وصــــــــايـــــــا النبـــــــى صلـــــى اللــــه عليــــه وسلــــــم

التحذير من الغـــــش
عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال :" ما هذا يا صاحب الطعام ؟ "
قال : أصابته السماء يا رسول الله .
قال :"أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ، من غشنا فليس منا"
الغش مرض ملعون . . إذا تخلل جسم مجتمع تآكلت أطرافه . . وتصدع بنيانه . .وكان عاقبة أمره خسرا . فالغش لا يظهر إلا في مجتمع أصابه اعتلال في الضمير . . وضمور في الإيمان ؟ وحقيق بمن هذا حاله أن يطرد من صفوف المؤمنين : " من غشنا فليس منا " . إنه إعلان حرب على الضمائر الفاسدة . . والنفوس العفنة . . التي لا تراقب ربها سرا ولا علانية . إنه تحذير لكل من تسول له نفسه الخبيثة غش المسلمين وخداعهم وأكل أموالهم بالباطل . فهل من عاقل ؟ ! . "ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العلمين ". إن المكر والخديعة ، والخيانة في النار !

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " من غشنا فليس من ، والمكر والخداع في النار " .
فأين يذهب هؤلاء . . والله رقيب عليهم . . وكتابهم لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها . . " وكل صغير وكبير مستطر " .
أخي المسلم : ودائرة الغش واسعة . . ولها عدة أشكال وألوان ، منها :
1ـ غش الإمام الرعية :
عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : " ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت يوم ، وهو غاش رعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة " . وعن رواية : " فلم يحطها بنصحه لم يرح رائحة الجنة " .

2ـ الغش في البيع والشراء والميزان :
ويشمل كل بيع وشراء . . ولا يتوقف على الطعام والراب وفقط :
فعن أبى سباع ، قال : اشتريت ناقة من دار " واثلة بن الأسقع رضي الله عنه " ، فلما خرجت بها أدركني يجر إزاره
فقال : اشتريت ؟
قلت : نعم .
قال : بين لك ما فيها ؟
قلت : وما فيها ؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة .
قال : أردت بها سفرا أو أردت بها لحما .
قلت : أردت بها الحج .
قال : ارتجعها .
فقال صاحبها : ما أردت إلى هذا أصلحك الله تفسد على ؟
قال : إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : " لا يحل لأحد أن يبيع شيئا إلا بين ما فيه ، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه " .

نعم يا سيدي ، فالمؤمنون ، فالمؤمن بعضهم لبعض نصحة وادون وإن بعدت منازلهم وأبدانهم ، والفجرة بعضهم لبعض غششة متخاونون وإن اقتربت منازلهم وأبدانهم .
مر أبو هريرة رضي الله عنه بناحية " الحرة " فإذا إنسان يحمل لبنا يبيعه فنظر إليه أبو هريرة فإذا هو قد خلطه بالماء !! فقال له أبو هريرة : كيف بك إذا قيل لك يوم القيامة خلص الماء من اللبن ؟!
وخرج النبي صلي الله عليه وسلم إلى السوق فرأى طعاما مصبرا فأدخل يده فيه فأخرج طعاما رطبا قد أصابته السماء فقال لصاحبه : " ما حملك على هذا ؟ ".
قال : والذي بعثك بالحق إنه لطعام واحد .
قال : " أفلا عزلت الرطب على حدته ، واليابس على حدته فتتبايعون ما تعرفون من غشنا فليس منا " .
وروى أحمد والبزار والطبراني : مر رسول الله صلي الله عليه وسلم بطعام وقد حسنه صاحبه فأدخل يده فيه ، فإذا الطعام رديء، فقال : "بع هذا على حدة فمن غشنا فليس منا " .
وقال نافع : كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول : "اتق الله وأوف الكيل والوزن ، فإن المطففين يوقفون حتى أن العرق ليلجمهم إلى أتصاف آذانهم " .
وكان " بعض السلف " يقول : " ويل لمن بحبة يعطيها ناقصة جنة عرضها السماوات والأرض ، وويح لمن يشترى الويل بحبة يأخذها زائدة " .
قال تعالى : " ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناي لرب العالمين " .
قال الأمام السدى :" قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم المدينة وبها رجل يقال له "أبو جهينة " ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية " .

