المعارضات الشعرية
فن من الإبداع يمارسه الشعراء لإحياء تراث الشعراء السابقين
"السينيات".. أجمل المعارضات الشعرية للبحتري وشوقي وبلخير
المعارضات الشعرية هي أحد الفنون الأدبية في الأدب العربي، وهي نوع من المباريات الشعرية التي تجري بين الشعراء، وهي تختلف عن التقليد فهي نوع من إثبات الذات والقدرة على الإبداع في ظل قيود معينة، وتبدأ بأن ينظم شاعر ما قصيدة، فيأتي شاعر آخر، إما للإبداع داخل هذا القالب لأنه أعجبه وإما لنقض معاني هذه القصيدة وأفكارها لأنه يتبنى وجهة نظر أخرى مضادة، لكنه إمعانًا في التحدي يلزم نفسه أن يبدع في نفس القالب الشعري الذي التزمه الشاعر الأول، فيلتزم نفس الوزن والبحر والقافية، وقد ازدهر هذا الفن في عصرنا الحديث حيث يعد أمير الشعراء أحمد شوقي من أبرز رواده.
وفي كتابه (تاريخ المعارضات في الشعر العربي) يقول الدكتور محمد محمود قاسم نوفل رئيس قسم اللغة العربية بجامعة النجاح في نابلس أن المعارضات الشعرية تعود إلى أيام الإسلام الأولى، وأن هناك قصائد نالت إعجاب الشعراء كثيراً فأكثروا من معارضتها كقصائد البوصيري وكعب بن زهير، ويعد هذا الفن إحياء للفن العربي ولتراث الشعراء السابقين في كل زمان ومكان، حيث تنشط فيه الحركة الأدبية الشعرية ويربط ماضي الشعر بحاضره.
ولم تقتصر المعارضات على الشعر فقط فقد تعدته إلى النثر فشملت الرسائل والمقامات، كتلك التي ظهرت بين الخوارزمي وبديع الزمان الهمذاني في مجال الرسائل، كما عارض ابن شرف الأندلسي بديع الزمان الهمذاني في مقاماته فعمل مقامة في ذكر الشعر والشعراء.
وقد اخترنا لك عزيزنا القارئ في هذه الصفحات القصائد السينية أو ما تسمى بـ"السينيات"، وهي عبارة عن ثلاث من أجمل ما نظم من معارضات شعرية، فدعنا نبحر بك ومعك لنمخر عباب بحور الشعر.
سينية البحتري
وصف الشاعر العباسي البحتري إيوان كسرى في سينيته المشهورة التي تتوارد في أبياتها العظة التاريخية لهذه الدولة التي كانت ذات قوة عظيمة ثم اضمحلت يقول فيها:
صُـــنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي
وَتَرَفَّعــــــــــتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ
وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهـر
التِماساً مــــــــــِنهُ لِتَعسي وَنَكسي
بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِـــــندي
طَفَّفَتها الأَيّـــــــــــامُ تَطفيفَ بَخسِ
وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفَـــــــــــــــهٍ
عَلَلٍ شُـــــــربُهُ وَوارِدِ خِـــــــمسِ
وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحــــــمولاً
هَواهُ مَـــــــعَ الأَخَسِّ الأَخَــــــــسِّ
لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللـــــــــــَيالي
جَعَلَت فيهِ مَأتَماً بَعدَ عُــــــــــرسِ
وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ قَـــــــومٍ
لا يُشابُ الـــــــبَيانُ فيهِم بِلَــــبسِ
وَإِذا ما رَأَيتَ صورَةَ أَنطـــــاكِيَّة
اِرتَعـــــــتَ بَينَ رومٍ وَفُـــــــــرسِ
وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشَــــــــروان
يُزجي الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفــــــسِ
في اِخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عـــــَلى
أَصفَرَ يَختالُ في صَبيـــــغَةِ وَرسِ
وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَــــــــــــدَيهِ
في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغمـاضِ جَرسِ
مِن مُشيحٍ يَهوى بِعامِلِ رُمـــــحٍ
وَمُليحٍ مِــــــــنَ السِنانِ بِتُـــــرسِ
تَصِفُ العَينُ أَنَّهُم جِدُّ أَحــــــــياءٍ
لَـــــهُم بَينَهُم إِشـــــــارَةُ خُــــرسِ
يَغتَلي فيهِم ارتيِابي حَـــــــــــتّى
تَتَقَرّاهُـــــــــــمُ يَدايَ بِلَــــــــــمسِ
وَتَوَهَّمتُ أَنَّ كِسرى أَبَـــــــرويزَ
مُعــــــــــاطِيَّ وَالبَلَهبَذَ أُنــــــــسي
حُلُمٌ مُطبِقٌ عَلى الشَكِّ عَــــــيني
أَم أَمانٍ غَيَّرنَ ظَنّي وَحَــــــــدسي
وَكَأَنَّ الإيوانَ مِن عَجَبِ الصَنعَةِ
جَوبٌ في جَــــــــــنبِ أَرعَنَ جِلسِ
يُتَظَنّى مِنَ الكَآبَةِ إِذ يَبــــــــــــدو
لِـــــعَينَي مُصـــــَبِّحٍ أَو مـــــُمَسّي
مُزعَجاً بِالفِـــراقِ عَن أُنسِ إِلفٍ
عـــــَزَّ أَو مُــــرهَقاً بِتَطليقِ عِرسِ
عَكَسَت حَظُّهُ اللَيالي وَباتَ المُشـ
تَـــــري فيهِ وَهوَ كَــــــوكَبُ نَحسِ
فَهوَ يُبدي تَجَــــــــــــــلُّداً وَعَلَيه
كَلـــــكَلٌ مِن كَلاكِلِ الدَهـــرِ مُرسي
لَم يَعِبهُ أَن بُزَّ مِن بُسُطِ الــديباج
وَاِســـــتَلَّ مِـــــن سُتورِ المَـــــقسِ
مُشمَخِّرٌ تَعلو لَهُ شُـــــــــــــرُفاتٌ
رُفِعَت في رُؤوسِ رَضوى وَقُـدسِ
لابِساتٌ مِنَ البَياضِ فَما تُـــبصِرُ
مِـــــنها إِلـــــّا غـــــَلائِلَ بــــــُرسِ
لَيسَ يُدرى أَصُنعُ إِنسٍ لِجـــــــِنٍّ
سَكَنـــــوهُ أَم صـــــُنعُ جِــنٍّ لِإِنـسِ
فَكَأَنّي أَرى المَراتِبَ وَالقَــــــــومَ
إِذا مـــــا بَلَغتُ آخِـــــرَ حِسّــــــــي
وَكَأَنَّ الوُفودَ ضاحينَ حَســـــرى
مِن وُقـــــوفٍ خَلفَ الزِحامِ وَخِنسِ
وَكَأَنَّ القِيانَ وَسطَ المَقاصــــــيرِ
يُرَجِّـــــعنَ بَينَ حُـــــوٍ وَلُعــــــــسِ
وَكَأَنَّ اللِقاءَ أَوَّلَ مِن أَمــــــــــسِ
وَوَشـــــكَ الفِـــــراقِ أَوَّلَ أَمـــــسِ
وَكَأَنَّ الَّذي يُريدُ إِتّـــــــــــــــِباعاً
طامـــــِعٌ في لُحوقِهِم صُبحَ خَـمسِ
عُمِّرَت لِلسُرورِ دَهراً فَــــصارَت
لِلـــــتَعَزّي رِبـــــاعُهُم وَالتـــــَأَسّي
فَلَها أَن أُعينَها بِدُمــــــــــــــــوعٍ
