الحب الواعي
هناك فوارق ما بين من يحب بوعي ومن يحب بلا وعي. والحال نفسه من وجود الفوارق بين من يكره بوعي ومن يكره بلا وعي. وفي الحالين يغلب على الناس عواطفهم في الحب والكراهية. أما عندما تسبق العاطفة الوعي، حينها، يدخل المرء في أفعال الحب والكراهية فاقداً لسلاح الوعي الذي يجعل من مشوار حبه ناضجاً ومثمراً، ويجعل من مشوار كراهيته متوازناً ومنضبطاً. بل قد يتحول من الحب إلى الكراهية أو العكس بفعل وعيه ومعرفته بمن يحب أو يكره.
يحدث ذلك في تجارب الحب الفردية والجماعية. لأن الوعي يغير الإنسان، يجعله يتحول من كرهه لهويات معينة إلى حب لها. فيبدأ بالتعاطف معهم، ثم الاحترام، لأن الإنسان قد ارتقى في سلم الوعي. فالوعي يعمل في المرء كما يعمل الصعود على درجات السلم، فكلما ارتقى المرء فيه درجة أو درجات اتضحت له صور الأشياء، وتصاغرت عنده القيم السيئة وتسامت لديه القيم الخيرة.
لذلك تتوقف المحبة على المعرفة. لأن المحبة هي الالتذاذ الحاصل عن المعرفة بجمال المحبوب وكماله. ومن لا يعرف لا يحب. فالمحبة إذن هي ثمرة المعرفة والمعرفة علتها. وإذا كانت المعرفة متقدمة عليها بالسبب، فهي متقدمة على المعرفة بالشرف من حيث إنها غايتها ومقصدها. فالإنسان يحب لأنه يعرف، في المنظار الصوفي، ولكنه يعرف من أجل المحبة. غير أنه إذا اكتملت المعرفة وترسخت معها المحبة، تصبح العلاقة بينهما جدلية، بحيث تنتجُ إحداهما عن الأخرى وتفضي إليها وتدوم بدوامها