تذكار من الاطلس
تزخر بعض المناطق الجبلية في المغرب بعادات و تقاليد، لا نعرف عنها الكثير نحن سكان المدن ، و شخصيا صدمت بإحدى هذه التقاليد الغريبة العجيبة، حيث وجدت نفسي بالصدفة أعيش تفاصيلها ، قبل بضع سنين بين جبال الأطلس الصغير.
في طريق عودتنا أنا و أحد أقاربي من الموسم السنوي (( تومليلين )) الذي يقام في قبيلة تسمى (( إدوسكا )) قاصدين قبيلة (( أيت علي )) التي تنحدر منها عائلتنا، قررنا المرور بدواريسمى (( إميفر)) لزيارة عمتي العجوز رحمها الله التي كانت لاتزال على قيد الحياة آنذاك، و أثناء إقترابنا من الدوار المذكور بدأنا نسمع أصوات الطبول و ((كَانكَا)) بما يوحي أن هناك عرس ، و ما إن دخلنا الدوار حتى لمحنا عدة أشخاص أظن أن عددهم يفوق العشرون يركضون نحونا ، و بقيت مشدوها ولم أفق من ذهولي إلا على صوت مرافقي الذي سبقني بالهروب يصيح بي : أهرب أهرب… حينها تذكرت ما كان قد حكي لي من قبل عن إحدى العادات التي تقوم بها نساء هذه المنطقة و التي لم أخذها مأخذ الجد.
و تتلخص هذه العادة في أنه خلال ثلاث أيام من كل سنة و هي الفترة التي يقام فيها الموسم المذكور أعلاه ، يمنع منعا كليا بقاء أي رجل في الدوار أو مرورأي شخص ذكر غريبا كان أو قريب.وفي هذه الأيام تقوم نساء و بنات الدوار بإرتداء لباس الرجال و رسم اللحي و الشوارب على وجوههن بالفحم ، و إقامت (( أحواش )) في إنتظار مرورر أي رجل للإنقضاض عليه و إلباسه (( تفكَوت )) اللباس التقليدي للنساء في المنطقة ، ليلعب دور العروس مع الشتم و الضرب إن إقتضى الحال.
و قد عرفت في ما بعد بأن هذه العادة تعود قصتها الى قرون مضت ، حيث لم تكن وسائل النقل متوفرة مثل عصرنا هذا ، و كان الموسم هو الفرصة الوحيدة لشراء كل حاجيات السنة من سكر و زيت ألخ… وكان الرجال يذهبون للموسم ولا يبقى في الدوار إلا النساء . وقد حدث مرة في غياب الرجال أن مرت مجموعة من الغرباء و معهم جمل صغير يزعمون أنهم من (( مولاي ابراهيم)) قرب مراكش. ولقد خافت النسوة أن يكونوا لصوصا .و لكي لا يفطنوا الى أن الرجال غائبون عن الدوار، فكرن في إرتداء ملابس الرجال و رسم اللحي و الشوارب و طرد الغرباء.و هذا ما قمن به فعلا و بقي هذا التقليد الى يومنا هذا.
و أعود الى قصتي حيث هُجم علينا من طرف بنات الدوار لم نجد مكان للفرار و إتخاذه حصنا يقينا شر الهجوم أفضل من منزل عمتي. و قد ادهشتني سرعتهن في الجري فقد لحقن بنا قبل إغلاق الباب , و هجمن علينا في قلب الدار .لم تكن عمتي رحمها الله موجودة وقت الهجوم ،إذ لم تكن إلا زوجة إبنها التي لم تسطتع حمايتنا ،و لما أيقنُت أننا و قعنا في المصيدة وأنهن جادات في ما سيقمن به لم أجد وسيلة للإفلات غير إحداهن حيث نزعتُ عنها العمامة التي كانت فوق رأسها و لففتها حول عنقها مهددا انني سأخنقها حتى الموت إن إقتربن منا .مما جعلهن يتراجعن للخلف . ولم أطلق سراح الرهينة إلا عندما قدمت عمتي من الخارج و قامت بالتّدخل و المفاوضة بينا و بينا البنات ، مما جعلهن يعدلن عن تنفيذ حكمهن ضدنا و الإنصراف مع التهديد و الوعيد .