المرونة النفسية من الناحية العلمية: ماهي العوامل التي تساعد الناس على التكيف – ترجمة عدنان احمد الحاجي
ماهي العوامل التي تساعد الناس على التكيف؟
1- المقدمة: علم المرونة (المصدر الرئيس(1))
?The science of resilience: What are the ingredients that help people cope
(بقلم: جينيفر كاوزين-فرانكل – Jennifer Couzin-Frankel)
المرونة النفسية مفهوم يدور في ذهن الكثير من الناس هذه الأيام. الأعاصير والحرائق تضرب بعنف المجتمعات المحلية. تغير المناخ يلوح في الأفق، وأهوال الحرب وأزمات اللاجئين الناتجة عنها لا تظهر أي علامات على التراجع. ولم ينبثق عن الانقسامات السياسية المريرة إلّا الغموض والكآبة.
زمان كهذا مشوب بالاضطراب وعدم الاستقرار – بل وما زاد الطين بله تورط الناس في خلق الكثير من هذه الأزمات، الى درجة أنهم أصبحوا غير قادرين على السيطرة عليها. ولكن على الرغم من أن هذه المصاعب شلت البعض، إلَّا أن البعض الآخر تعافى ورجع الى حالته الطبيعية. فماذا يمكن أن تعلمنا المرونة النفسية(1) كيف نتهيأ ونستعد لهذه الصعوبات المستقبلية ونتكيف معها؟


معزين في ضحايا كاترينا في 2006، مصطفين كل بيد الثاتي حدادًا على الضحايا.
لمعرفة ذلك، تابعنا أحداثًا. هذه الأحداث أخذتنا إلى مدينة نيو أورليانز في لويزيانا الأمريكية، حيث كان باحثو علم الاجتماع يتتبعون الناجين من إعصار كاترينا. وإلى أيضًا الشرق الأوسط، حيث كان الباحثون يختبرون برنامجًا يهدف إلى تعزيز القدرة على الصمود والتكيف بين الأطفال الذين تعرضوا لصدمات نفسية عميقة(2، 3)؛ كما أخذتنا إلى بنغلاديش(4)، حيث يعيد السكان النظر فيما إذا كانت القدرة على الصمود المرن تعني الانحناء لما تريده الطبيعة أو محاربتها.
وإلى أحداث في عمق عالم الطبيعة، حيث وجهنا دعوة الى باحثين لدراسة العوامل التي جعلت النظم الإيكولوجية على اليابسة(5) وتحت الماء(6) قادرة على الصمود والتكيف، واستكشفنا كيف طورت الكائنات الحية مع تنوعها كشجيرات التبغ والبكتيريا استراتيجيات الصمود التكيفي(7) التي قدمت لنا دروساً – أو على الأقل امثلة – بإمكاننا نحن البشر تبنيها والاستفادة منها.
أحد علماء النفس صاغ مصطلح السحر العام (ordinary magic) لوصف مزيج من خصائص المرونة النفسبة. علمنا أنه لا شيء حاسم. وإمعان النظر في ذلك ينطوي على مخاطر – في مجال الخدمات اللوجستية والتمويل والصدامات الثقافية. وعلى الرغم من العقبات، يقوم باحثون بتحليل العناصر الرئيسة للمرونة النفسية. البعض منها يحمل خصائص سياسية؛ والبعض الآخر يحتاج إلى إعادة نظر غير مريحة للتكيف اللازم للبقاء على قيد الحياة. ولعل الأهم من ذلك، وجدنا أن هذا البحث يرعى شيئا نادر الوفرة هذه الأيام، ويبعث على الأمل.

2- باحثون يضعون تدخلات المرونة على المحك في مناطق الحروب ومخيمات اللاجئين (المصدر الرئيس(2))
In war zones and refugee camps, researchers are putting resilience interventions to the test
(بقلم: ايملي انديروود – Emily Underwood)
في عام 2015، باسم العلم، سمح أكثر من 800 من الفتيان والفتيات في سن المراهقة في شمال الأردن ان تُقص 100 خصلة شعر من شعر رؤوسهم. وكان نصف المراهقين من اللاجيئين السوريين والنصف الآخر من الأردنيين الذين يعيشون في المنطقة. وأوضحت رنا الدجاني (Rana Dajani)، باحثة في البيولوجيا الجزيئية، للفتيان والفتيات ان خصلات الشعر هذه ستكون بمثابة مذكرات بيولوجية. المواد الكيميائية التي في هذه الخصلات ستوثق مستويات الإجهاد النفسي الذي يعاني منه هؤلاء المراهقون قبل وبعد طرح البرنامج الذي يهدف إلى زيادة مرونتهم النفسية(1).


