لون وجهك يفضح مشاعرك – ترجمة عدنان أحمد الحاجي
At first blush, you look happy—or sad, or angry
(جامعة أوهايو)
مقدمة المترجم
تقول العرب ان فلانا طلق المُحَيّا للدلالة على ان وجه متهلل ومشرق وجميل ومليح وما الى ذلك من الصفات الجميلة ويقابله في الجهة المضادة متجهم المُحَيّا. والمحيّا هنا تعني، في احد معانيها، الوجه. ولا غرو في ذلك فالوجه هو أفضل ما يبرز ما ينطوي عليه المرء مِن تفاعلات وخلجات ومشاعر نفسية سواء أكانت ايجابية او سلبية – فرح، حزن، غضب أو ازدراء وما الى ذلك، وقد ورد: “مَاأَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِل اَّظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ،وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ” وصفحة الوجه هي بشرته. ولأهمية ما تمثله هذه السمات التي تظهر بشكل بارز على الوجه للعلاقات الاجتماعية وما يترتب عليها، فقدحظيت بكثير من الإعتناء والملاحظة، بل وحتى الدراسة لسبر أغوار ما تعنيه والرسائل التي تحاول ايصالها الى الغير بما لم تحظَ بها جوانب اخرى من جسم الانسان.
( ترجمة الدراسة )
بإمكاننا أن نقرأ مشاعر بعضنا بعض من التغيرات البسيطة المدهشة في لون وجوهنا، بحسب دراسة.
ذلك هو استنتاج دراسة رائدة في تعبير الإنسان عن مشاعره ، والتي وجدت أن الناس قادرون على التعرف بشكل صحيح على مشاعر الآخر بمستوى يصل إلى 75 في المائة من الحالات – استناداً فقط الى التغيرات الطفيفة في لون تدفق الدم حول الأنف أو الحاجبين أو الخدين أو الذقن.
هذه الصورة المركبة رقميًا من عدة صور مختلفة تُظهر وجهًا سعيدًا كما أُخذت الصورة في الأصل (يسار) وتم اضفاء لمسات على نفس الصورة الأولى لإبراز التغيرات في اللون (يمين).
دراسة، نشرت في مجلة وقائع الاكاديمية الوطنية للعلوم(1) [Proceedings of the National Academy of Sciences]، وجود علاقة لم يسبق أن وُثقت من قبل بين الجهاز العصبي المركزي والتعبير الشعوري (الانفعالي)(2) الذي يظهر على الوجه. كما مكَّن الباحثين من تطوير خوارزميات كمبيوترية تتعرف بشكل صحيح على المشاعر البشرية من لون الوجه تصل الى 90٪ من الحالات.
وقال أليكس مارتينيز (Aleix Martinez)، باحث في العلم المعرفي (cognition) وبرفسور الهندسة الكهربائية والكمبيوتر في جامعة ولاية أوهايو: “لقد تعرفنا على أنساق ألوان وجه فريدة لكل صنف من صنوف المشاعر(3) قمنا بدراسته”.
“نعتقد أن أنساق الألوان هذه ناتجة عن تغيرات دقيقة (طفيفة) في تدفق الدم أو مكونات الدم المثارة من قبل الجهاز العصبي المركزي. لا نحس بهذه التغيرات في لون الوجه فقط، وإنما نوظفها لكي نعرف ما يشعر به الآخرون، سواء فعلنا ذلك عن وعي أم في اللاوعي”.
يأمل الباحثون في تمكين صيغ مستقبلية للذكاء الاصطناعي من التعرف على المشاعر البشرية ومحاكاتها.
هذه الدراسة هي واحدة من سلسلة دراسات يعرف فيها مارتينز وفريقه على أشكال فريدة من تعبيرات الوجوه البشرية. في البحث السابق ، تعرف الفريق على العديد من تعابير الوجه التي لم تكن معروفة في السابق والتي بدت من خلال أنساق فريدة من الحركات العضلية ، بما في ذلك التعبير الذي صاغ الباحثون مصطلحًا له بعبارة “the not face” [المترجم: ما فهمته مما ذكره الباحثون في ورقة اخرى ان هذا المصطلح يعني “ملامح الوجه الإنكارية” وهي مجموعة من تعابير الوجه ليست مختصة بمنطقة جغرافية بعينها وانما على مستوى العالم بحيث يفيد هذا النوع من الرسائل بـ عدم الرضا او بـ عدم الموافقة وتُلاحظ عندما يقطب أحدهم حواجبه ويضم شفتيه معًا ويرفع ذقنه الى الأعلى – وتنطوي على مزيج من ثلاثة تعبيرات معروفة: غضب واشمئزاز وازدراء(4)] وهو ما وجد الباحثون أنه تجسيد عالمي للإنكار في التواصل بين الناس. ما هو غريب في هذه الدراسة التي أجراها الفريق هو أنها وجدت تغيرات في ألوان الوجه من شأنها أن تكون وسيلة لتوصيل ما يشعر به الشخص للآخرين دون أي حركة لعضلات وجهه.
