في السنوات الأولى من أعمارنا نتخاصم ونتعارك، ساعة ثم نعود أحبابًا نصطف في طابور المدرسة في الصباح ونلعب الكرة في المساء. عداواتنا لا تدوم لأننا أبرياء لم يصبنا بعد ما يصيب الكبار من بلوى العداوات.
يمر العمر ونكثر الأعداء في مخيالِنا، هذا قال كلمة قبل عشر سنوات، وثانٍ أظن أنه سرق مني نصف ريال، وثالث لا أتذكر السبب ولكنه عدو وفي كل حال أنا لا أطيق شكله ولا اسمه! ملفات في حياتنا إما أن نغلقها بالمحبة في الدنيا أو يغلقها الله بالقصاص يوم القيامة. إذا كان من العسيرِ إغلاق ملفات العداوة في الدنيا فإنه من الأعسر والأصعب إغلاقها بعد الموت.
تعال وانظر حين نكبر كم سببًا يكون عندنا للعداوات بين الأهل والأصدقاء والجيران؟ وإذا لم يوجد سبب فسوف نخلق سببًا ولو بالقوة لأننا لا نقاوم شهوة العداوات! يوجد أسباب منطقية للخصام ولكنها قليلة جدًّا، ومن ذا لم يخاصم أحدًا في عمره إلا أن يكون من كوكب آخر غير كوكب الأرض. الجنة فقط ليس فيها عداوات {وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ}، أما الدنيا ففيها كثير من العداوات.
لكي لا يفلت من يدي خيط الفكرة، خاصم إذا كان من سببٍ يستحق ولا تطل الخصام. عدّ أصدقاءك وليكونوا أكثر من الأعداء. ليس العدو هو الذي يريد القتال فقط! هناك أشياء تظهر فيها عداوات ليس فيها سيف أو رمح أو سكين، يكفي أن يسقطك الشخص اجتماعيًّا وينقص من مكانتك ويشوه سمعتك!
تعالوا نسأل مولانا الإمام علي عليه السلام وهو الحكيم عن رأيه في العداوات. كم عدوا مسموح به يا مولانا؟ وكم أعلى رقم في الأصدقاء؟
عليك بإخوانِ الصفاءِ فإنهم ... عماد إذا استنجدتهم وظهورٌ
وليس كثيرًا ألف خلّ وصاحب ... وإنّ عدوًّا واحدًا لكثيرُ
يعني لا حدّ لأكثر رقم من الأصدقاء، كلما كثروا ذلك أفضل وعدو واحد كثير! تعالوا أيضًا نسأل لقمان الحكيم عليه السلام عن رأيه: قال لقمان لابنه: يا بني، اتخذ ألفَ صديق وألفَ خليل، ولا تتخذ عدوًّا واحدًا، الواحد كثير.
تعالوا نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن العداوات: "لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، والسابق يسبق إلى الجنة".
سألنا العارفين وعرفنا أجوبتهم والآن لنسأل أنفسنا: كم أخ يعادي أخاه؟ كم أبٍ يعادي ابنه؟ كم ابن يعادي أباه؟ ولأكثر من عشر سنوات!