موقَفاتٍ عَلى الصـــــَبابَةِ حُـــــبسِ
ذاكَ عِندي وَلَيسَت الـــدارُ داري
بِإِقتِرابٍ مِنها وَلا الجــــِنسُ جِنسي
سينية شوقي
وحينما وصل شوقي إلى بلاد الأندلس بعد رحلة طويلة مضنية في أرجاء البلاد شاهد خلالها الأطلال والآثار المتهدمة من القصور والقلاع والجوامع، هيجت لديه الأحزان، وجددت به الآلام وهزت فيه الوجدان فأثارت مشاعره وشحذت أحاسيسه، وتجلت في خياله قصيدة البحتري، فانطلقت قيثارة شعره بسينيته معارضاً بها البحتري في خضم الظروف السيئة التي أحاطت به، وآثار الرحلة الشاقة التي زادت من تعاسته وعذابه النفسي، تطأ قدمه أرض الأندلس التي تضم أروع صور التاريخ الإسلامي وأزهرها وأشرقها، فأنشأ يقول:
اخـــــتلاف النــــــهار والـــــليل ينسي
اذكــــــرا لـــي الصبا وأيـــــام أنسي
وصـــــفا لـــي ملاوة مـــــن شـــــباب
صـــــورت مــــن تصـــــورات ومس
عصـــــفت كالصبا اللــــعوب ومـــرت
ســـــنة حـــــلوة ولـــــذة خــــــــــلس
وســلا مصر: هل سلا القلب عــــنها
أو أسا جـــــرحه الـــزمان المؤسي
كلـــــما مـــــرت الـــــليالـــي عـــــليه
رق، والعـــــهد فـي الليالي تقــــسي
مســـــتطـــــار إذا البـــــواخـــــر رنت
أول الـــــليل، أو عوت بــــعد جرس
راهـــــب فـــــي الضلوع للسفن فطن
كـــــلما ثرن شاعـــــهن بنــــــــــقس
يا ابـــــنة اليـــــم، ما أبـــــوك بـــخيل
مـــــاله مولعاً بمـــــنع وحــــــــــبس
أحـــــــرام عــــلى بلابـــــله الـــــدوح
حــــلال للـــــطير من كـــــل جـــنس؟
كـــــل دار أحـــــق بـــــالأهـــــــــل إلا
في خبيث مـــــن المـــذاهب رجـــــس
نفســـــي مـــــرجل، وقـــــلبي شراع
بهما في الدموع ســـــيري وأرســــي
واجـــــعلي وجهك (الفنار) ومجراك
يـــــد (الثغر) بــــين (رمل) و(مكس)
وطـــــني لو شـــــغلت بالخلد عـــــنه
نازعتني إلـــــيه في الخـــــلد نفسي
وهـــــفا بالفـــــؤاد فـــــي سلســـــبيل
ظمأ للـــــسواد مـــن (عين شمس)
شهد الله لـــــم يغب عـــــن جـــــفوني
شخـــــصه ساعـــــة ولم يخل حسي
يـــا فــــؤادي لكـــــل أمـــــر قـــــرار
فــيه يبـــــدو وينجـــــلي بعـــــد لبس
عقلـــــت لجـــــة الأمـــــور عـــــقولاً
طالت الحوت طـــــول ســـبح وغس
غـــــرقت حـــــيث لا يصاح بطـــــاف
أو غـــــريق، ولا يصـــــاخ لحـــــس
فلـــــك يكســف الشـــــموس نــهــاراً
ويســـــوم البـــــدور ليـــــلة وكــس
ومـــــواقـــيت للأمـــــور إذا مـــــــــا
بلغـــــتها الأمـــــور صـــــارت لعكس
دول كالرجـــــــــــــــال مـــرتهـــــنـات
بقـــــيام مـــــن الجـــــدود وتـــــعس
وليـــــال مــــن كـــــل ذات ســــــــوار
لـــــطمت كـــــل رب (روم) و(فرس)
