منذ صغري وأنا أعاني من فوبيا الاحتمالات، فلم أكن أدخر نصف حلوايّ لليوم الثاني؛ لأني لا أثق إن كان سيأتي اليوم الثاني أم كنت سأذهب إليه.

وهكذا كانت عادتي في كل شيء فأي أمر يشتمل على عدة احتمالات كنت أخافه فطيلة دراستي لابد أن يأتي سؤالًا أحتمل فيه إجابتين وللأسف كنت أتمنى لو كان الأمر لا يحتمل صوابًا وخطئًا، ففي مرة الحلوى كنت لن أخسر شيئًا، أما في تلك الحالة سأخسر درجة أو أكسبها، مما كان يزيد بلل الطين على رأسي خصوصًا -لكوني نجيبًا في صغري- ، لذا كنت أفرك فركًا، ولا أقدر على تجاوزه من غير حل، فأجيبه بأي الإجابتين غير مبالٍ وأطوي الصفحة، وكانت تصيب أحيانًا عديدة.

وللأسف لم تكن تلك المشكلة الأكبر، فيبقى احتمال فقدان لا شيء أو حتى فقدان درجة ليس نهاية العالم، بل كانت المشكلة الأشد قسوة في فوبيا الاحتمالات خاصتي هي احتمالات الحب والصداقة، احتمالات فقدان الأعزاء بمعنى أصح -من نظنهم أعزاء- .

فكانت بداية المشكلة عندما ظننت أن الفتاة التي أحبها تحبني هي الأخرى، ومن هنا ظهرت خانة الاحتمالات اللعينة بين مؤكد " نعم لقد أظهرت ذلك من خلال تصرفاتها "، نصف المؤكد " أعتقد أنها تحبك، لا لا أعتقد أنها لا تحبك "، غير مؤكد " إنها لا تحبك إنها لطيفة فقط ".

وداخل تلك الدائرة أتوه، وما يحملني على فَضِّها غير المجازفة، فإما كنت أضع اختبارًا حتى لا يتم إحراجي، أو أقولها مباشرة وهكذا كانت احتمالاتي تفشل دائمًا.

كان ذلك كله في صغري مما أستطيع تجاوزه
بلفظة ( عيل )، ولكن لم أظنَّ يومًا أنها سوف تتبعني ليومي هذا، فمازلت أعاني الأمر كل امتحان، ولكني تعودت فقدان الدرجات فلا أحزن كطفولتي النجيبة ومازلت لا أدخر غير النقود -التي لا أملكها عادة- لعدم وجود احتمال آخر لإنفاقها.

فلذا لم تتغير غير حقيقة واحدة هي الحقيقة الكاملة حول فقدان الأعزاء حيث لم تعد تحتمل المجازفة كأول مرة، فثقتي في تجاوز الأمر تلاشت مع ظهور النضج.

لذا أنا أقف اليوم مُحَمَّلًا بالعديد العديد من الاحتمالات، لا أقوى فيها على المجازفة والاقتراب حتى وإن كان شيئًا عظيمًا قد يفوتني فإني أخاف نظيره المُحتَمَل.

مقال : فوبيا الاحتمالات