دور المبلغين في تحقيق جذوة الأمل
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: آية 53].
هذه الآية الكريمة خاطب بها الله تعالى عباده الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي والذنوب، ولم يصفَهم بالكفر أو الانحراف، بل وصفهم بالإسراف على أنفسهم، وفي ذلك دلالة على الشفقة، ولم يقل لهم: أسأتم إلي، بل أسأتم إلى أنفسكم، فلماذا أسأتم إلى أنفسكم أيها العباد؟ عصيانكم هذا يعود عليكم بالضرر، وليس على الله عز وجل، فلو أن كل العباد عصوا فإن ملك الله لم يتأثر بمقدار ذرة، ومع ذلك يفتح لهم باب الأمل والرجاء، ويقول ويخاطب النبي الأكرم (ص): قل يا محمد لعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله تعالوا واستغفروا عن كل ذنب إن الله يغفر الذنوب جميعا وذلك لأنه الغفور الرحيم.
هذا الخطاب ليس خاصًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يتوجه لكل الدعاة والمبلغين الذين يحملون على عاتقهم واجب المسؤولية لهداية الناس وتبليغ أحكام الله تعالى، فإن عليهم زرع جذوة الأمل في نفوس الناس، عليهم أن يتعاملوا مع الناس باللين واللطف، لا بالقسوة والشدة والعنف والتعصب، عليهم أن يرغبوهم للتوبة والعمل الصالح، لا أن ينفروهم ويرهبوهم، هذا ما تؤكد عليه الآية الكريمة وغيرها من الآيات.
ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): ”الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله“. الفقيه هو العارف بمفاهيم الدين والمتحمل تبليغها، وعليه أن يكون متوازيًا في دعوته وتبليغ أحكام الله، فلا يبالغ في التحذير والتقريع فيسد أبواب الرجاء والأمل على من عصى جهلا كان أو عمدا، عليه أن يجعلها مفتوحة أمام الناس مهما كانت درجة السوء والذنب والمعصية والخطأ في الطرف الآخر.
لذلك يؤخذ على بعض الجهات الدينية والعلماء وطلاب العلوم في تعاملهم مع الشباب، سيما في هذا العصر، بأن لا يتعاملوا بالعنف الجاف والنظرة الشزراء والشدة في التعامل، فهذا يعمق المشكلة ويكرسها في المجتمع، لأن الشباب والناس بشكل عام يحتاجون إلى التعامل الحسن ليستقطب مشاعرهم، ويعطيهم الأمل للفوز بجنات الآخرة والسعادة في الدنيا.
كان من وصايا أمير المؤمنين علي (ع) لابنه الحسن (ع): ”أي بني، لا تؤيس مذنبا، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير، وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره، صائر إلى النار، نعوذ بالله منها“. مهما كان هذا الإنسان مذنبًا لا تشعره باليأس وكأنه الطريق لا رجعة فيه، هناك من الناس من سار على هذا الدرب وختم له بخير، كما ورد عن الإمام الباقر (ع): ”التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ“.
لذلك على الإنسان أن يكون يقظًا دائمًا، ولا يتمادى في عصيانه ما دام باب التوبة مفتوحًا أمامه، فالله يباهي ملائكته بعبده التائب ويفرح به.