ســـــددت بالهـــــلال قوســــاً وســلت
خنـــــجراً ينـــــفذان مـــــن كل ترس
حكـــمت في القرون (خوفو) و(دارا)
وعـــــفت (وائلاً) وألـــــوت (بعبس)
أيـــــن (مروان) في المشارق عــرش
أمـــــوي وفي الـــــمغارب كــــرسي؟
سقمت شـــــمسهم فـــــرد عــــــــليها
نـــــورها كل ثاقـــــب الرأي نـــــطس
ثم غابت وكل شمس سوى هـــــــاتيك
تبلـــــى، وتنـــــطوي تحـــــت رمس
وعـــــظ (البحتري) إيـــوان (كسرى)
شـــــفتني القصور من (عبد شمس)
رب ليـــــل ســـــريت والبرق طـــرفي
وبساط طويـــــت والريـــــح عنسي
أنظم الشرق في (الجزيرة) بالـــــغرب
وأطوي الـــــبلاد حزنـــــاً لـــــدهس
فـــــي ديـــــار من الخـــــلائف درس
ومـــــنار مـــــن الطـــــوائف طمس
وربى كالـــــجنان في كنف الـــزيتون
خـــــضر، وفـــــي ذرا الكرم طـــلس
لـــــم يرعـــــني سوى ثرى قــــرطبي
لمست فيه عــــــــــبرة الدهر خمسي
يـــــا وقى الله مـــــا أصبح مــــــــــنه
وسقى صــفوت الحيا ما أمــــــــــسي
قرية لا تـــــعد في الأرض كـــــــــانت
تمسك الأرض أن تمــــــــــيد وترسي
غشيت ســـــاحل المحيط وغــــــــطت
لجة الروم من شراع وقـــــــــــــــلس
ركب الدهر خـــــاطري فــــي ثراهــــا
فأتى ذلك الــــــــــحمى بــعد حـــــدس
فتجلت لي القصور ومـــــــــن فيـــــها
من العــــــــــز في مــــــــــنازل قعس
ســـــنة من كـــــرى وطـــــيف أمـان
وصــــــــحا القلب مـن ضلال وهجس
وإذا الـــــدار ما بها مـــــن أنيـــــــس
وإذا القوم ما لــــــــــهم مـــــن محس
ورقيـــــق مـــــن الـــــبيوت عـــــتيق
جاوز الألف غير مــــــــــذموم حرس
أثـــــر مـــــن (مــحـــــمد) وتـــــراث
صــــــــار (للروح) ذي الولاء الأمس
بلــــــــغ النجـــــم ذروة وتنـــــاهـــــى
بين (ثهلان) في الأساس و(قـــــدس)
مـــــرمر تســـــبح الـــــنواظر فـــــيه
ويطــــــــــــــول المدى عليها فترسي
وســـــوار كأنـــــها فـــــي اســـــتواء
ألفــــــــــات الوزير في عرض طرس
فـــــترة الدهـــــر قد كست ســـطريها
مــــــا اكتسى الهدب من فتور ونعس
ويحـــــها! كـــــم تـــــزينت لعلــــــــيم
واحــــــــــد الدهر واستعـــدت لخمس
وكـــــأن الرفيف فـــــي مسرح العين
مــــلاء مــــــــــدنرات الــــــــــدمقس
ومكـــــان الكـــــتاب يغـــــريك ريـــــاً
ورده غــــــــــائباً فــــــــــتدنو للـمس
صـــــنعة (الداخـــــل) المبـــــارك في
الغـــــرب وآل لـــــه ميامـــين شمس
مـــــن (لحمراء) جـــــللت بغبـــــــــار
الدهر كالـــــجرح بـــــين بـرء ونكس
كـــــسنا البرق لو مــحا الضوء لحظاً
لمحتها العـــــيون مـــــن طــول قبس
حصـــــن (غرناطة) ودار بني الأحمر
مـــــــن غـــــافل ويقـــــظان نـــــدس
