مراقبة
سيدة صغيرة الحجم
تاريخ التسجيل: September-2016
الدولة: Qatif ، Al-Awamiya
الجنس: أنثى
المشاركات: 23,030 المواضيع: 8,248
صوتيات:
139
سوالف عراقية:
0
مزاجي: متفائلة
المهنة: بيع كتب
أكلتي المفضلة: بحاري دجاج ،، صالونة سمك
موبايلي: Galaxy Note 20. 5G
آخر نشاط: منذ ساعة واحدة
البحث عن “الجيرها” جوهرة الصحراء وكنوزها التي لا تقدر بثمن
البحث عن “الجيرها” جوهرة الصحراء وكنوزها التي لا تقدر بثمن – بقلم صادق علي القطري
جيرها، جرها، جرهاي (Γέρα، Γέρρα: Eth. Εγρραῖος)، هي مدينة عامرة في شبه الجزيرة العربية السعيد،،،
تقع على الخليج العربي (الفارسي) (Ptol. 6.7)، بين ايتاس (Aetaces) في الجنوب، و ثيمي (Themi) في الشمال ،تلفظ باليونانية القديمة بالجيرها (Gerrah) وربما هذا تحريف لكلمة جرة او جهراء باللغة العربية وتكتب بالحروف اللاتينية (Γέρρα) وهي مدينة ومركز تجاري مهم فاحش الثراء لمملكة عربية قامت منذ عام 650 قبل الميلاد تقريبًا إلى حوالي عام 300 بعد الميلاد تابعة لحضارة دلمون حيث كانت معروفة فقط من خلال المصادر النصية التي لم يرتبط اسمها بشكل قاطع بأي من المواقع الأثرية.
خريطة توضح العالم المعروف في زمن الإمبراطورية البطلمية 300 قبل الميلاد و تبين بدقة موقع مدينة جيرها على الساحل مباشرة
كانت مدينة جيرها المفقودة، التي يكتنفها الغموض والمكائد، مركزًا تجاريًا قديمًا يقع على الساحل الشرقي للخليج العربي. في حين لم يتم العثور على آثار معينة لـ (Gerrha) حتى الآن، إلا أن السجلات التاريخية والأدلة الأثرية توفر نظرة ثاقبة لوجودها وأهميتها. ويعتقد أن الجرها قد ازدهرت خلال عصر ما قبل الإسلام (650-300 قبل الميلاد)، حيث كانت بمثابة حلقة وصل حاسمة في طرق التجارة بين الجنوب والشمال، والشرق والغرب. وقد سمح لها موقعها الاستراتيجي بالازدهار كمركز للتجارة، وجذب التجار من الأراضي البعيدة الذين يسعون للاستفادة من أسواقها المزدحمة.
تعود شهرة المدينة إلى حد كبير إلى سيطرتها على تجارة البخور المربحة، والتي كانت ذات قيمة عالية للأغراض الدينية والطبية والعطرية. فقد قام التجار من الجرها بتسهيل نقل البخور الثمين من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى وجهات مختلفة عبر العالم القديم، مما ساهم في ازدهارها الاقتصادي. وعلى الرغم من أهميتها، إلا أن موقع (Gerrha) الدقيق وبقاياها لم يتم تحديدها بشكل نهائي حيث تشير الدراسات إلى أنه من المحتمل أنه كان يقع بالقرب من منطقة الأحساء الحالية في المملكة العربية السعودية الحديثة.
وهذا الموقع المفترض مازال موضع نقاش وخلاف بين العلماء والباحثين ولا يزال البحث عن جيرها يأسر الباحثين والمؤرخين على حد سواء، إذ يسعون جاهدين لكشف أسرار هذه المدينة المفقودة وتأثيرها على التجارة والحضارة العربية القديمة. ويقدم استكشاف حكاية جيرها لمحة عن التاريخ النابض بالحياة لشبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام. ويسلط الضوء على ترابط المجتمعات القديمة والدور المحوري الذي تلعبه التجارة والتبادل التجاري في تشكيل ثقافاتها واقتصاداتها. وبينما نحن نتعمق أكثر في لغز مدينة الجرها، نكشف عن قصة آسرة تكشف النقاب عن النسيج الغني للحضارة العربية القديمة ومساهماتها الدائمة في العالم.