لاجئة سورية شابة (على اليمين) فرت إلى الأردن تستمع إلى إحدى المعلمات (على اليسار) كجزء من برنامج تأهيلي.
لقد كانت تجربة فريدة من نوعها. وكان ذلك مناسبًا للدكتورة الدجاني، التي تعمل في الجامعة الهاشمية في مدينة الزرقاء الأردنية. يبدو ان الدجاني تستنكر العديد من التدخلات الإنسانية المستوردة من أماكن أخرى. “أنا دائما أشك في أي برنامج يأتي من الخارج يدَّعي أنه جاء للمساعدة والعلاج” ، كما تقول الدجاني – الدجاني متولدة من أم من مدينة حلب وأب من فلسطين، وكانت أيضا حريصة على دراسة الآثار الفسيولوجية للصراع. لذلك عندما تحدثت كاثرين بانتر- بريك (Catherine Panter – Brick)، باحثة في الأنثروبولوجيا الطبية، التي التقت بها في جامعة ييل في عام 2012، حول وضع برنامج تعزيز المرونة على المحك، اغتنمت الدجاني الفرصة السانحة لها.
جذور دراسة المرونة النفسية (psychological resilience) [وتعني قدرة علي التأقلم والتكيف مع مصاعب الحياة(1)] تمتد الى السبعينيات من القرن الماضي . هذا عندما بدأ نورمان غارميزي (Norman Gramezy)، باحث في علم النفس التنموي في جامعة مينيسوتا في مينيابوليس، دراسة تلاميذ المدارس الذين ترعرعوا على الرغم من الصعوبات الشديدة التي عانوا منها، كعنف الحي [الذي يعيشون فيه] أو أولياء أمورهم الذين يعانون من مرض نفسي.
بعد تقاعد غارميزي، استمر طلابه من حيث توقَّف، محددين العوامل التي ساعدت هؤلاء الأطفال على التغلب على الصعوبات. وكان بعضها اكتسابيًا، كوجود رابطة قوية مع أحد الوالدين. وترعرع آخرون بذواتهم ، كشعورهم بالقوة [الشعور بالقوة هو الإدراك الشخصي بأنه هو من
يبدأ وينفذ ويتحكم في أفعاله الاختيارية(8)] أو بالسيطرة على مصيره.
واحدة من طلاب غارميزي، باحثة في علم النفس التنموي آن ماستن (An Masten)، صاغت مصطلحاً لمجموعة متغيرات التي معاً تساعد الطفل على تجاوز الظروف السيئة: السحر العام (العصا السحرية) (ordinary magic) [المترجم: كلنا يحتاج المرونة، وهي عصًا سحرية. يمكن أن تساعد في أكثر المواقف ميؤوس منها أو يمكن أن تنير الطريق للخروج إلى النور في الأوقات العصيبة أو حتى الظروف المروعة. عند وقوع كارثة طبيعية أو هجوم إرهابي، يمكن أن تساعد المرونة النفسية على الصمود والتأقلم والتفكير في الحلول والتعافي(9)].
ما بدأ مع غارميزي والأطفال الذين لديهم مرونة نفسية (الصامدين) في المناطق الحضرية في مدينة مينيابوليس الأمريكية أثار سؤالا واضحًت: هل يمكن أن تُدرَّس المرونة للآخرين الذين قد لم يخبروها أو يمارسوها؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، كان على علماء الاجتماع وعلماء النفس النظر في ماذَا تعني المرونة النفسية بالضبط، وكان عليهم ان يتفقوا على ذلك. اعتقد البعض أن المرونة النفسية تعني استعادة الصحة النفسية بعد وقوع حدث مؤلم. ويرى آخرون أنها اصرار واعٍ على المثابرة في ظل الظروف الصعبة. ولا يزال البعض الآخر يصفها بأنها قدرة الطفل على الاستفادة من الموارد الخارجية، مثل رعاية أولياء الأمور. ولتعقيد الأمور أكثر، تستخدم الجماعات الإنسانية مصطلح “المرونة النفسية” لوصف أي من هذه النتائج الإيجابية أو جميعها.
يقول جون كورتز (Jon Kurtz)، مدير قسم الأبحاث والتعلم في مرسي كوربس (Mercy Corps) في واشنطن العاصمة: “إنه مفهوم مطاطي تمامًا”. وتعاون جون كورتز مع الدجاني وبانتر – بريك لفهم كيف يمكن دعم المرونة النفسية لدى المراهقين السوريين والأردنيين وكيف تُقاس.
وعلى الرغم من نشاز تعريفات المرونة، فإن معظم دراسات التدخلات المتعلقة بالمرونة لدى الأطفال تسأل أحد سؤالين: هل يعزز برنامج الصحة النفسية القائم من خلال مساعدة الأطفال على مواجهة الحروب والنزوح (التشرد)؟ أم أنها تمنع مضاعفات الصحة النفسية والتي اصبح تعرض الأطفال لها الآن في مستوى عالٍ من الخطورة؟
مخرجات برامج المرونة البسيطة التي قام الباحثون بتقييمها كانت غير حاسمة. في عام 2016، استعرض في ورقة منشورة في مجلة تقارير الطب النفسي (Current Psychiatry Reports) بيانات عن 24 برنامجا للصحة النفسية الاجتماعية أجريت في تسعة بلدان، بما في ذلك البوسنة وأوغندا والنيبال. ووجد الباحثون أنه على الرغم من أن جميع التدخلات كان لها بعض التأثير الإيجابي في الصحة النفسية، إلا أن أقل من نصفها استوفى أهدافه. ما يقرب من ربعها كان له تأثير سلبي فيما يهدف البرنامج إلى تحسينه، كأعراض الاكتئاب أو اضطراب الكرب التالي للصدمة. وقد نجحت بعض البرامج في احد البلدان ولكنها فشلت في بلد آخر:

