في #المطار:
كنتُ اليومَ متوجهاً من بلدٍ إلى بلدٍ، وفي المطار رأيتُ سيدةً #تونسية ثلاثينيّةً تحاول جاهدةً تخطّي الصفّ باتجاه الطريق الموصل لباب الطائرة.
كانت تضمُّ طفلتها بيدها اليسرى وقد حملت باليمنى كيساً ورقياً كبير الحجمِ، وأمّها الطاعنة في العمر تجرُّ حقيبتهما وتجري خلفها.
كنتُ قد شرعتُ لإعطاءِ جواز سفري للمراقبِ، فسحبتهُ وأفسحتُ لها ولأمها الطريق لتتقدّم أمامي، وبالفعل أعطت السيدة جوازات سفرهم للموظف وقالت لأمها (بلهجتهم) وهي تنظر ليدي ولون جواز سفري المختلف عن لون جواز سفر بلدها: انظري كيف يتعامل الأجانب مع النساء! (اكتفيتُ بالابتسام اللطيف)، وأضافت للموظف قائلةً: حاولت عدة مرات أن أمرّ سريعاً بين الناس لكنهم منعوني وطلبوا مني التزام دوري! لكنّ هذا الأجنبي أعطاني مكانه لمجرد أنه رأى سيدة تحمل طفلةً بيدها (اكتفيتُ بالابتسام اللطيف)
أخذَت السيدة جوازاتها ومضت في السّرداب المطاطيّ الموصل لباب #الطائرة وهي تتعثّرُ بكيس الورق الذي في يدها (مع حملها طفلتها باليد الأخرى) والأم تجري خلفها.
أسرعتُ وحملتُ الكيس عنها دون أن أقولَ أي كلمة، إلى أن دخلنا الطائرة، فوضعتهُ لها في المكان المخصص للحقائب.
بَدَت تحاول شُكري بمزيجِ كلماتٍ من #العربية و #الفرنسية، فقاطعتها بلساني العربي وقلتُ لها: لا شكرَ على واجبِ يا أختي، لكن أحببتُ أن أقول لكِ أنني لم اُقدِّمكِ عن نفسي في الصّف، ولا حملتُ أغراضكِ كوني أجنبي! ولكن كوني #مسلم (وهكذا يأمرنا ديننا)، فسألتني من أين أنت؟ قلت لها أنا عراقي مِن #العراق ومضيت.
ذهبتُ لكرسيي المخصص فجلستُ فيهِ وتذكّرتُ كيفَ تربّينا في بلادي أن نُعطي كرسيّنا في المواصلات العامة للسيد والسيدة الكبيرين وللمرأة الحامل والمريض، تذكّرتُ كيفَ أن المسجد والبيت كان لهما عميق الأثر في بناء شخصيتنا التي ما زلنا نحافظ عليها حتى يومنا هذا، منطلقين من مبدأ ديني أخلاقيٍّ إجتماعي بحت.
ثم سألت نفسي وتساءلت: تُرى كيف لأولادنا أن يحملوا هذه القيم في غربتهم هذه؟ فليس الأمر في رأيي مجرد توجيهٍ عابر، ولكنه جملة من المتراكمات المهمة والتي يعضدُ بعضها بعضاً لينتجَ عنها (شخصية متوازنة، قادرة على العطاء التلقائي دون انتظار مقابل أو جزاء)