موقع مدينة الجيرها (Gerrah) الدقيق كان ومازال موضوعا للبحث والنقاش والجدل منذ ما يزيد عن قرنين من الزمان وقد اختلفت الآراء من قبل الباحثين والعلماء حول تحديد الموقع والمكان القديم لهذه المدينة القديمة فمنهم من حدد موقعها على ساحل الخليج مباشرة في القطيف ومنهم من حددها وجزم بأنها تقع بميناء العقير في منطقة الاحساء والاّخر حددها بانها تقع في سلوى (على الحدود السعودية القطرية حاليا).
واما البعض الاخر من الباحثين خمن موقعها في نفس المنطقة ولكن في مناطق داخلية الى الجنوب الغربي من العقير او في موقع مدينة الذهب ثاج الى الشمال الغربي من القطيف وما زال البحث عن موقعها موضع بحث ودراسة من قبل الباحثين والمتخصصين وليس من الواضح ما إذا كانت مدينة ساحلية أو مدينة داخلية، او حتى كانت مدينة رئيسية بميناء مرتبط بها. وكما اشرت فقد تم ربطها بموقع ثاج الأثري (الواقع شمال غرب القطيف)، او حتى انه تم افتراض موقعها تحت البقايا الإسلامية لقلعة في العقير.
تظهر في هذه الخريطة الطرق التجارية الرئيسية قبل التوسع الإسلامي عبر مدن شبه الجزيرة العربية. وكان النشاط يعبر الأراضي عبر القوافل، خاصة حول الوديان الخصبة المحيطة بالمدن، والمعروفة بالواحات.
كانت الجرها – الجيرها (Gerrah) مركزا للتجارة الدولية، ارتبط اسمها ارتباطا وثيقا ببلاد ما بين النهرين من خلال التجارة البحرية ولاحقًا بشرق البحر الأبيض المتوسط من خلال طرق القوافل البرية حيث كانت حلقة وصل لطرق التجارة القديمة ومركزا مهما داع صيته حيث كانت الجيرها تتاجر بالبضائع القادمة من الهند وغيرها، كما كانت تعمل في تجارة البخور.
توصف في المصادر النصية بأنها مدينة غنية جدًا وفاحشة الثراء، وكانت مرغوبة ومفضلة من قبل الإمبراطوريات التي كانت تتاجر معها. كانت هدة المدينة مثال مهم على دور المدن العربية في التجارة الدولية، حيث تعمل كمراكز تجارية للسلع الأجنبية المربحة بالإضافة إلى البخور المنتج إقليميا. علاوة على ذلك، فإن معرفتنا بهذا الموقع من مصادر بلاد ما بين النهرين والسلوقية واليونانية والرومانية حيث كانت هدة الأمم تظهر تأثيرها على العالم المحيط.
دعونا نستعرض كل ما توفر من الآراء من قبل العلماء التي تتحدث عن تحديد موقع هدة المدينة (الجيرها)، فهناك الكثير من التخمينات والآراء المختلفة التي تتعارض مع بعضها البعض، فمهم من حدد موقعها على الساحل ومنهم من حدده في الداخل وكل يدلو بدلوه. اليكم بعضا من هذة الآراء:
- قام الجغرافي اليوناني سترابون بوصفها حيث قال: “وبعد الإبحار بمحاذة ساحل الجزيرة العربية (اي الساحل الغربي للخليج العربي) لمسافة ألفين وأربعمائة ستاديون* يصل المرء إلى الجرهاء وهي مدينة تقع على خليج عميق..” ، ثم يذكر بعد ذلك قائلا: “وتقع المدينة على بعد مائتي ستاديون من البحر – يقصد الخليج” (Strabo 16.3. 3). وأطلق عليها سترابو أيضا اسم “المدينة ذات الجدران البيضاء” وكتب أن “أهل جيرها يعيشون في منازل مصنوعة من الملح، وكثيرًا ما يرش الناس المنازل وبالتالي يحافظون على ثبات الجدران”.
