الكحالة تنكأ جراح السلاح.. حزب الله والهروب من المأزق
الخميس 2023/8/17
تشييع قتيل حزب الله في حادث الكحالة
تتدحرج كرة الأحداث في لبنان بين الحين والآخر إلى "سلاح حزب الله"؛ نقطة رئيسية يتجمع فيها الجدل السياسي، قبل أن يتفرع إلى عناصر أخرى.
وبروز قضية السلاح على السطح قد يحدث نتيجة تصريحات أحد الأطراف، أو حتى حادث غير منتظر، كانقلاب شاحنة محملة بالأسلحة التابعة لحزب الله قبل أيام وما تبعه من اشتباكات، أسفرت عن مقتل عنصر من الحزب، ومواطن مدني.
حادث مفاجئ حرك مجددا الجدل، لكن أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، حاول التركيز على نتائج الحادث وملابساته أكثر من فكرة السلاح ومدى شرعية وجوده خارج مؤسسات الدولة الرسمية.
هذا المسعى، دفع نائباً معارضاً ومحللاً سياسياً لبنانيين، للحديث عن تجاهل نصرالله، كل النقاشات اللبنانية حول سلاحه، والدعوات لحصر السلاح بالشرعية والمؤسسات الرسمية، ومحاولته "تضييق حادثة انقلاب الشاحنة قدر الإمكان".
وألقى نصر الله خطابا مساء الإثنين الماضي، بعد نقاشات شهدها لبنان إثر انقلاب الشاحنة المحملة بالسلاح ووقوع اشتباكات في نطاق الحادث ببلدة الكحالة، وحاول فيه تضييق الواقعة والتركيز على الحادث ونتائجه وضحاياه، وابتعد عن "المسببات"، ووجه اتهامات لقيادات وشخصيات سياسية وقناة إعلامية في المعارضة.
وجدل السلاح قديم في لبنان، إذ يطالب الكثير من أحزاب المعارضة بين الحين والآخر، بإخضاع سلاح حزب الله لسلطة الدولة وشرعيتها، لكن الحزب يقول إنه "جهة مقاومة"، ويتمسك بسلاحه.
"ليس جديدا"
ويقول عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب نزيه متى، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن النقاش الحالي حول سلاح حزب الله ليس الأول من نوعه.
وأضاف: "لطالما اعتدنا عند أي حدث أمني، إشارة حزب الله إلى أشياء أخرى بعيدة، لإبعاد الأنظار عن الحدث الحقيقي، وتضليل الرأي العام، وهذا ما قرأناه في خطاب نصر الله عند تعليقه على حادثة الشاحنة رغم خطورتها".
وكان نصر الله قال في خطابه، إن حادثة الشاحنة في منطقة الكحالة، بدأت "كحادثة عادية، حيث تتعرّض شاحنات كثيرة لحوادث تؤدي إلى انقلابها"، مضيفا أن الأمور "كانت طبيعية، وبقيت الشاحنة ثلاث ساعات من دون أي مشكلة إلى أن بدأت إحدى القنوات بالتحريض، فجاء عدد من الشبان واعتدوا على الشاحنة والفريق المرافق لها".
وشهد لبنان نقاشات سياسية رفيعة المستوى حول الاستراتيجية الدفاعية ومسألة السلاح في ٢٠٠٦ و2009، أي في عهدي الرئيسين إيميل لحود وميشال سليمان. وفي عهد الرئيس السابق ميشال عون، كانت هناك دعوات لعقد نقاشات رسمية، لكنها لم تر النور.
السياسي اللبناني رأى أن تحميل نصرالله مسؤولية حادث الشاحنة، لبعض وسائل الإعلام، "دليل على أنه لا يريد إعلاماً حراً، بل يريد إعلاما مقموعا أو موجها"، مضيفا "كل ما يهم حزب الله هو طمس الحقائق".
ولفت النائب اللبناني إلى أن "بيان حزب الله الخاص بالحادثة ألقى بالمسؤولية على عاتق وسائل الإعلام وأهالي منطقة الكحالة (موقع الحادث)، وبهذا الأسلوب يؤكد حزب الله يوما بعد يوم عدم اهتمامه ببناء الدولة ولا حتى بمؤسساتها"، وفق تعبيره.