لهذه الدراسة، أخذ الباحثون مئات الصور لتعابير الوجه وفصلوا الصور إلى قنوات ألوان(5) مختلفة تنسجم مع كيف ترى العين البشرية اللون، مثل القناة الحمراء المخضرة والقناة الصفراء المزرقة. بمساعدة تحليل كمبيوتري ، وجدوا أن المشاعر، مثل الوجه “السعيد” أو “الحزين” تشكل أنساق ألوان فريدة من نوعها.
بغض النظر عن الجنس أو العرق أو لون البشرة ،فقد أظهر الجميع أنساقًا متشابهة عند التعبير عن نفس المشاعر.
لاختبار ما إذا كانت الألوان وحدها قادرة على نقل [ايصال] المشاعر – دون ابتسامة أو عبوس تتوافق مع هذه المشاعر – طبق الباحثون أنساق ألوان المشاعر المختلفة على صور تعبيرات وجوه محايدة [لا تظهر عليها مشاعر إيجابية أو سلبية]. وعرضوا صور الوجوه المحايدة على 20 مشاركًا في الدراسة وطلبوا منهم تخمين طبيعة شعور الشخص الذي في الصورة ، باختيارهم تعبير شعور من قائمة ضمت 18 تعبيرًا شعوريًا. ضمت هذه القائمة من المشاعر مشاعر أساسية، مثل “سعيد” و “حزين” بالإضافة إلى مشاعر أكثر تعقيدًا مثل “غاضب للأسف” أو “متفاجئ بسعادة”.
“من المسلم به أن هذه الصور تبدو غريبة” ، كما قال مارتينيز. “لكننا قلنا للمشاركين أن يمضوا قدمًا وأن يخمنوا من قائمة المشاعر ما هي المشاعر التي يعتقدون ان تلك الوجوه تحاول ايصالها الى الغير. وقد كان تخمينهم صحيحاً في معظم الحالات”.
في حوالي 70 في المائة من الحالات، يعتقد المشاركون أن الوجه المحايد الذي لُوِّن ليبدو سعيدًا قد أوصل الشعور بالسعادة [الى الطرف الآخر]. وكانوا يعتقدون أن الوجوه التي لونت لتبدو حزينة كانت في الحقيقة حزينة في 75٪ من الحالات ، والوجوه المحايدة الملونة لتبدو غاضبة كانت في الواقع كذلك حوالي 65٪ من الحالات. أحس المشاركون بهذه المشاعر، على الرغم من أن القرينة الوحيدة كانت تتمثل في اللون الذي رُكِّب على الوجه ولا تصاحبه حركات وجه.
بعد ذلك، عرض الباحثون على المشاركين تعابير وجوه تعلوها مشاعر سعادة وحزن ومشاعر أخرى. لكن هذه المرة ، خلطوا الألوان في بعض الصور. على سبيل المثال ، كانوا يأخذون وجهًا سعيدًا أحيانًا ويضعون عليه ألوانًا غاضبة، أو العكس. لاحظ المشاركون أن شيئًا عن الصور المختلطة بدا وكأنه “ينظر شزرًا” ، حتى ولو لم يكونوا متأكدين ما هي المشكلة.
وقال مارتينيز: “بإمكان المشاركين أن يتعرفوا بوضوح على أي الصور كانت متطابقة الألوان مقارنة بالألوان غير المتطابقة”.
استخدم الباحثون ما طوروه من خوارزميات كمبيوترية يمكنها اكتشاف المشاعر عن طريق لون الوجه. وبالنظر إلى صور أشخاص يعبرون عن مشاعرهم ، تمكن الكمبيوتر من أن يطابق لون الوجه مع المشاعر بشكل أفضل مما يمكن للمشاركين أن يفعلوه.