جـــــلل الثلج دونـــــها رأس (شيرى)
فـــــبدا مــــــــــنه في عـصائب برس
ســـــرمد شـــــيبه، ولـــــم أر شـــــيئاً
قـــــبله يــــــــــرجى البــــقاء وينسي
مشت الحادثات في غرف (الحمراء)
مــــــــــشي النـــــعي في دار عــــرس
هـــــتكت عــزة الحجـــــاب وفـــــضت
ســــــــــدة الباب مــــن سمير وأنسي
عـــــرصات تخـــــلت الخــيل عـــــنها
واســــــــــتراحت من احتراس وعس
ومغـــــان عـــــلى الليالـــي وضـــــاء
لـــــم تجــــــــــد للــــعشي تكرار مس
لا ترى غـــــير وافدين عـــلى التاريخ
ساعـــــين فـــي خـــــشوع ونـــــكس
نقلوا الطـــــرف فـــــي نضـــــارة آس
مـــــن نقــــوش، وفي عصارة ورس
وقبـــــاب مـــــن لازورد وتـــــــــــــبر
كالـــــربى الشـــــم بيـــن ظل وشمس
وخطـــــوط تكـــــفلت للمـــــعانــــــــي
ولألفـــــاظـــــها بـــــأزيـــــن لـــــبس
وتـــــرى مجـــــلس السبـــــاع خـلاء
مـــــقفر القـــــاع مــــن ظباء وخنس
لا (الثـــــريا) ولا جـــــواري الثريـــــا
يـــــتنزلن فـــــيه أقـــــمار إنـــــــــس
مـــــرمر قامـــــت الأســـــود عـــــليه
كـــــلة الظـــــفر ليـــــنات المـــــجس
تنثر المـــــاء في الحـــــياض جمــــاناً
يـــــتنزى عـــــلى تـــــرائب مـــــلس
آخـــــر العـــــهد بالجزيـــــرة كــــانت
بـــــعد عـــــرك مــن الزمان وضرس
فتـــــراها تقـــــول: رايـــــة جـــــيش
باد بالأمـــــس بـــــين أســـــر وحـس
ومفـــــاتيحها مقـــــالـــــيد مــــــــــلك
بــــــــــاعها الوارث المضــيع ببخس
خـــــرج القــــوم في كـــــتائب صـــــم
عن حــــــــــفاظ كموكب الدفن خرس
ركـــــبوا بالبـــــحار نعـــــشاً وكـــانت
تحــــــــــــت آبائهم هي العرش أمس
رب بـــــان لهـــــادم، وجـــــمـــــــوع
لمـــشت ومحــــــــــسن لمــــــــــخس
إمـــــرة الـــــناس هـــــمة لا تــــــأنى
لـــــجبــان ولا تســـــنى لــــــــــجبس
يا ديــــــــــاراً نزلت كالخلد ظــــــــــلاً
وجـــــنى دانياً وســــــــــلسال أنـــس
مـــــحسنات الفـــــصول لا نـاجر فيها
بقـــــيظ ولا جــــــــــمادى بـــــــقرس
لا تـــــحش العـــــيون فـــــوق ربــاها
غـــــير حـــــور حــو المراشف لعس
كســـــيت أفـــــرخي بظـــــلك ريـــشاً
وربـــــا فـــــي ربـــاك واشتد غرسي
هـــــم بـــــنو مـــصر لا الجميل لديهم
بمضـــــاع ولا الصـــــنيع بـــــمنسي
مـــــن لسان عـــلى ثنـــــائك وقـــــف
وجـــــنان عـــــلى ولائـــــك حـــــبس
حسبـــــهم هـــــذه الطـــــلول عـــظات
مــن جـــــديد على الدهـــــور ودرس
وإذا فاتـــــك التفـــــات إلـــى الماضي
فـــــقد غـــــاب عـــــنك وجه التأسي
ملحمة غرناطة وقصور الحمراء