قال بعضهم : " دخلت على مريض وقد نزل به الموت ، فجعلت ألقنه الشهادة ولسانه لا ينطق بها فلما أفاق قلت له : يا أخي ، ما لي ألقنك الشهادة ولسانك لا ينطق بها ؟!
قال : يا أخي لسان الميزان على لساني يمنعني من النطق بها !
فقلت له : بالله أكنت تزن ناقصا ؟
قال : لا والله ، ولكن ما كنت أقف مدة لأختبر صحة ميزاني ! "

عن "مالك بن دينار " قال : " دخلت على جار لي ، وقد نزل به الموت ، وهو يقول : جبلين من نار ، جبلين من نار
قلت : ما تقول ؟
قال : يا أبا يحيى ، كان لي مكيالان أكيل بأحدهما وأكتال بالآخر .
قال مالك : فقمت ، فجعلت أضرب أحدهما بالآخر! .
فقال : يا أبا يحيى ، كلما ضربت أحدهما بالآخر ازداد الأمر عظما وشدة ، فمات في مرضه ! ! " .
أخي : ولو تأمل الغشاش الخائن الآكل أموال الناس بالباطل ما جاء في إثم ذلك في القرآن والسنة لربما انزجر عن ذلك أو عن بعضه ، ولو يكن من عقابه إلا قوله صلي الله عليه وسلم :" إنه لا دين لمن لا أمانة له " .
وقوله صلي الله عليه وسلم : " لا تزال قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ،وعن علمه ماذا عمل فيه " .
وقوله صلي الله عليه وسلم : " من اكتسب في الدنيا مالا من غير حله وأنفقه ، في غير حقه أورده دار الهوان ، ثم رب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة
يقول الله :" كلما خبت زدناهم سعيرا " .
وقوله صلي اله عليه وسلم ـ في الحديث الذي رواه ثوبان ـ : " يؤتى يوم القيامة بأناس معهم من الحسنات كأمثال جبال تهامة حتى إذا جيء بهم جعلها الله هباء منثورا ثم يقذف بهم في النار " .
قيل : يا رسول الله كيف ذلك ؟
قال : " كانوا يصلون ويركزون ويصومون ويحجون غير أنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه فأحبط الله أعمالهم " .

فتأمل ذلك أيها الماكر المخادع الغشاش الآكل أموال الناس بتلك البيوعات الباطلة . والتجارات الفاسدة تعلم أنه لا صلاة لك ولا زكاة ولا صوم ولا حج كما جاء عن الذي لا ينطق عن الهوى ، وليتأمل الغشاش بخصوصه قوله صلي الله عليه وسلم : " من غشنا فليس منا " يعلم أن الغش عظيم وأن عاقبته وخيمة ، فإنه ربما أدى إلى الخروج عن الإسلام والعياذ بالله تعالى ، فإن الغالب أنه صلي الله عليه وسلم لا يقول ليس من إلا في شيء قبيح جدا يؤدى بصاحبه إلى أمر خطير ويخشى منه الكفر . وليتأمل الغشاش ـ أيضا ـ لا سيما التجار والعطارون وغيرهم ممن يجعل في بضاعته غشا يخفي على المشترى حتى يقع فيه من غير أن يشعر ولو علم ذلك الغش فيه لما اشتراه بذلك الثمن أصلا .

والأحاديث في الغش والتحذير منه كثيرة مر منها جملة فمن تأملها ووقفه الله لفهمها والعمل بها انكف عن الغش وعلم عظيم قبحه وخطره ، وأن الله تعالى لا بد وأن يمحق ما حصله الغاشون بغشهم. فعن أبى هريرة رضي الله عه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " إن رجلا حمل معه خمرا في سفينة ، ومعه قرد قال : فكان الرجل إذا باع الخمر شابه بالماء ثم باعه قال : فأخذ القرد الكيس ، فصعد به فوق الدقل . قال : فجعل يطرح دينارا في البحر ، ودينارا في السفينة حتى قسمه ".
فالسعيد من وعظ بغيره . . والعاقل من اتقي الله تعالى وعلم أن الدنيا فانية وأن الحساب واقع على النقير والفتيل والقطمير " ولا يظلم ربك أحدا " .

3ـ الغش في الامتحان :
الغش في الامتحان . . مرض العصر . . ووباء الوقت . . الذي عم وطم . .
واعتقد الناس حلالا !! واستندوا لمعاذير أوهي من بيت العنكبوت ، مع أن مفاسده لا تخفي على ذوى العقول القويمة . . والفطر السليمة ، فمن مفاسده :
· إعانة الطالب على الانحراف ، وتشجيعه على الإهمال ، والاعتماد على الغير .
· فقدان الثقة في المدرس " القدوة " الذي سهل له طريق الغش .
· تخريج دفعات " فاشلة " لا ترفع للأمة رأسا .
· إعانة الطالب على التهاون بالمدرسة والدراسة والقائمين عليها .
· مساواة الطالب المجتهد بالطالب الفاشل . . وهذا يهز ميزان العدالة في الأرض .
· إعانة المدرس على إهمال الشرح طوال العام ، معتمدا على غش الطالب أخر العام ، وغير ذلك من المفاسد .