حرية التنقل
وأوضح متى أنه "من الطبيعي ألا يتطرق نصر الله في خطابه إلى المعالجات الخاصة بموضوع السلاح"، لافتا إلى أن زعيم حزب الله "يعتبر أن من حقه التنقل بسلاحه على كامل الأراضي اللبنانية وبكل شوارع المدن والقرى بحرية دون حسيب أو رقيب".
ومضى قائلا "السلاح يجب أن يكون تحت إمرة الجيش اللبناني. السلاح المنفلت سيوصلنا إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها، والدليل على ذلك هو الأحداث التي تحصل على كامل الأراضي اللبنانية، وآخرها حادثة الكحالة إضافة إلى صراعات لا نهاية لها".
ورد النائب اللبناني على حديث نصرالله بأن الأهالي اعتدوا على الفريق المرافق للشاحنة، بسؤاله "هل شاهدت الفيديوهات الخاصة بالحادثة وخصوصا فرض حزب الله طوقا أمنيا على الشاحنة ومنع السكان من الاقتراب منها؟"
وتساءل أيضا "ألم تشاهد كيف بدأ عناصرك بإطلاق الرصاص في الهواء وباتجاه أهالي الكحالة العزل؟".
تأجيج وحرب أهلية
وحول اتهام نصر الله بعض القيادات المعارضة، بالسعي إلى تأجيج الأجواء والسعي إلى حرب أهلية، قال متى إن "ما قد يسبب الحرب الأهلية هو فائض القوة، والاستفزاز والتهديد والوعيد.. هذه هي العوامل التي تؤجج الحرب الأهلية".
وتابع: "في الحقيقة هناك فريق واحد في البلد لديه سلاح وهو حزب الله، ومن يهدد بالحرب الأهلية هو من اجتاح بيروت ودخل إلى بيوت الناس وانتهك حرماتها".
ومضى قائلا إن "الاتهامات التي يرميها حزب الله، على الناس مردودة جملة وتفصيلا وكما هو معلوم أن لديه نظامه العسكري ونظامه المصرفي وعلاقاته الخارجية الخاصة، هذا ما يؤدي إلى تدمير مؤسسات الدولة وبالتالي إلى تدمير لبنان".
و"حزب الله" هو الحزب اللبناني الوحيد الذي احتفظ بسلاحه منذ انتهاء الحرب الأهلية في لبنان عام 1990، بدعوى مقاومة إسرائيل من جهة الجنوب اللبناني.
لا وعود بالمعالجة
وبعيدا عن سجال الحزب والمعارضة، كان لافتا، وفق مراقبين، أن نصر الله لم يقدم معالجة مشكلة الشاحنة والأحداث التي تلتها، وهذا ما زاد من حملة الانتقادات لحزب الله وسلاحه، خاصة وأنه ألقى المسؤولية على قناة إعلامية مؤيدة للمعارضة من دون أن يقدم أجوبة على سيل من الأسئلة التي طرحها خصومه السياسيون.
ويرى المحلل السياسي وناشر موقع "الكلمة أونلاين" سيمون أبو فاضل في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "نصرالله ينطلق في تصريحاته وخطاباته من موقع أنه حاكم البلد"، وأنه "يعطي رأيه فيما يحدث ويرفض أي كلام عن موضوع سلاحه، ويتجاهل كل ما يحصل من ردات فعل على تجاوزات وأخطاء حزب الله".
وتابع: "هذا الموضوع مستمر منذ فترة طويلة، ويجب إيجاد حالة سياسية جامعة لتوسيع وتوحيد حالة الرفض له"، مضيفا أن نصرالله "لا يريد تقديم معالجات للحادثة، فهو يرفض تحديد مسار الشاحنة وهدفها، وغيرها من الأمور الضرورية لفهم الحادث".
وأوضح أبو فاضل أن نصر الله "يرى أن الحزب معتدى عليه في الكحالة، ويرى الحزب واقعاً شرعياً يشبه القوى الأمنية والعسكرية الشرعية، وسقوط قتيل من عناصره في الحادث، هو تعدٍ عليه".
وحول اتهام حزب الله، قناة معارضة بالتحريض، قال المحلل اللبناني، إن ذلك "تجنّ وقمع إعلامي؛ فكل مؤسسة تضيء تجاوزات وأخطاء الحزب، يسعى الأخير إلى تطويقها".