أكثر تستوعب
أعدادها المتزايدة٠
أصبحت الألفة بين الفضائلي وبين القطط شيئاََ ملحوضاََ لدى
المارَّة أمام من له٠٠٠ولاتجد القطط ضيراََ من انزوائها ملتصقة بثوبه
كلَّما سنحت لها الفرص٠٠٠صِدْق عطفه عليهايكبر وتعلُّقها بمحبَّته
يزداد يوماََ عن الآخر ٠
حتى إذًا ماشاءت الأقدار أن تسلبه منها وتحرمهاوافر مائدته
اليوميهسقط الفاضائليّ صريع ذبحة قلبيّة قاتلة صادرت أنفاسه
وألقت بها في العالم الآخر ٠٠٠ والتعاسه حظ تللك القطط المدلّلله كان
إخراج جثمانه وقت ما اعتادت انتظاره أمام منزله ٠٠٠اليوم أيضا خرج
لها لكنه خرج غير مترجَّلِِ، خرج ممتطياََ آلة الموت ،كيسه المعتاد
ليس بحوزته٠٠٠عشرات القطط جاءت وكأنها على موعد مع قدرها
الأسيف ٠٠٠رؤوسها معلَّقة للأعلى٠٠٠تدرك بحاسَّتها رائحة صاحبها
الساكت في الأعلى ٠مشى به بضعة أفراد وراحوا أثناء مشيهم
يزدادون ٠٠٠وأعداد القطط يفوق أعداد البشر٠٠٠ اتخذوا خلف البشر
موقعاََ لهم،وكأنهم يعرفون طعم الموت وجلاله٠٠٠مشوا بألوانهم
المختلفة مشية جنائزيةأذيالهم مرتخية٠٠٠لايعكَّر مشيتهم نزاع ولا
تناوش، مواء خفيف ٠٠٠يشبه البكاء
انتهت مراسم الدفن، ونفض البشر أيديهم من تراب المقابر،
وعادوا يفارقون حياتهم الفجّة، وعلى سور المقبرة هرعت القطط تشق
طريقها إلى صاحبها المغيّب تحت طبقات التراب
تحلّقن حول القبر ومُواؤها يتدرَّج من وتيرة هادئة إلى وتيرة
عالية٠٠٠أدركت الفراق الأبدي بينها وبين من كانت أنامله تقطر
سمكاََ ودجاجاََ ولحماََ وأطعمة شهيّة٠٠٠وتودَّعت من كفََّ تَربِتُ
على ظهورهاإلى أن هبط الظلام وهي لاتبارح قبر فقيدها ومدلّلها،
نسيت جوعها هذا اليوم، وأوقفت نفسها اليوم لمن أوقف سنينَ من
عمره لها٠
وتمرًُّ سِنون وسِنون والمقبرة مأوى للعشرات من القطط لاتفارقها
إلّا لماما وتعود إليها ثانية٠٠٠حتى الأجيال التالية من القطط اتخذت
من المقبرة مأوى متوارثاََ من أسلافها٠٠٠ويبقى قبره بقعةممزَّة في
المقبرة بقططها، قبر يحِنُّ إلى زيارة من أبنائه ، أو إطلالة على البعد من
مشاعرهم المتجَّرة
أصبحت مشاعر القطط أوسع من مشاعر البشر
والأقرباء ٠٠٠أصبح الحيوان يحتفظ بالجميل ويورث المحافظة عليه
إلى صغاره، والبشر يمدحونه من دفاترهم عند أقرب فرصة تمكنهم من
ذلك
الهروب للعَودة ،،عبد الشهيد الثور