اجتياز العقبات الأخروية
ورد عن أمير المؤمنين (ع): وَاعْلَمْ، أَنَّ أمَامَكَ عَقَبَةً كَؤوداً، وَوَطِّئ المنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ..» «نهج البلاغة: الرسالة 31».
أمير المؤمنين (ع) يرشدنا إلى أمر مهم ينبغي التفاعل معه بجدية واهتمام وسعي حثيث لتحقيقه، وهو منازل الآخرة وما يواجهه المرء من عقبات يشق تجاوزها على من عاش حياة الضياع والاستهتار والتقصير والخمول، فالاختبارات الدراسية تحتاج في تجاوزها إلى المذاكرة والمثابرة والتركيز الذهني في المواد الدراسية، وأما الاختبار الأهم فهو يوم الحساب يوم يقف الإنسان على منصة الحساب، وتنشر صحيفة أعماله المدقق فيها بكل تفاصيل ودقائق لحظات حياته، وما قدم من أعمال.
يبصرنا أمير المؤمنين (ع) بحقيقة يوم الحساب وما يواجهه الإنسان من عقبات كؤود أي المحطات الصعبة والشاقة في صعودها وتجاوزها، وقد يكون ذلك للإشارة إلى اللحظات الأخيرة من حياة المرء وحلول المنية والمعبر عنها بسكرات الموت وخروج الروح، وما يصاحبه من ألم وحسرة ووحشة لفراق الأهل واستقبال عالم جديد لا يألفه ولا يدري ما يفعل به، وهذه المحطة أو المرحلة الأولى من قيامة الإنسان وانتهاء الحياة الدنيوية، وقد طويت صفحات كتاب الأعمال.
أو أن العقبة الكؤود فيها إشارة للمحطة التالية لحلول المنية وهي عالم القبور «عالم البرزخ» وظلمته ومواجهة الحساب الأولي المتعلق بالعقائد، ويكشف ظلمة القبر نور الأعمال الصالحة التي كان يؤديها خالصة لوجه الله تعالى كنور الصدقة وبر الوالدين وصنع المعروف وصلة الأرحام.
وقد يكون المقصود بالعقبة الكؤود هي أخطر مرحلة يمر بها الإنسان في عالم الحساب وهو المرور على الصراط كما تشير إلى ذلك الروايات الشريفة، وهذا لا يمنع من الجمع بين تلك المراحل المتعلقة بما يسمى بمنازل الآخرة، ففي كل مرحلة يواجه المشقة والمتاعب بناء على ما قدمت يداه في الدنيا، وما يخفف عنه الأعباء وصعوبة التجاوز هو الاستعداد والتأهب ليوم الحساب من خلال محاسبة النفس والتدقيق في كل ما يصدر منه من كلمة أو فعل، ويستعد ليوم الحساب بالندم والتوبة النصوح على ما اقترف من المعاصي والآثام، فالروايات الشريفة تعبر عن القدوم على يوم الحساب بالسفر الأخروي الذي يحتاج معه الإنسان إلى التزود بالأعمال الصالحة، فسلامة العبور في ذلك اليوم تعتمد بالدرجة الأولى على اليقظة الروحية التي اكتسبها من عبادته الواعية، والضمير الحي الذي يبصره بحفر مكر الشيطان الرجيم وتزيين أهواء النفس الأمارة بالسوء، فكيف يمكن لنا أن نخفف الأحمال عنا فنسير بخفة وسرعة على الصراط ونسلم من السقوط في نار جهنم؟
الذنوب المرتكبة في لحظات خفة العقل وتهيج النفس وتولعها بالغرائز والغفلة عن يوم المعاد، وتثقل المعاصي الظهر وتقصمه ولا طاقة لصاحبها بالسير وكلما ازدادت أثرت عليه حتى توقف خطاه تماما وتسقطه في الهاوية، والطاقة القوية والتجلد في ذلك اليوم يفعله ويحركه إتيان الخيرات والحسنات، والروايات الشريفة تعبر عن مسير الإنسان على الصراط بنحو حسي فهناك من يستحث الخطى ويسير بسرعة فائقة كالبرق الخاطف وآخر يجد صعوبة في المشي ولو لخطوات معدودة، للإشارة إلى أن هذا التفاوت مرده إلى أعمال الإنسان في الدنيا وكفة الميزان المترجحة، وهذا تنبيه من أمير المؤمنين (ع) لما يواجهه الإنسان من حساب دقيق يستوجب منه الجد في طريق العمل الصالح وصنع المعروف، وتجنب ما يوقر ظهره من آثام وذنوب تطيل وقوفه بين يدي الحساب ويصعب عليه حينئذ تجاوز العقبات.
اغتنام الأوقات وإعمارها بذكر الله تعالى وطاعته أو تضييعها والانشغال بما لا يفيد هو ما يحدد مسير الإنسان على الصراط في يوم القيامة، فرأس مال المرء هو ساعات عمره المحدد له في الحياة الدنيوية ولا ينبغي له التفريط به، ومحاسبة النفس لا بد أن تشمل التدقيق في جهة التقصير في إتيان الواجبات والمستحبات وإشغال وقته بما يعلي شأنه وهو الزاد المعرفي والإيماني، كما يشكل تجنب ما يوقر ظهره من جلسات تمد فيها مائدة الغيبة والنميمة والفتن الاجتماعية أمرا مهما يخفف عنه أعباء الحساب الدقيق.
?