منقول من الصباح


عمانوئيل كانت (Emmanuel Kant ) فيلسوف بروسي (ألماني) ولد في كنجسبرج والتحق بمعهد فريدريك الديني في العام 1732، وفي العام 1740 التحق بجامعة كنجسبيرج


درس اللاتينية والأدب في المعهد ودرس الفلسفة والرياضيات وعلوم الدين والفيزياء في الجامعة. وفي العام 1755 حصل على شهادة الماجستير وعمل مدرسا في الجامعة التي تخرج منها. بقي مدرسا مدة خمسة عشر عاما قام خلالها بتدريس العديد من المواضيع ومن ضمنها الميتافيزيقا والمنطق والرياضيات وعلم الأخلاق، وفشل في ان يصبح أستاذا حتى العام 1770 حين فرغ كرسي المنطق والميتافيزيقا وعين فيه. استمر بالعمل في الجامعة حتى العام 1796.اصبح عضوا في مجلس الشيوخ الأكاديمي في العام 1780. وفي العام 1787 صار عضوا في الأكاديمية الملكية للعلوم في برلين.توفي في عام 1804 ودفن في قبو الأساتذة في مقبرة الجامعة. ومن ثم أقيم له ضريح في العام 1880 ونقشت على جداره عبارته الشهيرة التي أنهى بها كتابه "نقد العقل العملي": "السماء المرصعة بالنجوم من فوقي والقانون الأخلاقي في باطن نفسي".كان كانت ذا نزعة عقلية واهتم بالعلوم الطبيعية التجريبية، لكنه اتخذها منطلقا من أجل تكوين نظرة فلسفية شاملة للكون ولما نعرفه عنه. وقد انتقل إلى تحليل المعاني العقلية المجردة (التصورات). وكان إيمانه بقدرة العقل شديدا جدا إلى حد اعتبر معه ان إمكانية المعرفة العقلية غير محدودة.
سؤال التنوير
أجاب عمانوئيل كانت عن سؤال ما هو التنوير؟ بقوله:" إنه خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد." كما عرَّف القصور العقلي على أنه "التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصي أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار بدون استشارة الشخص الوصي علينا." ومن هذا المنظور جاءت صرخته التنويرية لتقول: "اعملوا عقولكم أيها البشر! لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم! فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب. تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر. فالله زودكم بعقول وينبغي أن تستخدموها. لكن كانت لم يفهم التنوير نقيضاً للإيمان أو للاعتقاد الديني، وإنما شدد على أن "حدود العقل تبتدئ حدود الإيمان". كما حذر من الطاعة العمياء للقادة أو لرجال الدين كما حصل في دولة بروسيا لاحقاً.
صانع الحداثة
ويعد الفلاسفة المحدثون ان (عمانوئيل كانت) هو واحد من صانعي الحداثة التي بدأت تغزو أوروبا ابتداء من المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر. ويقول لوك فيري، الذي كان استاذا للفلسفة قبل ان يصبح وزيرا للتربية والتعليم في حكومة الرئيس الفرنسي جاك شيراك، ان حداثة كانت التي تجعله حاضرا الى حدّ هذه الساعة، تتمثل في دفاعه عن اللائكية، وفي تمسكه بها. ويضيف قائلا: "إن كانت هو مفكر اوروبا، هذه التي كانت قارة الأمم المسيحية، والتي ستصبح قارة اللائكية. ليس بمعنى "الحجاب الإسلامي"، لكن بمعنى نهاية سلطة الديني والسياسي، والفصل بين النظام القضائي والنظام الديني، وايضا بمعنى ما يميّزنا جوهرياً عن البلدان الإسلامية، وعن كل الحضارات السابقة للحداثة. ان كانت يدعونا ان نفكر ليس فقط في السياسة وفي القانون، إنما ايضا في الاستيتيقا وفي الثقافة، بمعزل عن أي انحراف من النوع اللاهوتي، لهذا هو فيلسوف الحداثة “.
كانت والعقل
حوى كتاب (نقد العقل الخالص) خلاصة تجربة عمانوئيل كانت الفلسفية وأدى إلى تغيير خارطة أوروبا الفكرية والفلسفية. اذ انتهت فلسفة التنوير التي كانت سائدة قبل كانت إلى تأييد كامل للعقل ومن ثم تأييد المذهب المادي على إثره وبالمقابل فقد نهض الدين والعقائد في أوروبا التي كانت تتلقى ضربات العقل لتطالب بإستجواب هذا العقل المحض الذي أجهضها بتقديسه للمادة بوصفها الأساس في كل شيء، استجوابات من قبيل التساؤل عن إن كان هذا الحاكم مطلق الحقيقة ومنزهاً عن الزلل أم أنه كباقي الأعضاء الإنسانية محدود بحدوده التي لايستطيع أن يتعداها.
ميز عمانوئيل كانت في نقد العقل الخالص بين مصدرين أساسيين تتدفق منهما المعرفة ونقصد الحساسية والذهن. تتضمن الحساسية القوة على استقبال تمثلات الموضوع أو الظاهرة بوصفها حدساً تجريبياً. وتصير الموضوعات معطيات للحدس عن طريق الحساسية. فالحدوس التجريبية عند كانط هي تلك التي ترتبط بالموضوع عن طريق الحساسية؛ وكل حدس تجريبي لموضوع معين له ظاهر والذي يعد موضوعها غير المحدد
أدى كتاب عمانوئيل كانت (نقد العقل الخالص) بفلاسفة مشهورين كانوا قد سلموا بمطلقية العقل النظري وسيادة أحكامه إلى تغيير آرائهم بصورة تامة بعد قراءته ، إذ سلم نيتشه بكل ما في ثنايا الكتاب واعتبرما جاء به من ثورة عقلية قضية مسلماً بها، أماشوبنهور فقد اعتبرالكتاب على أنه أعظم ما أنتجه الأدب الألماني وأكثره شهرة ، وكان له رأي مشهورمفاده أن الإنسان يبقى طفلاً في معرفته حتى يقرأ كانت ويفهمه، وأتى هيجل بعدهم ليربط الفلسفة كلها بمعرفة كانت إذ قال: (لكي يكون المرء فيلسوفاً فلا بد من أن يدرس كانت).
المجتمع المدني
اهتم كانت بموضوعة المجتمع المدني وعلاقته بالدولة ، اذ يمكن اعتبار "كانت" المؤسس لاتجاه جديد في العلاقة بين الدولة والمجتمع يعتمد ثلاثة أسس تركت أثرها في الثقافة والمجتمع الغربيين وبعدها على الصعيد العالمي:
الأول: اعتبار الدولة لاعبا رئيساً ولكن غير وحيد، الأفراد والجماعات خارجها طرف أساسي في حاضر ومستقبل الناس.
الثاني: هناك قيم عالمية مشتركة (حقوق الإنسان، السلام، تقرير المصير) على الجماعة الدولية بكل مكوناتها احترامها.
الثالث: كما أن هناك مصالح للدول، هناك مصالح مشتركة تعني الجنس البشري بأكمله.
في 1793 أيضا، حدد "عمانوئيل كانت" المواطنة بامتلاك الحقوق المدنية التي يضمنها وضع البرجوازية، فقط سيد القرار وغير التابع اقتصاديا يمكن وصفه
مواطنا حرا، فالاستقلال الاقتصادي يمنح المواطنة ويستثنى من هذه القاعدة النساء والأطفال.