*جواهر عَلَويَّةٌ* رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: *"رُبَّ ساعٍ فيما يَضُرُّهُ"*
*مَهما* بلغ الإنسان من العلم والمعرفة، واستند إلى تجربة وخبرة، وملك من وسائل لقراءة الواقع واستكشافه ما ملك، يبقى عاجزاً عن معرفة ما يخبئه له الزمان، فالزمان كتوم لا يكشف عن أسراره إلا في الوقت المناسب.
*قد* يستطيع الإنسان أن يتوقَّع، ومن الجيد أن يتوقع، والتوقع لا يكون جزافاً وإنما يقوم على مُؤشِّرات ِعلمية ومُعطيات واقعية ومعلومات متوافرة، لكن توقعاته قد تصدق وقد تخيب، لأنه لا يحيط بالمستقبل، ولا يدري ماذا يمكن أن يحدث فيه من تغيرات وتبدلات طبيعية أو بشرية.
*إن* رغبة البشر في معرفة المستقبل جامحة، ولكن من لطف الله بهم أن منع عنهم معرفته لمصالح كثيرة وفوائد جمة ترجع إليهم، وأهمها أن معرفة المستقبل تُعَقِّد حياتهم، وتُكبِّلهم، وتكبح هِمَّتهم وحركتهم، وتقضي على قابلياتهم وأبداعهم، فإن كان الذي يحمله المستقبل إليهم خيراً انتظروه دون أن يعملوا له، وإن كان شراً أصابهم الخوف منه بمقتل قبل حدوثه، لذلك على الإنسان أن يعيش الواقع ويتعامل معه بواقعية وينطلق منه لاستشراف المستقبل والتخطيط له وتهيئة جميع الأسباب المطلوبة للنجاح، وقبل ذلك وبعده إيكال الأمر إلى الله تعالى لأن الزمان من صنعه تعالى والله محيط بما كان وما هو كائن وما سيكون فيه لا يغيب عنه شيء أبداً.
*ولمّا* كان الإنسان جاهلاً بما يحمل المستقبل إليه، وكان عاجزاً عن الإحاطة بأحداثه وطوارئه، وعاجزاً عن الإحاطة حتى بعمله، ولما كان محدوداً في فكره وتدبيره، وكان ما يختاره لنفسه محكوم للقّدَر الذي لا يعرفه فإن نجاحه في اختياراته يتساوى مع فشله إلا إذا كان متحسباً لكل طارئ فقد تقل نسبة الفشل، ولكن رغم ذلك فإنه قد يسعى وتكون مصلحته الواقعية فيما يسعى إليه، وقد يكون في ذلك مفسدة واقعية كشفتها الأيام بعد أن سترتها عنه، فكم نسعى وراء أمور نحسبها خيراً فإذا بها شَرّ، والسبب في ذلك جهلنا بما سيكون، وعدم إحاطتنا، وقِصَر نظرنا على ظاهر الأمور، وعدم معرفتنا ببواطنها، وكم من أمر ظاهره حسنٌ وباطنه سيء، وكم من أمر ظاهر سيء وفي باطنه يكمن الخير الكثير كما يقول تعالى: *"...وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"﴿البقرة/ 216﴾*. فمن ذا الذي يدري فلَعَلَّ وراء المَكروه خيراً، ووراء المحبوب شراً؟.
*في كل ما يجري* قد يكمن الخير بعد الضر، و اليسر بعد العسر، و الراحة الكبرى بعد الضنى و العناء، وقد يكمن الشَّرُّ فيما نحسبه خيراً، وقد يعقب العُسر اليُسرَ. فلا يجدر بنا أن نلهثَ وراء ما نحسبه خيراً، أو نتهالك على ما نحب، فقد تكون الحسرة كامنة وراء المتعة! وقد يكون المكروه مختبئاً خلف المحبوب، وقد يكون الهلاك متربصاً وراء المطمع البراق، وحده الله تعالى العليم بالغايات القريبة والبعيدة، المُطَّلع على العواقب المستورة، هو الذي يعلم، فأما أنا وأنت قارئي الكريم فلا نعلم شيئاً عمَّا يتستر عليه المستقبل من مكنون أحداثه. وماذا نعلم من أمر العواقب؟! وماذا نعلم مما وراء الستر المُسْدَل؟ وماذا يعلم الناس من الحقائق غير العالم المَحدود الذي تبصره عيوننا، وكم تغيب عنا عوامل أخرى تعمل في صميم الوجود، وتقلب الأمور، وترتب العواقب على غير ما كنا نظنه ونتمناه، وهذا معنى قول الإمام (ع): *"رُبَّ ساعٍ فيما يَضُرُّهُ"*.
*السيد بلال وهبي*
فجر يوم السبت الواقع في: 16/9/2023 الساعة (04:53)