تعليم التنظيم العاطفي(10) لأطفال جنود سابقين في سيراليون حسن علاقاتهم الاجتماعية، على سبيل المثال، على الرغم من أن جهودًا مماثلة للأطفال الفلسطينيين قد زادت من أعراض اضطراب الكرب التالي للصدمة. في دراسة أجريت في نيبال، كونها تنتمي إلى حركة سياسية يبدو أنها تحمي الصحة النفسية بين أطفال جنود سابقين. ومع ذلك كان العكس صحيحًا بين الأطفال في البوسنة، ويقول ويتس تول، أحد مؤلفي ورقة عام 2016 وباحث في الصحة النفسية في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور في ولاية ماريلاند.
ما هي العوامل التي تفسر هذه النتائج غير المتناسقة؟ فقد تكون العوامل التي تدعم الصحة النفسية والمرونة في إحدى الحالات غير مجدية أو حتى ضارة في حالة أخرى.
ولتحديد التدخلات المثالية لمجتمع ما، يحتاج الباحثون إلى قضاء بعض الوقت هناك، كما يقول مايكل بلويس، باحث علم النفس في جامعة كوين ماري في لندن. في مجموعات التركيز الأخيرة مع الأمهات السوريات اللاجئات في لبنان، على سبيل المثال، وجد بلويس وزملاؤه أن عنصراً شائعاً في العديد من البرامج النفسية والاجتماعية – وهو مفهوم يسمى “موضع الضبط الداخلي” “internal locus of control” [المترجم: درجة اعتقاد الناس أنهم متحكمون بنتائج الأحداث في حياتهم(11) – مشكلة بين الناس المتشبثين بالدين. موضع الضبط الداخلي هو الاقتناع بأن النجاح يأتي بفضل جهود المرء، مثل العمل الشاق، وليس بسبب عوامل خارجية. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم غالبًا ما ينظر إليه على أنه دعم للصحة النفسية، فإن هذا المفهوم لم يتردد صداه عند أولياء الأمور المتدينين الذين يعتقدون بأن الحياة تتكشف وفقًا لإرادة الله، كما يقول بلويس،
3- من سرقة الجينات الى تجديد نمو الأطراف، كيف تجد الحياة طريقةً للعيش والترعرع ( المصدر الرئيس(3))
From stealing genes to regrowing limbs, how life finds a way to survive and thrive
(بقلم: طاقم العمل في موقع أخبار العلوم الإلكتروني – Science News Staff)
الطبيعة لديها الكثير بإمكاننا أن نتعلم منها. كجزء من مشروعنا البحثي الخاص، استكشفنا كيف تستخدم الحيوانات والنباتات والبكتيريا استراتيجيات المرونة المختلفة عندما تواجه موارد شحيحة ومفترسات وصعوبات أخرى
.