وفي العصر الحديث كـتب الأديب والشاعر عبدالله بلخير المشهور بالملحمات الأندلسية في ثانية ملاحمه السبع (سينيته) معارضاً البحتري وشوقي قائلاً:
ذكرياتي مـــــــــــا بين يومي وأمسي
هي عمري ما بين سعدي ونــــــحسي
ضاع منها ما ضــاع في مهمه العمر
وطواها بين اخـــــــــــــضرار ويبــس
وتبقى منها الــــــــذي رسبت مـــــنه
رؤى لا تــــــــرى بفــــــــكري وحسي
مومضات تشع طوراً وتخــــــــــــــبو
في شريط، في ظلمة الــــــذهن منسي
تتعــــــالى به حياتــــــــي وتكــــــــبو
بين كرب مـــــــن الزمان وأنســــــــي
خــــــــاض أمواجها شراعي يطـوي
البـحر طياً بــــــــه يسير ويــــــــرسي
تتغشاه من أعــــــــاصير الـــــــهوج
مــــــــثال الجــبال (رضوى) و(قدس)
فهو ما بينها يغــــــــوص ويطــــــفو
ثــــــــم يمــــضي على ظهور وغطس
هو عمر مضى وقد أذن العــــــــصر
فأضحى مصــــــــبح العـــــــمر ممسي
وهــــــــو في دورة المحاق فلم تبق
اللــــــــيالي مـــــــن بدرها غير سدس
ما تبــــــــقى من ذكريــــــــاتي عنه
قــــــــطرات عــــــلى حصى منه ملس
جـــــف في بعدها نداها فــــــــلا تبتل
من مســــــــها بنــــــــاني بمــــــــسي
طافت الــــــذكريات بي فــــــــي ذرى
(الحمراء) في عالم على المجد مرسي
طفــــــــت فيها وفي حناياي مــــــنها
زفــــــــرات الواعي، العليم، الـــمحس
نادباً عــــــــزها، وملك (بني الأحمر)
فيها، بــــــــهيبة المــــــــلك مـــــكسي
طفت أرجــــــــاءها وبــــين صياصيه
كــــــــأني أطــــــــوف فيــــها برمسي
في جموع تــــــــوافدت من زوايا الـ
أرض كانت غــــــــريبة الــــدار ليسي
تتلاقى أنــــــــظارهم فــــــــي تلاقيهم
وتصــــــــغي الآذان في كـــــــل دعس
في وجوم كأنهم فــــــــي عـــزا موت
فــــــــقيد لــــــــهم ورنــــــــات تقــس
هي هذي (الحمرا) ولا غـــــــالب إلا
الله كــــــــانت (دار الخــــــــلافة) أمس
كانت الملك والخــــــــلافة والــــــفتح
لآل مــــــــن العــــــــروبة شــــــــمس
ثـــــم زالت وزال ملك (بني الأحمر)
مــــــــــــــــنها لمــــــــا أصيب بنـكس
مثل ما زال مـــــــلك (دارا) و(قسطنـ
طين) في الأرض بعــــد ملك (تحمس)
وانتــــــــهى (هيـــــــنبال) و(إسكندر
الأكبر) وانهار مـــلك (روم) و(فرس)
سنة الكــــــــون أن يزول وينــــــــهار
بناء الباني عــــــــــــــــلى غــــير أس
تلك (حمراؤنا) على مفرق (أوروبا)
مــــــــنار يهدى بــــــــه كل مـــــمسي
وهي في حمرة العقيق تـــــــــــراءت
تتــــــــلألأ وفــــــــي بريق الــــدمقس
مشرئباً إلى رفافها أرنو إليهــــــــــــا
تفــــــــيض بالــــــــحزن نفـــــــــــسي
خــــــاشع الطرف عندما لاح لــــــــي
فيها (المصلى) ولاح (تاج) و(كرسي)
فاقشعرت مشاعري وتـــــــــــــراءت
