في إحدى الرحلات كانت المسافة تساوي تقريبًا 100 كيلو متر وبالتالي في أيّ سرعة متوقعة وزحام لن تطول أكثر من ساعة واحدة تقل قليلًا أو تزيد قليلًا. مع ذلك قطعنا المسافة في حوالي 3 ساعات بين طرق وأزقة ريفية وباعة متجولين ومقامات دينية محترمة.
إذا ثبتت المسافة فهو الزمن الذي تقضيه إما في متعة وبهجة الطريق بين ثنايا وجميل تاريخ المكان أو بين ضجر الحياة العصرية. أحيانًا أفكر: هل حياتنا أفضل مع التطور والتقدم التقني والعلمي بحيث أصبحت مستهلكة ومستغرقَة في بحر التطور؟ ربما نعم! أم أفضل لو بقيت حياتنا بسيطة دون تعقيد مع استيعاب بعض التطور الضروري؟ أيضًا، ربما نعم؟
جمعنا من وسائل المتعة والرفاهية الكثير فهل يا ترى أصبحنا أكثر سعادة واستقرارًا؟ بكل صراحة لا أدري! لا، بكل تأكيد لما يسمونه الماضي الجميل! كان رثًّا وصعبًا، لكننا مثل الذي يمشي في طين البحر لم نجد مكانًا صلبًا تستقر عليه أقدامنا ونشعر بالثبات! أو مثل الغراب الذي لم يستطع المشي مشي الحمامة ولم يعد قادرًا على أن يتذكر مشيته.
طبيعة الحياة -الآن- أفقدتنا القوة على الصبر، لا نطيق الانتظار في صفّ من اثنين، نضجر ونسأَم! قارن هذا بالوقت الذي كنا ننتظر نصف ساعة أو أطول لكي نشتري بضع خبزات! أنا لا أقول ذلك كان أفضل لكن قدرتنا على الصبر اضمحلت؛ نأكل بسرعة، ننفصل عن الوظيفة بسرعة، نختلف مع زوجنَا ونطلق قي يومين! نغير موجات المذياع والتلفاز والأصدقاء بسرعة!
أفقدتنا القدرة على فهم معنى 'الكفاية والقناعة". صرنا نجري منذ أن نستيقظ وحتى ننام مرةً أخرى من أجل تحقيق الكفاية "المفترضة" ولا نراها تتحقق أبدًا، الكل يرغب في شيء مجهول!
لا ندعي أن الزمن الجميل كان في جلب مياه الشرب بالقوارير والأواني على ظهور البغال وطهي الطعام على نار الحطب وصيد الحيوانات البرية بالسهام، وغسل الثياب المتسخة باليدين، بل هو الزمن الذي لا نشعر فيه بالحياة تضغط مخيخ جمجمة الرأس. أين السعادة والبهجة والكل مشغول عن الكل بالآلة؟ تعرفون، كنا أحيانًا نجد متعة في ضياع الطريق قبل وجود الأجهزة الإلكترونية، نكتشف أماكن وحركة لا نراها عندما تأخذنا الآن الآلة مباشرة حيث نريد! لكل شيء في الحياة ثمن، فإذا أردنا شيئًا غير الذي في أيدينا لا بد أن ندفع ثمنه.
كنا نستمتع بجلسة بسيطة ونكتفي بما عندنا! اتسعت أعيننا فهي الآن تشتهي أن يكون لها كل شيء تراه، سجين يريد الحرية وفي الحرية سجنه وقيده!