السمندل
المرونة عبر التجدد
على البشر أن يحسدوا سمندل المسيك [عفريت الماء، هذا النوع من قنافذ البحر يمتلك قدرات وسمات عجيبة. أطراف هذا الكائن البحري تنمو مجددًا بعد قطعها، وإذا جُرِحَ فإن نزيف الدم يتوقف خلال ثوانٍ(12)]. قدراتنا على التجدد محدودة: فالعظام المكسورة تلتئم والجروح تبرا، ويمكن لأجزاء كبيرة من الكبد أن تتجدد، ولكن هذا كل شيء.
لكن سمندل الماء الضخم، ويسمى أيضا السمكة المكسيكية التي تمشي ، لأنها تبدو وكأنها ثعبان ماء (eel) طولها 20 سم وفيها أرجل بدينة، يتمكن من أن يُعوض طرفاً من أطرافه حتى لو فقده بالكامل أو حتى يستطيع أن يجدد ذيله لو قُطع، مما يعني نمو حبله الشوكي وعموده الفقري وعضلاته من جديد. هناك حوالي 30 فريقاً بحثياً يقومون بإستكشاف كيف يستطيع هذا السمندل القيام بهذا العمل.
وجدوا في السمندل أن هناك أنسجة مختلفة تعمل معاً لتستشعر الطرف المفقود وتنسق نموه من جديد. في هذه العملية، يقوم هذا الحيوان بإعادة تنشيط الدارات (circuits) الوراثية نفسها التي تقوم على توجيه تشكُّل تلك الهياكل أثناء مرحلة النمو الجنيني ، مما يؤدي إلى تخصص الخلايا الجذعية العامة.

سمندل المكسيك ليس سوى واحد من العديد من الحيوانات في مملكة الحيوان التي تستطيع تجدبد نفسها. الديدان المسطحة وتدعى بالمستورقة تعتبر أكثر مرونة – أي قادرة على العودة الى شكلها الأصل بعد فقدان 90٪ من جسمها. جزء واحد صغير من هذه الديدان المائية التي يبلغ طولها 2 سم يمكن أن يجدد الدماغ والجلد والأمعاء وكل الأعضاء الوظيفية الأخرى.
مرة أخرى، الخلايا الجذعية هي المفتاح، ومجموعة خاصة من الجينات النشطة في العضلات تصدر أمرًا لتلك الخلايا الجذعية بما يجب عليها فعله(13)، منشطةً جينات التخصص في الخلايا الصحيحة في الوقت المناسب. لذا تستطيع الدودة المستورقة أن تعيد بناء نفسها من الصفر تقريباً، في حين لا يتمكن السمندل إعادة بناء نفسه إلا إذا كان محور الجسم الرئيس سليماً.
في هذا العام (2018) ، اتخذ الباحثون خطوة أخرى نحو تفصيل الجزيئات الكامنة وراء التجدد من خلال ترتيب تسلسل جينوم هذين النوعين: السمندل والدودة المستورقة(14). على أمل ان نكون قادرين في المستقبل على ان نحث المصابين من الناس بالقيام بنفس الإصلاحات التجددية – كما تقول إليزابيث بينيسي.
سرقة الجينات من أجل البقاء
تخيل عدوى مستعرة في رئتي مريض سرطان في مستشفى. عندما تغمر مضادات حيوية قوية جسم هذا المريض، تدرك بكتيريا الكلبسيلة الرئوية (Klebsiella pneumoniae)، ان مصيرها الفشل. لكن بإمكانها توظيف استراتيجية مرونة شُحذت على مدى مليارات السنين لاقتراض جين من خلية أخرى تمكٌن مسببات المرض (الباثولوجيا) من البقاء
.

