خطباء جارود في سفر الخلود
بسم الله الرحمن الرحيم
(ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).
إن للمنبر الحسيني الدور الفعّال في تنمية المجتمع والارتقاء بطاقاته نحو الطريق القويم؛ لتلقي الحكمة والموعظة والنهل من معين آل محمد، ولتعلم الأحكام الشرعية والسيرة والتاريخ والأخلاق الفاضلة للمجتمع، لذلك شاد ونما على سواعد الخطباء النجباء الذين خلِدوا بذاكرة السنين وعبق الأيام وذكرهم يصدح بسماء الخدمة الحُسينية.
وفي داخل سور قرية الجارودية القديمة كان يستمع الناس إلى مراثي الإمام أبي عبدالله الحسين عليه السلام وكانت هناك ثلة من الخطباء الجاروديين الذين حظوا بمكانة مرموقة.
ولئن حصل الخطباء الراحلون على المكانة الراقية في حياتهم فلا عجب أن ينالوا ما هو أعظم منها في الآخرة، فإن الإمام الحسين عليه السلام لا ينسى من يذكره ويذكّر الناس به.
قال الشيخ محسن أبو الحب:
هَنيئاً لخدّامِ الحسينِ فإنّهم
بهِ اِكتَسَبوا أجراً ونالوا به فخرا
وفازوا بجنّاتِ الخلودِ ونعمةٍ
عليهم مِنَ الله العظيمِ غدَت تترى
ومن خلال هذه تكون بين يديك عزيزي القارئ تراجم بعض السابقين من خطباء بلدة الجارودية. وفقنا الله جميعًا للسير على نهجهم.
-الملا مكي المدن الجارودي
(1314 - 1389) (1897 - 1969)
هو الشيخ الملا مكي بن قاسم بن أحمد ابن الشيخ مدن ابن الشيخ حسن ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ سعيد ابن العلامة الحجة الشيخ ناصر بن محمد الجارودي. أحد أكثر الخطباء المرموقين وذائعي الصيت، له أبيات شعرية باللغة الفصحى والشعبية في رثاء أهل البيت. وكانت أغلب قراءاته في خارج الجارودية خصوصًا بالقلعة. وكان يقرأ الدروس الدينية على بعض علماء عصره، ومما قاله عنه المرحوم العلامة الشيخ علي بن الشيخ منصور المرهون في كتاب شعراء القطيف: "هو الفاضل الشيخ مكي بن قاسم الأحمد الجارودي. أحد رجال الدين المرموقين. لا يحجزه عن حضور الدرس حاجز، مع العلم أنه مكفوف البصر، فكم رأيته يتردد على الوالد. وكان خطيبًا مفوهًا صيّتًا عارفًا بفنون الخطابة وما تهدف إليه من أغراض إصلاحية؛ اجتماعية ودينية إلى غير ذلك مما ينبغي أن يكون عليه الخطيب". وأيضًا له الفضل - بعد الله - في إحياء ليلة القدر في القطيف، فقد التمس من المقدس الشيخ فرج العمران أن يكتب له رسالة في أعمال ليلة القدر، فكتب الشيخ العمران في بداية كتاب ليلة القدر: "وبعد فإن الكامل اللبيب، والذاكر الخطيب ملّا مكي -الجارودي القطيفي- قد التمسّ منّي أن أكتب له رسالة مختصرة في خصوص ليلة القدر فأجبت ملتمسه وكتبت له الميسور؛ إذ لا يسقط بالمعسور، وإليك الرسالة الوجيزة الموسومة: ليلة القدر" ومنذ ذلك فقد عمّ الإحياء لليلة القدر في القطيف وعمرت مجالسها بنحوٍ مضطرد.
توفي في اليوم التاسع من شهر صفر سنة 1389هـ وصلى على جنازته المقدس الشيخ فرج العمران. له من الأبناء: الحاج عبدالله (جابر) وعبدالرسول. ومن البنات: المرحومة الحاجة فاطمة -أم مهدي المعلم- والحاجة رباب -أم علي عبدالله امويس-.
-أخوه الملا سليم
(1320 - 1398) (1903 - 1978)
هو الخطيب المفوّه الملا سليم المدن الجارودي -وهو فتى كان يسمّى سلمان وذلك مذكور في بعض مخطوطاته القديمة-. من أبرز الخطباء وأشهرهم، ولم يتميز بالخطابة فحسب بل تفوق بكونه خطاطًا؛ حيث إنه اشتغل بالخط فنتج من يده مخطوطات كثيرة في رثاء ومديح أهل البيت للخطباء ولمجاميع النساء، كما أنه خط مؤلفات لعلماء معاصرين له كالإمامين الخنيزيين أبي عبدالكريم وأبي الحسن، والشيخ فرج العمران، وكان مما خطّه كتاب (بشرى المذنبين وإنذار الصدّيقين) لجده العلامة الشيخ ناصر الجارودي -المتوفى سنة 1164هـ-.
درس عند المقدس الشيخ منصور المرهون والمقدس الشيخ فرج العمران، وكان صديقًا مقربًا للشيخ العمران، صاحبه في كثير من أسفاره، وشاركه في إرشاد الحجاج في سنوات عديدة. له شعر فصيح وشعبي وبعضه مذكور في كتاب الأزهار الأرجية. توفي في الأول من شهر جمادى الأولى سنة 1398هـ. له من الأبناء: المرحوم الحاج قاسم (جاسم) والمرحوم الحاج ميرزا وزهير وحسين. ومن البنات: المرحومة الحاجة خاتون -أم عبدالله مهدي البوري- والحاجة معصومة -أم صالح عبدالله أبو عزيز- والحاجة فاطمة -أم علي حسن العبكري-.