السعادة كانت الشعور الأسهل على الكومبيوتر للتعرف عليها من اللون وحده ، وقد اكتشفت هذه الخوارزميات المشاعر بدقة تبلغ 90 بالمائة العديد من المشاعر المتعلقة بالسعادة ، مثل “أن يكون سعيدًا بخبر / بحدوث شيء فجأةً،” جاءت في المرتبة الثانية في حوالي 85 بالمائة من الحالات. والغضب كان قابلًا للكشف من اللون وحده في 80 بالمائة من الحالات، والحزن من اللون وحده في 75 بالمائة من الحالات. أما الخوف فكان قابلًا للكشف من اللون وحده بنسبة 70 بالمائة من الحالات، وأقل المشاعر التي أمكن التعرف عليها من اللون وحده كانت مشاعر “الاشمئزاز” ، والتي أمكن الكشف عنها من اللون وحده في 65٪ فقط من الحالات.
تُظهر هذه الصورة المركبة وجهًا غاضبًا كما أخذت الصورة في الأصل (يسار) وبعد ذلك تم اضفاء لمسات على نفس الصورة الأولى لابراز التغييرات في اللون (يمين).
قد تؤدي النتائج في نهاية المطاف إلى إثراء البحث في علوم الكمبيوتر، والمعرفة (cognition)(6) وعلم الأعصاب وحتى التطور البشري.
اللغة مفعمة بالعبارات الاصطلاحية التي تربط بين لون الوجه والمشاعر. عندما نتجادل حتى تزْرق وجوهنا [عبارة اصطلاحية تعني حتي تصل بنا الحالة الى الانهاك وتزرق الوجوه من نقص الاكسجين]” كتعبير عن حالة الغضب التي تنتابنا. لو تغير لوننا الى “الأخضر حول اللغد” ، فإن ذلك قرينة على أن شيئاً قد أثار شعورنا بالاشمئزاز. “عرائس خجولات” هي صورة صادقة تعبر عن السعادة.
تُثبت هذه الدراسة أن هناك بعض الحقيقة الفيزيولوجية وراء هذه العبارات الاصطلاحية القديمة، على الرغم من أن مخطط ألوان المشاعر البشرية ليس مخططًا بسيطًا كاللون الأزرق أو اللون الأخضر أو اللون الأحمر.
“هناك لمسات بسيطة من كل لون في كل شيء” ،كما قال مارتينيز. لمسات من الأحمر والأخضر والأزرق والأصفر تميز كل نوع من الشعور – فقط بكميات أو مواضع بسيطة مختلفة حول الوجه.
فالإشمئزاز ، على سبيل المثال ، يبدو بلون خليط من الأزرق والأصفر حول الشفتين، ولكن يبدو بلون اخضر محمر حول الأنف والجبهة.
الأمر الأكثر إثارة للإعجاب، إذن ، هو أن أدمغتنا قادرة على تمييز معنى أنساق الألوان هذه في لحظة. نرى شخصًا مبتسماً بخدود متوردة وصدغين (مع مسحة من اللون الأزرق حول الذقن) ونقرأ مشاعره تلقائيًا على أنها “مشاعر سعيدة”. لكن الوجه نفسه بجبهة تميل الى اللون الأحمر وذقن أزرق خفيف يعني انه مفعم بالسعادة “من سماع خبر أو حدث مفاجيء”.
قد يكون البشر هم الوحيدون من بين الرئيسيات بقدرتهم على تغير لون الوجه بسبب المشاعر . من الصعب معرفة ذلك ، لأن وجوه الرئيسيات الأخرى يغطيها شعر.
ومع ذلك، في البشر، لا يوجد موضع آخر في الجسم فيه أوعية دموية أكثر قرباً من سطح الجلد من تلك الأوعية الدموية التي تحت سطح الوجه. حقيقة أننا خلقنا بشعر وجه أقل بكثير من شعر وجه القرود تشير إلى أن أسلافنا الأوائل قد وجدوا بعض المزايا في ابداء خجلهم من تغير لون وجوههم.