بكتيريا الكلبسيلة الرئوية
عندما تتغير البيئات ، تتكيف الأحياء الدقيقة أو تموت. الكلبسيلة الرئوية والبكتيريا الأخرى قد أعطت قوة دفع هائلة لعملية التكيف وذلك بسرقة جينات من مكان آخر(13)، بما فيها بكتيريا وجزيئات حمض نووي مختلفة وسائبة في البيئة. مثل هذه الإنتقالات الجينية الأفقية تسمح للحشرات باكتساب سمات قيمة جديدة ، كل شيء من القدرة على النمو على قشور الجبن الى مقاومة المضادات الحيوية.
يعتقد الباحثون أن الكلبسيلة الرئوية اكتسبت جينها المضاد للمضادات الحيوية (blaKPC) من بكتيريا أخرى غير معروفة. تقوم البكتيريا المزودة بالجين بإنتاج إنزيم يحلّ (break down) ( يكسر) العديد من المضادات الحيوية.
كما هو الحال مع العديد من استراتيجيات المرونة على التكيف في الطبيعة، سرقة الجينات لها تكاليفها. في بعض الأحيان تحوي الميكروبات جينات ضارة بدلًا من أن تحوي جينات نافعة. البروتين المنتج من الجينات المكتسبة قد لا يتراكب مع بروتينات خلايا أخرى. ولكن للأسف، بالنسبة لاستراتيجية المرضى المصابين ببكتيريا الكلبسيلة الرئوية فإنها تعمل بشكل جيد جدًا حيث مات ما بين 40٪ الى 70٪ من المصابين بها – كما يقول ميتش ليزلي.
سناجب بمخزون اليوم الماطر
هارعةً الى مروج جنوب داكوتا سناجب الأرض المبطنة ذات الـ 13 خطاً تبدأ فصل الشتاء بشراهتها في الأكل. وبحلول ذلك الوقت حيث ينتهي السنجاب من حفر جحر له للبيات الشتوي، سيزيد وزنه بحوالي 40٪، وذلك بفضل الدهون الزائدة التي من شأنها أن تزوّده بالطاقة حتى الربيع المقبل.


سنجاب الأرض
وخلال فترات الجفاف والهجرة والشتاء الكئيب وغيرها من الصعوبات، كثيرًا ما تواجه الكائنات الحية أوقاتاً تشح فيها الموارد. لكي يتعايش مع الوضع ، يقوم السنجاب الأرضي، كالعديد من المخلوقات الأخرى، بتخزين الموارد لاستخدامها في وقت لاحق. قد يزيد وزن جسمها بأكثر من 2٪ في اليوم الواحد بسبب إلتهامها الشره للبذور والجنادب، وغيرها من الأغذية الشهية.
ولكن هذا التكتيك له سلبيات. حيث يمكن أن تكون السناجب فريسة سهلة للصقور أو الذئاب. كما يمكن أن ينفد مخزون الأيام الماطرة قبل الأوان. بعد ان كان السنجاب لطيفاً وبدينا، يدخل في البيات الشتوي ، ويخفض استهلاكه من الطاقة بنسبة 90٪. وتنخفض درجة حرارة جسمه إلى ما يزيد قليلاً عن درجة التجمد وينخفض معدل ضربات قلبه إلى 5 نبضات في الدقيقة، أي أقل من عدد النبضات المعتادة التي تتراوح من 350 إلى 400 نبضة.
مراكمة الدهون يتطلب تعديلات أيضية وسلوكية. ولكن بطريقة أو بأخرى، يتجنب السنجاب المشاكل الصحية التي يعاني منها الناس الذين يعانون من السمنة المفرطة. على الرغم من أنه تظهر بعض المشكلات الأيضية لمرض السكري من النوع 2 عليه، إلَّا أن هذا الحيوان ليس مريضاً. وبحلول الربيع، يصبح نحيلاً ورشيقاً وعلى استعداد لبدء دورة أخرى – كما تقول ميتش ليزلي.
نبات منتصب ومكافح
خلافاً للبشر الذين يمشون على رجلين، لا تتمكن النباتات من الهروب عن عدوها، لكنها تظهر مرونة ملحوظة عندما تتعرض للهجوم(16). انظر كيف تحمي نباتات التبغ البري (نيكوتيانا أتينواتا، والتي يبلغ طولها متراً وتستوطن أمريكا الشمالية) نفسها من الحشرات الجائعة.