-الملا بدر العيد
(1320 - 1409) (1903 - 1989)
هو الملا بدر بن إبراهيم بن علي العيد. علّم القرآن وصعد المنبر الحسيني وأصبح من الشخصيات ذات الوجاهة، وعُرف بحبه للعلم وحيازته للعديد من الكتب القيّمة. نسخ بخط يده جمًّا من الكتب ومنها (منسك الحج) للإمام الشيخ علي أبي عبدالكريم الخنيزي، -وكان كما نُقل يرجع إليه في التقليد-.
كانت لديه أبيات شعرية، وله رثاء في الملا مكي آنف الذِكر، ذُكر بالأزهار م5 ج13 ص307:
يا دهر أفٍ لك من صاحب
لم أك من بلواه من سالم
صدعت قلبي بحبيب مضى
عني فقلبي في أسى دائم
أخي يا مكي يا بدرنا
تبكيك عيني بدم ساجم
رحلت للقبر وخلفتني
أبكي كورق ساجع حائم
لكن لي في الله أقوى الرجا
وسلوة بالمصطفى الهاشمي
توفي في اليوم الثاني والعشرين من شهر شوال سنة 1409هـ. له من الأبناء: المرحوم الحاج علي والحاج حسن والحاج كاظم. والبنات: الخطيبة الحاجة شمسة -أم محمد فلاح الخليفة- والحاجة مريم (بدرية) -أم حسين منصور السعيد- والحاجة معصومة -أم علي إبراهيم القرين-.
-الملا عبدالحسين آل ليث
(1335 - 1435) (1917 - 2014)
هو الملا عبدالحسين بن علي بن عبدالله آل ليث. فقد بصره بسبب مرض الجدري في مقتبل عمره إلا أنه أتمّ تعليمه، وكانت لديه حافظة قوية فقد كان يحفظ القرآن الكريم، ومارس الخطابة الحسينية مدة فاقت السبعين عامًا. كان لسانه لهجًا بذكر الإمام الحسين في جميع الأوقات والأماكن حتى في أيامه الأخيرة على فراش المرض. كان مسؤولًا عن حسينية عائلته آل ليث وعن مسجد حميد، وكان يصلي بالناس في هذا المسجد صلاة العيدين وصلاة الآيات. وكان أيضًا معلمًا للقرآن الكريم، ومعلمًا للصلاة، تعلم لديه الجمّ من أبناء بلده. كان يصلي على الجنائز، ويلقّن الموتى، ويقرأ التصديق قبل مجلس الفاتحة. توفي في اليوم الرابع عشر من ربيع الأول سنة 1435هـ.
له من الأبناء: المرحوم الحاج علي والمرحوم الحاج أحمد والحاج مهدي وإبراهيم وكاظم وسلمان. والبنات: المرحومة فاطمة -أم طارق أبو قرين- ومعصومة -أم علي آل ليث- ومريم -أم حسن المدن- وحميدة -أم كرار آل سلام- وحورية.
-الملا حسن المدن
(1345 - 1428) (1927 - 2007)
هو الملا حسن بن قاسم بن أحمد المدن الجارودي. خطيب وشاعر حسيني من أسرة عرفت بهذا التوجه، كما ذُكر أخواه آنفًا. كان يقرأ الكتب والمؤلفات لأخيه الأكبر الملا مكي لكونه مكفوفًا، مما أثر ذلك على زيادة حصيلته العلمية والثقافية. تعلم القراءة والكتابة على يد أخيه الملا سليم، وتعلم الخطابة على يد أخيه الملا مكي وقد كان في بداياته يقرأ المقدمة له ومن ثم تفرد بقراءته وكان ذا صوت جوهري وشجي. كان يعلم الكتابة التي تعرف باسم (النظر) في كتّاب أخيه الملا مكي. ومضافًا إلى ممارسته للخطابة كان يعمل في بيع الأقمشة والخياطة. له ديوانان وهما جمرات القلوب وجمرة الفؤاد.
وفي اليوم السابع عشر من شهر رجب سنة 1428هـ توفي وهو يتلو القرآن أثناء جلوسه على المنبر الحسيني. له من الأبناء: الحاج إبراهيم والحاج عبدالغني والحاج عبدالمنعم والحاج عبدالرؤوف وعبدالإله وعبدالرزاق. ومن البنات: زهراء -أم أحمد عبدالأمير المدن- وفاطمة -أم حسين العيسى- وزينب -أم علي اعبادي- ونزيهة -أم محمد إبراهيم المدن- ونبيهة - أم رضا المنشاد - ووديعة - أم محمد آل خليف - وهدى.
خطباء آخرون:
-الحاج مهدي الحبيل الكشفي
-الملا علي بن علي المعلم
-السيد محفوظ بن السيد علوي آل سيد كاظم
-السيد علوي الطويلب
-الملا علي الأصيل
-الملا جواد بن مهدي المعراج
-العلامة الشيخ محمدعلي المعلم -أبو عماد-
-الملا عبدالله آل ليث
رحمهم الله جميعًا وحشرهم مع مولاهم الإمام الحسين عليه السلام.
———————————————
المصادر:
-مسموعات
-الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية، شيخ البلاد الشيخ فرج العمران
-شعراء القطيف، المرحوم العلامة الشيخ علي المرهون
-حلقة قبس من حياة الملا مكي المدن الجارودي للعم المربي العلامة الشيخ محسن المعلم على اليوتيوب
-ليلة القدر، شيخ البلاد الشيخ فرج العمران
-على أعتاب الحسين عليه السلام، الباحث الأستاذ لؤي آل سنبل
-مجلة الخط العدد 51، إعداد الحاج صالح أبو عزيز