ولا يلتفت لقول بعض الجاهلين :" المساواة في الظلم عدل " .. فالمساواة في الظلم ، أظلم الظلم . . وليت شعري ، كيف يكون الظلم عدلا ؟ !!
وفي الحديث : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " .
وقال ابن مسعود : " لا يكن أحدكم إمعة ، يقول : إن أحسن الناس أحسنت ، وإن أساءوا أساءت . . ولكن وطنوا أنفسكم ، وإن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساءوا فاجتنبوا إساءتهم" .
فتوى لفضيلة الشيخ / عطية صقر ـ رئيس لجنة الفتوى بالأزهر ـ " :
سئل فضيلته :
ما حكم الدين في محاولات الطلاب للغش أثناء الامتحانات ، وهل يجوز للملاحظين أن يساعدوهم نظرا لصعوبة الامتحان ؟ .
الجواب :
" من المقرر أن الغش في أي شيء حرام ، والحديث واضح في ذلك " من غشنا فليس منا " رواه مسلم ، وهو حكم عام لكل شيء فيه ما يخالف الحقيقة ، فالذي يغش ارتكب معصيتة والذي يساعده على لكل الغش شريك له في الإثم ، ولا يصح أن تكون صعوبة الامتحان مبررة للغش ، فقد جعل الامتحان لتمييز المجتهد من غيره ، والدين لا سوى بينهما في المعاملة ، وكذلك العقل السليم لا يرضى بهذه التسوية . قال تعالى : " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " .

وبخصوص العلم قال : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " . وانتشار الغش في الامتحانات وغيرها رذيلة من أخطر الرذائل على المجتمع ، حيث يسود فيه الباطل وينحسر الحق ، ولا يعيش مجتمع بانقلاب الموازين التي تسند فيه الأمور إلى غير أهلها وهو ضياع للأمانة ، وأحد علامات الساعة كما صح في الحديث الشريف . والذي تولى عملا يحتاج إلى مؤهل يشهد بكفاءته ، وقد نال الشهادة بالغش يحرم عليه ما كسبه من وراء ذلك ، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به ، وقد يصدق عليه قول الله تعالى : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " .

وإذا كان قد أدي عملا فله أجر عمله كجهد بذله أي عامل ، وليس مرتبطا بقيمة المؤهل ، وهو ما يعرف بأجر المثل في الإجارة الفاسدة ، وما وراء ذلك فهو حرام " .

صور ومواقف من ورع الصالحين
وعلى السطور القادمة . . نقدم نماذج مضيئة من حياة الصالحين وورعهم :
محمد بن سيرين صاحب الضمير اليقظ قال الذهبي : " وقد وقف على ابن سيرين دين كثير من أجل زيت كثير أراقه ، لكونه وجد في بعض الظروف فأرة !! ".
أبو بكر الثقفي .. صحابي جليل
عن الحكم بن الأعراج ، قال : " جلب رجل خشبا ، فطلبه زياد ـ أمير البصرة ـ فأبي أن يبيعه ، فغصبه إياه ، وبني صفة مسجد البصرة . قال : فلم يصل أبو بكر فيها حتى قلعت !!" . يا رجال . . إلى هذا الحد تخالفون ؟! ولم لا ؟! ألستم أصحاب رسول الله ؟! قال طاووس : " مثل الإسلام كمثل شجرة ، فأصلها الشهادة ، وساقها كذا وكذا ، وورقها كذا ـ شيء سماه ـ وثمرها الورع ، لا خير في شجرة لا ثمر لها ، ولا خير في إنسان لا ورع فيه " .
كهمس : العابد الورع
قال الذهبي :" قيل : أن كهمسا سقط منه دينار ، ففتش ، فلقيه ، فلم يأخذه ، وقال : لعله غيره !!" .
مجمع التيمى : آية في الورع
قال سفيان بن مسعر :" جاء مجمع التيمى بشاة يبيعها ، فقال :إني أحسب أو أظن في لبنها ملوحة " . هكذا كانوا يتعاملون . . استقامت قلوبهم فقومت جوارحهم .
قال سيفان ـ رحمه الله تعالى ـ :" عليك بالزهد يبصرك الله عورات الدنيا ، وعليك بالورع يخفف الله حسابك ، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك " .

أخي المسلم :
هذه بعض أحوال الصالحين في "الورع " . . كانوا يعلمون أن الدينار والدرهم أزمة المنافقين ، بها يقادون إلى السوءات . وكانوا يعرفون أن أبناء الدنيا يرضعونها ، لا ينفطمون عن رضاعها فأخذوا حذرهم منها . . وتركوها قبل أن تتركهم . فكن أخا الإسلام على طريق القوم . . وبهداهم اقتده . عن جندب بن عبد الله ، قال :قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " من استطاع منكم ألا يجعل في بطنه إلا طيبا فليفعل ، فإن أول ما بين من الإنسان بطنه " .

بارك الله فيكم