عندما تفقد الصداقة عذوبتها
الصداقة علاقة تبتني على أسس ومعايير مهمة ينبغي الالتفات لها عند اختيار الأصدقاء، كما أنها ثقافة وتربية وتوجيهات ينبغي للوالدين أن يقدماها لأبنائهما.
ليجنبوهم ما يصاب به المرء من جرح في مشاعره عندما يصادق من تبلد وجدانه، وعلت عنده روح الأنانية وحب الذات بنحو سلبي، ويلهث بشكل مستمر خلف مصالحه، ولا بالي بمشاعر الآخرين إلا بمقدار ما يتوافق مع منافعه، إذ الصداقة علاقة نبيلة يتوافق فيها شخصان ويتبادلان الأحاديث والنقاشات التي تقارب بين فكريهما وأحاسيسهما حتى يصلا إلى مرحلة متقدمة من الاهتمام بالآخر والسؤال عن أحواله ومشاركته في مشاكله وهمومه، ويقدم لك النصيحة إن أخطأت ويشجعك على ثقافة التسامح والاعتذار.
الصداقة من أجمل العلاقات الإنسانية وأنبلها، وتعبر عن حالة الود والانسجام بين طرفين في تفكيرهما وآمالهما، وتتضمن حالة المشاركة الوجدانية والفكرية بينهما في مواجهة المشاكل والعراقيل التي تصادفهما، فيقدم كل واحد منهما تصوراته للمشكلة والحلول الممكنة لها والنتائج المترتبة عليها، كل ذلك يحدث الأنس والأمان والطمأنينة في مواجهة صفعات الزمن وأمواجه العاتية، فهو يسند كتفه لمن يشعر بوجوده بقربه في الأوقات الصعبة، ويثق بوقفته معه، ولا نبالغ إن قلنا أن الصداقة من أنبل ما أنتجته الإنسانية في صفائها واستمداد القوة منها.
كثيرة هي القصص التي تنقل وتكتب حول الفتور الذي يصيب علاقات الصداقة وما يحدثه من صدمة عاطفية عند البعض، وتتعدد العوامل المؤدية إلى حدوث الخلل في العلاقة بين الصديقين وتسبب توترا وتنتهي بالفتور والانسحاب أو القطيعة دفعة واحدة، وعادة ما يشوب القطيعة غير المفهومة الأسباب الظاهرية حالة من الحيرة والدهشة والتيه في النظر إلى المواقف المتوقع أن تكون سبب الشرخ في علاقتهما، كما أن المستقبل لهذه العلاقة المشوبة بالاضطراب يشوبه المخاوف من استمرارها بهذه الوتيرة أم أنها تمر بمراحل متعددة حتى تسقط عند أحد المنعطفات غير المسيطر عليها، أم أنها تنتهي بشكل مفاجئ وغير متوقع فلا يعلق الآمال على هذه العلاقة، ويطوي عنها صفحا دون محاولات إصلاحها ومعالجتها، وحتى لو تجاوزا ذلك الخلاف فهل تعود المياه إلى مجاريها، وتطيب النفوس وتصفو المشاعر، أم أنها تعود بعلاقة تختلف تماما عما مضى ويكون الجمر فيها مدفونا ومتخفيا تحت الرماد، فمتى ما كان هناك أي خلاف - ولو كان بسيطا - سينسف هذه العلاقة وينهيها.
ولم يشوه صورتها الجميلة إلا أولئك الأشخاص الذين تحركهم المصالح الضيقة والأنانية التي يتلحفون بها، فيتخذون من الصداقة الجميلة ستارا لتحقيق مآربهم ومنافعهم الشخصية، ويخادعون في إبداء مشاعرهم الزائفة وكلماتهم المعسولة، والتي يتخذون منها جسرا للوصول إلى ثقة الآخرين بهم، وكل علاقة تمثل عند هذا الممثل الاجتماعي محطة عبور ما إن يستنفذ وسعه ومصالحه ويصل إلى قناعة بأنه لم تعد له مصلحة جديدة، تراه يتذرع بأبسط الأسباب والمواقف لينسحب من حياة ذلك الشخص الذي وثق به، وبعضهم تصل به الصلافة والجلافة وتضخم الأنا عنده إلى أن ينسحب في جنح الظلام، دون أن يبدي أي سبب ويقطع كافة أشكال التواصل معه؛ ليبقي الآخر في حيرة من أمره وقد أعياه التفكير في ذلك الخطأ الصادر منه ليقطع علاقته به بهذه السهولة، دون أن يقدر الصحبة السابقة والمواقف المختلفة التي كان فيها سندا له ولم تصدر منه في حقه إساءة متعمدة، وهكذا نجد نمطين من الشخصيات وقد وصلت علاقتهما إلى نهاية غير متوقعة، فشخص أخلص وتفانى في سبيل الحفاظ على تلك العلاقة وحاول إلى آخر لحظة للبقاء عليها سليمة من أي توتر، وشخص آخر يستهتر بمشاعر الآخرين ولا يقيم لها وزنا وليس عنده أسهل من قطع علاقة يشعر بأنها ورقة قد احترقت.
أصحاب الأقنعة الزائفة ليس هناك أسهل عندهم من تبديلها بحسب ما تقتضيه المواقف المصلحية عندهم، وتوزيع الابتسامات الصفراء في كل اتجاه هو أمر اعتادوا على القيام به، وأما خباياهم فتكمن فيها النوايا المبيتة بالسوء والتلون والتبلد في المشاعر الحقيقية والصادقة.