ثاني أُكسيد الغباء
نتفهم أن يقع المُراهق في تعثرات وأخطاء غير مقصودة Honest mistake خلال رحلة اكتشاف مهاراته وقدراته والعالم الخارجي من حوله وبناء الثقة بالنفس لديه. إلا أنه يبدو لي أن البعض من أبناء آدم مُبتلى بما يُسمى بمرض ثاني أكسيد الغباء. فأصبح البعض بسبب انغماسه الطويل في أجواء ملوثة أخلاقيا ومتابعاته اللاهثة لكل سفاسف الأمور في السوشل ميديا لكل ما هو شديد الحرارة جهلا وانحطاطًا أخلاقيا، وأضحى ذاك المتابع المنعدم البوصلة والفاقد للأهداف ضحية الاحتباس الحضاري وانحيازي الهوى لكل ما هو مستورد عفن ومغيب العقل عن التمييز بين الغث والسمين. ففي ذات الوقت الذي انتشرت فيه وسائل التحقق والتمحيص والتنقيب عن المعلومات السليمة والنقاش العلمي الرصين المبني على الدليل والمنطق والأخلاق، نرى تزايد عدد الحمقى الذين يرفعون شعارات تافهة لدفع الأمور المقنعة مثل:
- أنا بكيفي
- أنا دماغي كذا، هل أنت شريكي؟
- أنا هنا بفلوسي. ما لك خص فيني.
- هذا جسدي وأنا حر فيه.
- أنت مو أبوي ولا أخوي. إيش خص أهلك فيني؟
هذه الموضة الجديدة من الحجج المدعاة جاءت بعد جولات سابقة تترا الواحدة بعد الأخرى. وأتذكر من تلكم الموجات السابقة:
- اتهام الإسلام بأنه ضد المرأة
- موال إن الإسلام دين العبودية
- موال اتهام الإسلام بأنه انتشر بالسيف
- اتهام الإسلام بأنه دين ذكوري
- اتهام الإسلام بأنه دين متصالح مع فكرة العبيد والجواري
- اتهام الإسلام بتقييد حرية الإنسان
وبعد أن فشلت كل تلك الادعاءات، وانفضح من وراءها من تجار القمار وتجار الدعارة وتجار الشذوذ وتجار الرقيق الأبيض وتجار المخدرات وتجار النهب والسلب. تلبس البعض منهم ثوب الحرية الشخصية. فإن أنكر العقلاء عليهم إفراطهم ومجاهرتهم بالأعمال القبيحة قالوا لمن أنكر عليهم إنكم تقمعون حرية التعبير وتصطفون مع الديكتاتوريات. وإن أغفل عنهم أهل العقل الرصين أفعالهم تمادوا في توظيف عناوين الحريات حد ارتكاب الفاحشة في الشوارع والاعتداء على الأطفال جسديًا وتعاطي المخدرات في الشوارع! وكل هذا حدث ويحدث حتى قيل أن الزومبي أضحى متواجدًا في عدة مدن كبرى في دول متقدمة أهمل أهلها التواصي بالحق.
نقول بكل حب لأولئك المغرر بهم:
- إن الظواهر ثمرة السرائر
- قل لي من تتابع أقل لك من أنت
- المرء نتاج خلواته
يغيبون عقولهم ويرخصون أنفسهم ويلقون بأنفسهم إلى التهلكة. فيرتكبون حماقات غبية تسيء للوطن ولأبناء الوطن ولأبناء هويتهم ولدينهم ولعرقهم. ويقذفون الآخرين في أعراضهم ويشتمون الآخرين بأفضح الصفات في المواقع الإلكترونية وفي العلن ظنا منهم بأنهم ينتصرون لآرائهم التي يؤمنون بها! ويذلون أنفسهم أمام الإنسان المتغطرس والمتكبر طمعا منهم في حفنة مال وبلوغ شهوة!
سبحان الله العلي العظيم، بعض الناس مصداق التعويذة الواردة في الآية الكريمة: «قل أعوذ برب الناس». هناك عدد من الناس ينعدم فيهم الخير وعلى الإنسان الواعي حقا أن يُمحص من فيه خير ومن ليس به إلا البلاء والفسوق والبلادة سواء في العالم الواقعي أو الافتراضي.
وفي ذات الوقت، مؤسف أن بعض منتحلي الوعي ومدعي الثقافة ومع وجود كل الحقائق المرئية والمسموعة والبراهين الساطعة عن سوء استخدام وسوء توظيف مفاهيم الحرية الفردية في بعض بقع الدنيا، إلا أنهم مازالوا يتبجحون بأن القادم من كوكب بعض نجوم السينما العالميين سيكون أفضل!! ويترك ذاك المدعي للوعي أهل الخصال الجميلة وأصحاب الوفاء الإنساني والضمير الحي، ويخذلهم وبتهكم عليهم على أن ذلك حرية رأي!!
يبدو أن مستوى صرف وصفة ”طنش تعش وتنتعش“ هي الأكثر رواجا هذه الأيام في بعض بقع العالم الشرقي والغربي لما ينصدم البعض به من واقع سلوكيات معوجة ومنطق كلام أخرق. فأضحى لسان الحال في بعض الأزمنة أن صاحب الصدق منبوذ والمرواغ المخادع المهرج محبوب. وأصبح من يدغدغ الأحلام للبسطاء مرغوب بحديثه وإن كذب، ومن يضع إصبعه على الدملة مع اقتراح المخارج منها مذموم وإن صدق.
في مقابل كل ذلك، بحمد لله في كثير من حواضرنا العربية نعيش قفزات وعي نوعية نحو الأفضل مع كامل السعي الدؤوب للحفاظ على البناء الأخلاقي المحمود للمجتمع. كل ذلك تم ويتم بفضل جهود أهل الوفاء والإخلاص من المواطنين الصالحين والمسؤولين الأمناء والقوانين الحكيمة وأئمة المساجد الأوفياء. فشكرا لكل من ساهم ويُساهم من تخفيف انبعاث ثاني أكسيد الغباء في الحواضر الإنسانية في كل بقاع المعمورة، ويبث الوعي بتنقية الأجواء وحذف الكراهية ورص صفوف الوحدة وتعزيز مفاهيم الإنسانية النبيلة والشهامة وتشجيع توطين الخير في ربوع المعمورة وغرس روح الإيمان بالله واتباع هدى نبينا محمد (ص) واقتباس النور من كلام آل بيت النبي محمد وترجمة ذلك بالسلوك والأفعال.
كتبت هذه العجالة على ضوء ما يدور من تجاذبات قوية في شمال القارة الأمريكية وانطلاق دعوة الأوفياء من المؤمنين بالقيم الأسرية وسعيهم الدؤوب في حماية أبناءهم من الشذوذ تحت شعارات Leave our kids alone. لك أن تتخيل حجم النعمة التي نعيشها في ظل اتباع هدى الإسلام والتعاسة التي وصل البعض إليها حتى أضحى الصالحون منهم يستجدون فقط وفقط حق حماية أبناءهم من التحول الجندري!!