- اما العالم بليني، فيذكر انها تقع على خليج الجرهاء (أي خليج القطيف) ويحدد محيطها حيث قال “خليج الجرهاء ومدينة الجرهاء التي يبلغ محيطها خمسة أميال”. ثم يذكر منطقة إلى الداخل في شبه الجزيرة قبالة الجرهاء تسمى (أتيني) تبعد خمسين ميلاً عن الساحل، وعلى الجانب الآخر فإن جزيرة تيروس (البحرين) تبعد عن الساحل -ساحل الجرهاء- بنفس المسافة” (Pliny N H 6. 32. 147 – 48). وكلا المؤرخان ،سترابون وبلني ، يشيران إلى أن موقع مدينة الجرهاء لم يكن على الساحل مباشرة بل يقع إلى الداخل قبالة مينائا الواقع على خليج الجرهاء.
- واما شبرنجر فقد حدد موقع الجرهاء في الداخل “بأنها منطقة (الجرعاء) في تميم وميناءها بأنه يقع على الخليج ويقصد ميناء العقير” (Sprenger, Die alte Geographie Arabiens, Berne, 1875, P. 135). هدا الراي الذي ذهب اليه ووافق عليه الباحث والمؤرخ القدير عبدالخالق الجنبي في مقالة له بعنوان “مدينة أسطورية فاحشة الثراء”.
- اما العالم الباحث تكاك Tkac, Loc, cit) (1272)) فحدا حدوا العلماء السابقين واعقبهم بفترة [زمنية أطول] العالم فون فيتسمان الذي رجح الموقعين “بأنهما جبل القرين في الداخل والقطيف على الخليج” (D. T. Potts, The Arabian Gulf in Antiquity, vol. I, oxford, the Clarendon press, 1990, P. 87, notes 270 – 71).
- اما العالم بوتس فقد رجح موقع مدينة الجرهاء بأن يكون موقعا داخلي وهو موقع مدينة ثاج وأن ميناؤها على الخليج هو مدينة الجبيل. (Ibid, PP. 88 – 90; and “Thaj and the loction of gerrah” proceeding of the semonar for Arabian Studies 14, 1984, pp. 87 – 91).
- وبالنسبة لرامي كمال، كان تحديد موقع هذه المدينة بمثابة حلم ومصدر للتحفيز الفكري لعدة سنوات حيث قال: “إن البحث عن جيرها معقد، لأنه لا يمكن لأي من المراجع الكلاسيكية الاتفاق على مكان وجوده”. وركز كمال اهتمامه وجهوده على الاستكشاف غير المدمر لمنطقة تقع في الطرف الشرقي لخليج نصف القمر. ويعتقد أنه وجد هناك بقايا حاجز أمواج قديم في منطقة ربما كانت بمثابة ميناء جيرها كما يعتقد. علاوة على ذلك، قدمه زميله المستكشف روبرت جيكس إلى منطقة من الآثار القديمة ليست بعيدة عن مصب مجرى نهر قديم ورواسب الملح القديمة الماضية. ويشير كمال إلى أن المناطق التي يدرسها حاليا مثالية للتجارة مع وجود ميناء محمي، وسهولة الوصول إلى الطرق البحرية والبرية، والمياه الصالحة للشرب والزراعة. ربما كانت رواسب الملح القريبة هي المحجر لكتل الملح المستخدمة لبناء المدينة. ويضل السؤال عما إذا كان الموقع الذي ذكرة رامي كمال هو جرها أم لا، وسيتطلب سنوات من البحث الأثري للإجابة عليه. مع ذلك، فإن التحدي الذي يمثله كمال لاكتشاف مدينة جيرها أخذه في رحلة شخصية للاكتشاف والنمو الفكري الذي يصعب معادلته ويسهل الحسد عليه.