ماذا عن الحمرة المزيفة التي تعلو الوجه، تلك التي من المكياج؟
“لقد كان الناس دائمًا يقولون أننا نستخدم المكياج لنتزين أو لنبدوا أكثر شباباً ، لكنني أعتقد أنه من الممكن أن نفعل ذلك في الواقع لنبدو أكثر سعادة أو لنخلق احساسًا بمشاعر إيجابية أو احساسًا بمشاعر سلبية، لو قصدت ذلك، كما قال مارتينيز.
الآن بعد أن عرفنا أكثر عن الألوان المتباينة لتعبيرات الوجه البشري، يقترح مارتينيز إمكانية جديدة مثيرة للاهتمام: يمكننا أن نصنع مستحضرات “ذكية” تظهر بعض المشاعر أوتخفيها.
شاهد مقطع ڤيديو: يوضح لون الوجه قرينة على المشاعر التي تخالج الشخص:
مصادر من داخل وخارج النص:
2- “التعابير الشعورية (emotional expressions) في علم النفس هي تلك التعابير التي يظهرها الناس حين يتواصلون لفظيًا أو بدون لفظ بطريقة يمكن ملاحظتها، ويمكنها أن تنقل الشعور الداخلي أو الحالة الوجدانية. ومن الأمثلة على التعابير الشعورية، حركات الوجه مثل التبسم أو العبوس، أو بعض السلوكيات، كالبكاء أوالضحك أو الغضب أو الحزن أو السعادة أو الامتنان. يمكن أن تحدث التعابير الشعورية بوعي ذاتي وبدون وعي. من المفترض أن يتحكم الناس تحكمًا واعٍ بتعابيرهم الشعورية، لكنهم لا يحتاجون إلى إدراك واعٍ لحالتهم الشعورية أو الوجدانية حتى يمكنهم التعبير عنها. على مدى القرنين الماضيين، اقترح الباحثون نماذج مختلقة ومتضاربة غالبًا، تشرح المشاعر والتعابير الشعورية، وتعود جميعها إلى تشارلز داروين. ومع ذلك، هناك اتفاق في الوسط العلمي على أن جميع البشر يعبرون عن مشاعرهم بأصواتهم وملامح وجوههم وحركاتهم البدنية” ،
3- “الشعور أو المشاعر أو الانفعال (emotion) هي تجربة واعية تتميّز بالنشاط الذهني الشديد،وبدرجة معينة من المتعة أو المعاناة، وقد انجرف الخطاب العلمي إلى معانٍ أخرى، غير أنه لا يوجد إجماع على تعريف المشاعر. وغالبًا ما تتشابك المشاعر مع الحالة النفسية والمزاجية ونوع الشخصية والتوجه والدافعية. ويعتبر الادراك الحسي (عن طريق الحواس) في بعض النظريات جانبًا مهمًا من جوانب المشاعر، وقد يبدو هؤلاء الذين يتصرفون بشكل أساسي بحسب مشاعرهم وكأنهم لا يفكرون، لكن العمليات العقلية لا تزال أمرًا ضروريًا، خاصة في تفسير الأحداث. على سبيل المثال، فإن إدراك الفرد أنه في وضع خطير وما يصاحب ذلك من إثارة للجهاز العصبي (سرعة نبضات القلب والتنفس، والتعرق، وتوتر العضلات) يُعتبر جزءً لا يتجزأ من تجربة الشعور بالخوف. لكن هناك نظريات أخرى تدعي أن العاطفة منفصلة عن الإدراك الحسي ويمكن أن تسبقه” ،
5- “قنوات الألوان (color channels) معلومات عن مكونات أحد الألوان الأساسية لنموذج من ألوان منفصلة. على سبيل المثال، يحوي نموذج الألوان (RGB) [والذي يحوي قنوات اللون الأحمر والأخضر والأزرق وهو المستخدم في شاشات العرض]” ، ترجمناه بتصرف
6- المعرفة (cognition) هي «الإجراء العقليّ أو عمليّة اكتساب المعرفة والفهم من خلال التّفكير والخبرة والحواس». تشمل المعرفة عمليّات مختلفة،مثل الاهتمام وتشكيل المعرفة والتذكّر والحكم والتقييم والتفكير والحوسبة، كما تشمل حلّا لمشكلات واتّخاذ القرارات والفهم وتشكيل اللغة ؛تستخدم العمليّات المعرفيّة المعرفة الموجودة عند الإنسان وتولّد معارفاً جديدة