لماذا يتسابقُ الشعرُ الأبيض لينهش ما تبقّي من شعرك ، حاذر فإن الشعرَ الأبيض رسالةٌ من غزو " التجاعيد " ، وأنا رجلٌ لا يهابُ التجاعيدَ الجلديةِ بقدر خوفي من تجاعيدِ حروفي ، والتي تيبّست مُعظمها في العشرين حولٍ الماضية ، ولا زال عندي ثقةٌ في أن بعضَ التمارينِ الكتابيةِ والقليلِ من العلاجِ الطبيعي لأبجديتي ستُعيدها سيرتَها الأولي .
هي ذات الثقة التي مضيتُ بها في أزقةِ الحياةِ المتعرّجةِ بيني وبينك بمدها وجذرها وحُلوها ومُرها بينما في قرارةِ قلبي أعي أننا سنصلُ معاً للمحطةِ الأخيرة في قطار عمرينا .
" لم تعدْ أنت دارها ولم تعد تُشعرُها بالأمان " في تلك الليلة ارتجفت كعصفورٍ بلّله المطر ليكتشف بأنه وإن كان قادراً علي الطيران لكن قُطيراتاً من مطرِ الحقيقةِ تُقعدُه عاجزاً عن حتي مغادرة عُشه .
ما كنتُ أعرفُ وأنا أجُرّكِ من تحتِ عجلاتِ الزمان أننّي سأُلقي بكِ أمام قاطرةِ العشقِ فتدهسُكِ بلا هوادة لتنعجني بنكهةِ ثغري ، والذي لجَمتُه الصدمة فأخرس لساني في تلك الليلة وأنا ألمحُكِ تتمردين علي قلبي ، ربما أنا أسوأ رجلٍ في هذا العالم وربما أنا من سيثقُبني الغرور لكننّي أحبك وتلك الحقيقةُ الحياتية التي تيقنّتها وأنا في أعلي حالاتي المُتسلّطة لدفعك بعيداً عني .
ليس أثقلُ علي قلبِ المحبِ من أن يري حبيبهُ متمرّغاً في الحزنِ والاغتراب ، وليس أسهلُ عليه من الأنانيّة في السعادة ، أعرف أنك تُخبريني أنكِ بخير ، لكنكِ أبداً لم تكوني .
عزيزتي
وصلني خطابك والذي لم أعد أكترث لمعرفة رقمه لكثرتها ، وصرتُ متيقّناً من أنك لن تنسي ولو لمرةِ واحدة أن تذكريّني فيه بذكري هجري لكِ حتي أمسي تقويماً ميلادياً لحزنكِ ولقبح جُرمي في حق كلينا ولغصةٍ ومرارةٍ أنتِ لا تعرفين عنها شيئاً ، حتي لو أسررتُ لكِ بها ملايين المرات .
صرتُ في الخامسة والثلاثين ، وعليكِ ألا تصدّقي كذب الأعمار ، فأنا رجلٌ تجاوز الستين وإن استطاعت خلاياه الاحتفاظ بشبابها ، صرتُ أميل أكثر للانطواء والعزلة واحتساء أكواب القهوة المُرّة بشراهة وخفّفتُ من تدخيني للحد الذي لا يُصدَّق ، عاودتُ القراءةَ بنهم ومشاهدة الأفلام المُسلّية دون أن أسخرَ من تفاهةِ صانعيها أو تفاهتي لمُتابعتها ، غير أنّي أفشلُ كالعادة في كتابة صفحة كاملة في روايتنا
ستُهاتفيني وستبدأين ككل مرة بلومي لأنني تأخرتُ في الاتصال بك وسأبُرر ككل مرة أيضاً
وحينما تستشيطين غضباً ستُغلقين الخط وبعدها بلحظات ستصلني رسالتكِ " إنني أحبك ولا مزيد " إلا المزيد من حذفي من قوائم هاتفك وبرامج التواصل الاجتماعي ، وحين نعود لن أحكي لك عن مرارة ألم ذلك عليّ وسهولة ويُسر ذلك عليكِ ، إذ أنني قبل أن أُداهمكِ بالسؤال، لابد وأن أستعد للمزيدِ من الأسئلة منكِ ، بل عليّ أن أعرف الطريقة المُثلي " لإزاحة هذا الحزن البغيض عنك " ، وأنا وإن كنت " شيء " من الأشياء التي فقدتي فيها الثقة ، كي تُزحزح حزنك فلم لا يكون بُغضك للحزن ذاته دافعاً كافياً كي تمُدّي أنتِ ذراعيك فتُزيحيه
عزيزتي
لم أعد أكترث مَن مِن صديقاتك يمقُتني ، أو مَن منهن يتعاطف معي أو للإنصاف معنا ، ربما هن لا يدركن الحقيقة ، كما أن الحقيقة كالجمل قد تغيب لبعض الوقت أحياناً ، والجِمالُ وإن كانت سيرُها وئيداً لكنها تركضُ في اللحظات المناسبة كي تسبق كل الأحصنة حتي لو كان حصان طروادة المخادع
كيف أنظر في عيني امرأة أنا متيّقن أنني لم أعد مُخلّصها من الأحزان ، صدقيني لم أيأس بعد ولا زلت محاولاً ، فمن للحزن البغيض غيري ليزحزحه وأنا الذي رافقته لقرون مضت ، وأوجدته بساحات ياسمينك ، حتي صرنا كالبنفسج والذي يدعّي الفرح بينما يدرك الناس جميعاً بانه زهرُ حزين
عزيزتي
سأطلب منك أن تكوني بخير ، وسأحاول جاهداً أن أزحزح حزنك ، وسأبرر كالعادة تأخري في الاتصال ، وسأتابع – راضياً – اعجاب الصديقات بكلماتك لي ، وسأنتظر خطابك
ا ل ق ا د م