- اما الباحث محمد شمس الدين ميغالوماتيس الذي غرد خارج السرب في كتابه “ملوحة وجرها والإمارات: مقدمة لتاريخ الإمارات القديم”، والذي تعمق في أسس التاريخ القديم لدولة الإمارات العربية المتحدة (تم نشر هذا العمل في 10 ديسمبر 2012)، وتميز بنهجه الدقيق وتفاني المؤلف حسب اعتقاده في تسليط الضوء على السياق التاريخي الذي أسيء فهمه. يبدأ ميغالوماتيس بتحدي التفسير السائد لموقع الإمارات، مما يشير إلى وجود صلة بملوحة الهدف الآشوري. كما يتعرف على مدينة الجيرها كما حددها هو والواقعة في غرب أبوظبي، من خلال التحليل الدقيق للنصوص اليونانية واللاتينية القديمة حسب تحليل الباحث. ومن خلال القيام بذلك، فهو يرفض الادعاءات المتناقضة التي تربط ملوحة جيرها بدلتا السند، والتي تدعم التأكيدات الهندية. بالإضافة إلى ذلك، يدحض المؤلف فكرة كون مدينة الجيرها الأسطورية موقعًا يقع في محافظة الأحساء بالمملكة العربية السعودية لانه لا دليل ملموس على اكتشافه حسب راي الباحث. ولدعم النتائج التي توصل إليها، يعتمد ميغالوماتيس على أعمال الجغرافيين المشهورين سترابو وبطليموس، اللذين حددا بدقة موقع جيرها وتطورها داخل أراضي الإمارات الحالية حسب تحليل الباحث. ومن خلال استكشاف موضوع المعادي في تاريخ الشرق القديم، يكشف المؤلف النقاب عن نسيج غني من ثلاثة آلاف سنة من تاريخ الإمارات قبل ظهور الإسلام. ويسلط هذا الحساب التاريخي الضوء على الدور الهام الذي لعبته الأرض كنقطة محورية في شبكة التجارة وكمركز للنقل البري والنفط والبحري بين الشرق والغرب. علاوة على ذلك، يضع ميغالوماتيس أبحاثه في سياق الاستشراق، وهو بناء ولد من رحم الاستعمار الأنجلو-فرنسي (أي نظرية المؤامرة). ومن خلال تأريخ التصميم من هذا المنظور، يقدم المؤلف عدسة جديدة يمكن من خلالها فهم السرد التاريخي للإمارات حسب راي الباحث. وفي الختام، فإن عمل محمد شمس الدين ميغالوماتيس يقف بمثابة شهادة على بحثه الدقيق وتفانيه في الكشف عن التاريخ القديم للدولة العربية المتحدة حسب راي المؤلف.
وفي الختام،،،
فإن مدينة جرها المفقودة تقف بمثابة شهادة على الإنجازات الرائعة للحضارة العربية القديمة والجاذبية الدائمة للمجهول. في حين أن بقايا جيرها (Gerrha) المادية قد تكون قد ابتلعت بواسطة رمال الزمن، إلا أن إرثها لا يزال حيًا في سجلات التاريخ وخيال أولئك الذين أسرتهم قصتها.
دفع موقع جيرها (Gerrha) الاستراتيجي وسيطرته على تجارة البخور إلى ارتفاعات كبيرة، حيث اجتذب التجار من كل مكان، وشكل المشهد الاقتصادي للعالم القديم. وامتد تأثيرها إلى ما هو أبعد من التجارة، حيث كان له صدى في النسيج الثقافي والديني والاجتماعي للمجتمعات التي لامستها.
ويستمر البحث عن جيرها (Gerrha) في إثارة فضول العلماء والمغامرين، فيشرعون في رحلات استكشافية للكشف عن بقاياها بعيدة المنال. إن السعي لكشف أسرار هذه المدينة المفقودة يعكس رغبتنا الفطرية في التواصل مع الماضي والتعلم من إنجازات وإخفاقات من سبقونا. بينما نسافر عبر تاريخ جيرها، نتذكر ترابط الحضارات، والقوة التحويلية للتجارة، ومرونة الإبداع البشري.
تعد مدينة جيرها (Gerrha) المفقودة بمثابة تذكير مؤثر بأنه حتى في مواجهة الغموض، لا يزال صدى أسلافنا يتردد ويلهم. لذلك دعونا نستمر في التعجب من مدينة جيرها (Gerrha) المفقودة، التي تحتضن جاذبية المجهول، وتسمح لقصتها بإشعال مخيلتنا. ففي أسرار جيرها (Gerrha) تكمن دروس الماضي، في انتظار اكتشافها ومشاركتها، مما يضمن بقاء تراث هذه المدينة الغامضة لأجيال قادمة.
*ستاديون: وحدة قياس قديمة تساوي تقريبا 201 متر
المهندس صادق علي القطري