شجيرات التبغ
يستشعر النبات مركبات الأحماض الأمينية في لعاب يرقانات فراشة كاتيربيلر (Caterpillar) ويستجيب بإشارة إنذار – وهي نبضة هيدروليكية أو كهربائية خلال ساقه وأوراقه. في غضون دقائق، ترفع خلايا النبات إنتاجها من النيكوتين، وهو سم يتداخل مع وظيفة عضلات الحيوان المهاجم عند الهجوم. ورقة التبغ البرية الواحدة يمكن أن تكفي لتحضير نصف علبة سجائر. ولكن بعض يرقانات حشرة كاتيربيلر، مثل عثة الصقر (hawkmoths)، قد طورت طريقة لتمرير هذا السم من خلال الأمعاء بدلًا من امتصاصه، مما يضطر التبغ البري للكشف عن تدابير مضادة جديدة.
ينتج النبات مركبات تمنع عملية الهضم وتجعل اليرقانة بطيئة، وكذلك مواد كاشطة تتلف اجزاء من فم المهاجم. وفي الوقت نفسه، يطلب النبات المساعدة من خلال اصدار رائحة تجذب بق الأرض وغيره من أكلة اليرقات، ومن ثم يضع علامات كيميائية لتوجيه تلك الحشرات المفترسة إلى الفريسة بطيئة الحركة بالفعل. وأخيرًا، يعيد هذا النبات المحاصر توجيه موارده، موقفاً عملية تزهيره ونموه حتى تذهب اليرقات بعيدًا عنه.
ومن المثير للدهشة، تُنسق هذه الاستراتيجيات ليس عن طريق الدماغ المركزي، ولكن من قرار تتخذه خلايا منتشرة في جميع أنحاء النبات – تقول إليزابيث بنيسي.

الأسماك التي تغير جنسها حتى تترعرع
الأسماك تُعتبر أسياد المرونة التناسلية. حوالي 450 نوعاً تبدّل جنسها على مدى حياتها لزيادة عدد نسلها. الأسماك تفعل ذلك من خلال التغيرات الهرمونية التي تحول أعضاءها من تلك التي لجنس إلى تلك التي للجنس الآخر. أنماط التحوِّل الجنسي تختلف بحسب الأنواع. تنتج الإناث الكبيرة بيضاً أكثر من الإناث الصغيرة ، لذلك بالنسبة لبعض الأنواع، مثل سمكة المهرج، من الأفضل أن تكون ذكراً في أول حياتها صغيرة الحجم بشكل أكثر ثم تتحول إلى أنثى لاحقاً. صيادو السمك يفضلون صيد السمك الكبير، ولأن بعض جنس (ذكر أو أنثى) الأسماك هو في العادة اكبر من الجنس الآخر، فإن الجنس ذَا الحجم الأكبر يخاطر بحياته لكي يُصطاد.


سمكة المهرج
لكن الباحثين وجدوا أن سمك الأبراميس ـ وهو نوع من السمك الأحمر الحلو الشائع في المياه الساحلية الأطلسية الدافئة ـ جاهز. اصطياد الذكور الكبيرة يؤدي الى تغيرات جنسية أبكر بأكثر من المعتاد في بعض الإناث، لذلك التوازن الجنسي محفوظ (preserved). ويقول الباحثون إن هذه الاستراتيجية تعد استراتيجية قصيرة الأمد أكثر من كونها حلًا طويل الأمد. تقوم الأسماك بتغيير الجنس مبكراً في حياتها، لذا لا تملك الإناث فرصة لتصبح كبيرة الحجم. هذا الاتجاه يٌترجم إلى نسل أقل وتقلص في أعداد المجموعة. استراتيجية المرونة هذه تجعلها تتكاثر على الأمد القصير ، لكن الأسماك لا تستطيع أن تحافظ على نفسها بنفسها – تقول إليزابيث بنيسي.


الأستاذ عدنان أحمد الحاجي