لـــــــي رؤى حاضري الحزين كأمسي
خـــيلت لي تموج أكــــــــنافها بالخيل
كالصبح في صهــــــــيل وعـــــــــــس
أشرقت في سنا (الخلافة) تــــــــزهو
بــــــــرجال شــــــــم المعاطس نــطس
والكراديس من (تجيب) ومن (حمير)
(صنــــــــهاجة) الفــــــــتوح و(قيس)
وقــــــــفوا في رماحــــــــهم وظـباهم
كــــــــسنا الفــــــجر بين طرد وعكس
في ظــــــــلال المصفقات من الرايات
فــــــــي (خزرج) تــــــــرف و(أوس)
فوق هامات قــــــــادة (العــرب) من
(عبد مناف) ومـــن بني (عبد شمس)
والأذان الــــــــداوي عـــلى الهضبات
الخضر يدعو إلى فرائض خــــــــمس
تتعــــــــالى به قراهــــــــم وتسمـــــو
حــــــــين تصحو عليه أو حين تمسي
وتــــراءى لي (الخليفة) في (إيوانه)
مصــــــــبحاً بــــــــها أو ممــــــــسي
حوله الفاتحون فــــــــي زرد الفولاذ
يــــــــزهون فــــــــي إبــــــــاء وبأس
فلك شع بالشموس أنـــــــار (الغرب)
عــــــــبر القــــــــرون فــــي كل درس
ما رأت فــــــي ظلامها قبله (أوروبا)
ضيــــــــاء يضــــــــيء فيـــــها بقبس
مثل أضواء (قرطبا) وسنا (غرناطة)
فــــــــــــــــي الدجــــــى ونور (بلنس)
كـــانت الأرض كلها تتــــــــــــــــلاقى
حــــــــــــــــول أبوابها ومن كل جنس
تتلقى العلم الغزير على أعــــــــلامها
الغر من إمــــــــــــــــام وكيـــــــــــس
ووفود (الرومان) و(الغال) و(الجر
مان) حول الأبواب أطــــــــــياف نكس
وقفوا في الصفوف يلتمسون الإذن
لا ينــــــــــــــــبسون فيها بنــــــــــبس
كلما لاح حاجب حفت الأنظـــــــــــــار
مــــــــــــــــنهم به ولــــــــفت بـوجس
كـــــلهم شاخص إلى الإذن في غمزة
طــــــــرف أو فــــــــي إشارة خــــلس
شــــــــرف باذخ لهم أن يقــــــــوموا
فــــــــي صـــفوف على ظلال الدرفس
يستظلون بـ (الخــــــــــــــــلافة) فيها
وهي عدل يبنــــــــي وينــشي ويكسي
تلك (حمراؤنا) بنـــــاها (بنو الأحمر)
يضـــــــــــــــــحي الخيال فيها ويمسي
تخت مــــــــــلك الإسلام فوق روابي
(البيرينه) الخــــــــــضرا أقيم وأرسي
فاحت الأرض حولها بالربيع الطـــلق
قــــــــد ضاع من خــــــــزامى وورس
عبق لا تــــــــــــــــزال أستارها تنفثه
فــــــــي الأكــــــــف، في كــــــل لمس
وهي تــــــــختال في مطارفها الحمرا
عـــــــــــــــروساً يزهو بها ليل عرس
طفت فيها أجر خطوي، ودقــــــــــات
فــــــــــــــــؤادي تقود ترجيع دعــسي
وتجــــــــــــــــولت بين أروقة القصر
حــــــــــــــــزيناً في خيبتي بعد يأسي
تتوالى خواطــــــــري ورؤى شجوي
بــــــــــــــــذهني على خيالي وهجسي
حينما راعــــــــني الذي راعني منها
فــــــــــــــــحوقلت في قنوطي وبؤسي
وتحــــــــسست مهجتي وعرى قلبي
