فن التحديق
في أحدى المقاهي الشعبية تحجز طاولة بلا رفيق وتحدق في الناس ، ترى الحياة تدب من حولك ، سريعة وصاخبة ، دراماتيكية عالية ، كل شيء يتحرك بسرعة تجعلهُ يعطي تلك الحياة أحياناً صورة فوضوية وعبثية .
تجلس هناك و تفكر بأحوال كل أولئك الذين يقعون في مرئ عينيك، لماذا هذا الرجل حزين ؟
لماذا تبدو هذهِ الشابة مسرعة ؟
من يشبه ذلك الرجل العجوز ؟
أن التحديق هو اقتصاص لحركية الوقت وتسارعهُ ، فكأنك تُباغت الزمن للحظات لكي تعِيش هذا التوقف التأملي بكل عوالمهِ الساحرة ، فأنت لا تهرب من الحياة بهذا التوقف الأيجابي أنما تعيشها على البطيء وكأنك تعيدها كفلم سينمائي ، تتسأل عن الحيوات الأخرى ، تحدق في بخار فناجين الشاي الصباحية ، في حركة السيارات المسرعة ، الأطفال الباكون في أذيال أمهاتهم ، في الملامح المتفرقة ،
التحديق هو فن التفاصيل المنسية في عالم يعج بالتعقيد .
التحديق ليس هو التأمل على الرغم من تلاقيهم وترابطهم السكوني ، لكن الأنسان المستغرق في لحظية التأمل يغدو نوعاً ما مفصول عن الخارج ومركزاً على ذاتهِ المفردة ، لكن التحديق هو أنفتاح لتلك الذات على المواضيع الخارجية والاندماج معها ، بصيغة اكثر سهولة ،هو محاولة العيش في وحدة وجود كلية تشبه تلك التي يذوب فيها المتصوفون.
أنا من الناس الذي يحدقون في الأشياء والناس ربما حتى ببلاهة أحياناً وهذا ربما يُفهم خطأً لدى الأخر بأعتبارهِ تجاوزاً طفولياً على خصوصيتهِ ، لذا يحتاج فن التحديق أن يكون عفوياً وغير لازم للحالة اليومية الروتينية وألا سيغدو انفصالاً هروبياً عن الواقع و العيش من خلال عيون الأخرين.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو ملاك
