انقضى شهر صفر وانقضى معه فصل الصيف من هذه السنة. في شهر ربيع، شهر ميلاد النبي محمد -صلى الله عليه وآله-، تعود حفلات الخطوبة والزواج بين أهالي القطيف بعد انقطاع لمدة شهرين.
من الملاحظ أن كلفة الزواج في المجتمع القطيفي -بكامله- أقل من غيره. ابتداءً من الصداق -مهر الزوجة- الذي لم يتأثر كثيرًا بالتَضخم والارتفاع. للمرء أن يقارن بين المهر والأشياء الأخرى في حياتنا؛ الأرض والسيارة مثلًا، مع أن الرجاء من القارئ الكريم ألا يفهم أنني أقارن بين قيمة هذه الأشياء والصداق من الناحية المعنوية، فالمرأة ليس الصداق قيمةً لها، لكن فقط من باب أن هذه أشياء نعرفها ونلمسها ونشتريها.
منذ زمن طويل، المهور عندنا -في القطيف- أقل بكثير من كثيرٍ من المناطق الأخرى حيث قد يتضاعف المهر عند غيرنا مرات عما هو عليه عندنا. وبعد ذلك تكاليف ليلة الدخلة -الوليمة- وغيرها، ليست أكثر من غيرنا بل هي أقل، وصار المجتمع يتفهم ضرورة التقشف والاقتصار على ضيافة ووليمة أقل كلفة. وكذلك بقية الاشتراطات المالية أقل!
الناس تتفهم، فلا أحد في المجتمع يعيب على المتزوج اختصار كلفة الزواج، إذ لو اقتصرت الوليمة على القهوة والشاي والماء لا تجد أحدًا من الناس يعيب ذلك، بل أعتقد أن الناس يفرحون لأن شابًّا تزوج وكفى! ومن عنده ينفق ويُولم ويفرح، كل بحسب استطاعته وإمكاناته المادية، وفي كلٍّ خير.
الآباء والأمهات ينظرون أبعد من عشرين أو ثلاثين ألفًا، أقل أو أكثر، صداقًا لابنتهم. هم يبحثون ويرغبون في شابّ شهم إذا تزوج ابنتهم أكرمها، وهي أيضًا تشاركه الساعة الحلوة والساعة المرة ويعلمون أن الشاب الساعي في طلب الرزق يحصل عليه. {إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، حقًّا كم رأينا شابًّا متعلمًا بدأ حياته فقيرًا ثم وسع الله عليه في رزقه! الذين يقدمون على الزواج ابتغاء المحافظة على عفّتهم وطهارتهم، يشملهم الله بفضله وكرمه.
من الرائع جدًّا أن هذه السُنّة - الزواج ـ على الرغم من صعوبتها فإن المجتمع القطيفي يحاول تيسيرها بكل الوسائل فلا يكون الصداق والأشياء البسيطة عقبةً كؤودًا في طريق من يرغب في الزواج. الفقر في الغالب حالة اقتصادية مؤقتة إذا توفرت الإرادة والعزيمة والشعور بالمسؤولية لدى الشابّ الساعي بجدّ في طلب الرزق.