العلم والدين.. مصدرا المعرفة لبني البشر
{بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: آية 4]
بدون تنميق ولا تجميل للأسلوب ولا إجبار أو لي للمعاني، هذا عنوان في عمقه وتفاصيله عنوان علمي كتب في ست مفردات أتت في إحدى سور القرآن الكريم.
ولكم الوقوف عند الآية طويلا. ولكم استحضار ما عساكم أن تفهموه من معنى الآية قبل معرفتكم ما تتمتع به البصمة من خصائص أنها فريدة، وأنها لا تتغير وتعود بعد الجروح الخارجية كما هي.
ربما تتفقون معي أن في الآية نوعاً من الإخبار بأن هنا أمراً ملفتاً يستحق التمعن والتفكير فيه، فما الذي يجعل تجميع العظام أسهل من تسوية البنان؟
ومن جهة أخرى، اكتشاف العالم الإنجليزي الدكتور فرانسيس غالتون في عام 1892 م عدم تطابق البصمة بين إنسان وآخر وفرادة بصمة الإصبع، وعدم تغيرها مع الزمن لا بد وأنه أعطى للآية الكريمة معنى مختلفا لمن يعيدون قراءة الآية ممن يؤمنون بالقرآن. ومن المفترض أن ذلك أوضح لهم أن الآية تحمل شيئاً من التحدي الذي كان يجب أن يولد التحفيز لمعرفة السر في البنان هذا والخطوط التي ترتسم عليها.
وفي الآية أيضا، عنوان للإعجاز يبرز صريحا!! فمليارات ثمانية من الأحياء، ومليارات تصل لقريب ال 100 مليار، قبلهم أصبح غالبيتهم تحت التراب، ولا تشابه بين بصمات أصابعهم على الأقل منذ أن ثبت عدم وجود تشابه.
وفي الآية إظهار لقدرته سبحانه بالتمكن من إعادة تسوية البصمة لكل من يبعث، حتى بعد تحللها لتعود كما كانت في الخلق الأول!! أليس معنى الآية مختلفاً عند كل من يقرأها وهو يعلم بسر فرادة البصمة؟ وأقلها إنه يفتح أبوابا وآفاقا واسعة جديدة للتفكر والتأمل.
نعم عند من يعلم بأن البصمة فريدة، للآية معنى إعجازي طاغ متمثلا في إعادة بصمات كل شخص كما كانت ولا تتشابه مع بصمات ال 100 مليار الآخرين. ليس بصمة الإبهام فقط، بل بصمات كل الأصابع! اليدان والقدمان ولكل شخص من المليارات التي تزيد عن ال 100 حتى الآن! وهذا من شأنه أن يعزز الإيمان بالله.
والحال كذلك، كيف لنا أن نرضى بأن نفصل العلم عن الدين وهما المصدران الوحيدان لثقافة البشر كما قال الفيلسوف وعالم الرياضيات الإنجليزي الفريد وايتهد المتوفى 1947 بأن ”علاقة العلم بالدين يتوقف عليها وعلى تعامل هذا الجيل معها مصير البشرية، لأن أعظم مصدرين للمعرفة هما الدين والعلم“.
وماذا نعمل في قول العالم العلم، بول ديفيس الفيزيائي المتميز والذي هاجم الإيمان بقناعة وبقسوة في السبعينات في آخر فصل من كتابه ”المكان والزمان في عالم اليوم“، والذي قال لاحقا، وهو يعيد ترتيب ما قاله قبله ألبيرت آينشتاين ”العلم بدون دين أعمى والدين بدون العلم أعرج“ وكأنه قام بتبديل مكاني المفردتين ”أعمى“ و”أعرج“ من مقولة آينشتاين ليعكس انحيازه لدور الإيمان. ولاحقا ليقول في كتابه ”العالم الصدفة“ المنشور في نهاية الثمانينات، ”أن من يتأمل وجود الحياة على هذه الأرض يقطع بما لا يقبل الشك أن قوة هائلة الذكاء تحكمت بقوانين الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة ليكون وجود الإنسان على هذه الأرض ممكنا“
والتمعن في أقوال بول ديفيز وتدرجها، وهو الحاصل على جائزة تمبلتون «الأعلى قيمة ماليا من جائزة نوبل» والتي تشجع التقارب والتعاون بين العلم والدين، يجد أن كلامه وتحوله من إلحاد السبعينات، إلى إيمان الثمانينات، يعد إفرازا وترجمة لإيمانه بالعلاقة الوثيقة بين العلم والدين.
وكيف لنا أن نقبل علميا ومنطقيا، إبعاد العلم والدين عن بعضهما إذا كانت غايتهما واحدة تتمثل في ”معرفة حقيقة وجودنا“. فالتعاون بينهما حتمي في أقل درجات العلاقة بينهما. فكلاهما مصدر من مصادر المعرفة. على أن العلاقة أكثر تداخلا من ذلك، فما يصل إليه أحدهما، قد يكون هو بداية لمشوار الآخر وبنتيجته تكتمل دورة، يتواصل مسيرها ويتعاظم نتاجها. وأنهي الأسطر هذه بعنوان كتاب منشور 1999، أسماه كاتبه عالم الحفريات ستيفن جاي كولد ”صخرتا الزمن: الدين والعلم في امتلاء الحياة“، مؤكدا أن الدين والعلم هما مصدرا المعرفة التي لا تكتمل للشخص، بدون الإحاطة بهما.