فــــــــــــــــــــــــ ـــلم أهتد إليها بحسي
فتهاويت خائر العــــــــــــــــــــزم ثاو
واضــــــــــــعاً راحتي من حول رأسي
شـــــــــــارد الذهن لا أرى ما أمامي
حاسباً رجـــــــــس أمتي أمس رجسي
وعــــــــلى هامتي هواني على نفسي
هـــــــــــــــوان المجنى عليه المخس
فكـــــــــــــــــــأني وحدي الملوم على
تعـــــس (جدودي) يهزني هول تعسي
تــــــــــــــــلك حمراؤنا وحين أسميها
أســــــــــــــــمي ما أفـــــــتديه بنفسي
مجــــــدنا الأعظم الذي انقض وانهار
وما زال ذكــــــــــــــــــره اليوم قدسي
نـــــــاح (شوقي) على مشارفها قبلي
تشـــــــــــــاجى بـ (البحتري) في تأس
وتشاجيت منهما حـــــــــــــــين سالت
دمــــــــــــــوعي على يراعي وطرسي
وتماديت حين زاحمت فـــي (القصر)
(الأميرين) فــــــــــي غرور (البرنس)
فقصور الحمــــــــــــــــراء (دار أبي
سفيان) داري والجنس لا شك جنسي
حــــــــــــــاملاً رايتي أهز بها شعري
تعــــــــــــــــــالت به جذوري وغرسي
ما تخطتني الصفوف فمن حــــــــولي
وخلفي (قيسي) و(عبسي) و(عنسي)
جـــــــــــــــزتهم في سما (عكاظ) فقد
رف جنـــــاحي على السحاب وجرسي
يتبـــــــــــــــــــــا رون في لحاقي وهم
خــــــلف غباري على مدى قاب قوس
وأنا عــــــــــــــــــند (سدرة المنتهى)
أرنو إلـــــــــــــيهم على أهازيج قعس
لا أبــــــــــــــــالي بأن يغص بما قلت
شــــــــحيح الإنصاف في ضيق نفسي
فكثير ألا يقال لــــــــــــــــمن أحـــسن
أحســـــــــــــــــنت، في الزمان الأخس
هـــــــمسات رنت بأذني في (الحمرا)
كهــــــــــــــــمس الجني في أذن إنسي
فتريثت فــــــــي مقــــــــــــــــاصيرها
أصــــــــــــغي إليها بكل وعيي وحسي
سابحاً فــــــــي مشاعري في متاهات
تلاقى فيــــــــــــــــــــها يقيني بوجسي
كيف كـــــــــنا، وها هو اليوم ما كان
وكـــــــــــــــــــــنا ، أطلال سعد ونحس
هي هذي ديارهم عـــــــــــــبرة الدنيا
وكــــــــــــــــــــــب رى العظات للمتأسي
بقيت عبرة يطــــــــــــوف بها الناس
وتــــــــــــــــــرنوا لها العيون فتخسي
ويحج (السياح) ساحــــــــاتها ماجت
بأفواجهم بزهــــــــــــــــــــــ ــو وميس
كل ركـــــــــــــــــــــــ ن منها يئن لما
مـــــــــــــــــر عليها من نائبات وحس
بحــــــــــــــــت النائحات فيها عــــلى
الا ضــــــــاع يندبن في مواكب عمس
وأمحى ما عــــدا (شعار) بني الأحمر
وما زال فضــــــــــــــــــــلة المتحسي
وهو فــــيما يرى (ولا غالب إلا الله)
فيه أسى الخــــــــــــــــــطوب المؤسي
يصــــــــــــــــطفيه (السياح) في سوق
(غرناطة) فــــي هزء من أصيب بمس
جــــــــــــــــــعلوه مثل الدنانير ذكرى
حــــــــــــــــــول أعناقهم تـدلى بسلس