الجاهلية والحنين لزمن الذل
اسعد عبدالله عبدعلي

عالم الباص هو عالم مصغر لما نعيش فيه, حيث نجلس مع عينات مختلفة من المجتمع, ونسمع صوتها, شكواها, احلامها, وبعض جنونها, لذلك ننصت لنعرف اين وصل المجتمع, واحاول هنا توثيق ما نسمع من أصوات وأفكار تتبعثر بين كراسي الباص, يوم الاحد المصادف 6-8-2023 صعدت الباص المتوجه من حي العبيدي باتجاه بغداد الجديدة عند الساعة الثامنة صباحا, كان في الكراسي الخلفية شابان يتناقشان حول الشأن السياسي, وكان نقاشهم بصوت مرتفع, قد يكون السبب محاولة للفت الانتباه والاهتمام, وقد يكون لعقد نفسية متحكمة بذاته, لذلك يلجأون للصراخ للتنفيس عن العوق الداخلي, وقد يكون تجنيد من قبل جهات لنشر الأفكار الغبية داخل المجتمع. كان نقاش حول كيفية إصلاح حال البلاد والنهوض به, مع جبل الخيبات الكبير الذي نعيشه.

· نحتاج قائد طاغوتي ومتجبر
بدا الاول بطرح فكرة وهي: “ان العراق بحاجة لحاكم دكتاتور متجبر طاغية, كي نقضي على الفساد, ويصبح العراق اكثر امانا”, انه الحنين لزمن الذل الذي تعبر عنه فئة من المجتمع, والتي لا تعرف العيش بحرية, وبغياب لطاغوت يهينها, لذلك تعبر عن الحلم الذي تنتظره وهو طاغوت جديد يسيطر على البلد ويوزع الذل على الشعب. لذلك نجدهم يحترمون من لا يحترمهم, ويسيرون خلف كل مجرم, ويعظمون كل من يتجاوز القانون ويعتبروه رجلا فحلا شديد الذكورة, ولا قيمة عندهم للاخلاق والقيم الانسانية, بل المبادئ هي ما يفعله الطاغوت, وما اكثر هذه الفئة التي تعبر عن شوقها للذل يوميا في الباص, كأنها منظمة لنشر أفكارها داخل المجتمع.

· الشعب كله اكل حرام
كان اثنان يتناقشان حول أسباب تأخر البلد, وتسلط من لا يعمل للوطن طيلة 19 عام بعد زوال العفالقة فقال أحدهم : “الشعب كله اكل حرام, والشعب كله فاسد, والله يعطينا حكام على قدر أعمال الشعب, لذلك لن ينصلح حال البلد ابدا”, وكان الآخر موافق لكلامه ويؤيده. لغة التعميم لا يستعملها الا الجهال, وهي لغة ظالمة تجمع الفاسد بالصالح, وتوجه التهم للكل وليس للظالم فقط, فاذا اردت ان تعرف الشخص المتكلم فانتبه لطريقة كلامه, فإن كان ممن يعمم فاعرف انه جاهل, وهذه الفئة في تكاثر عجيب مما يدلل على توسع الجهل في المجتمع, وهو هدف أساسي لبعض مكونات نظامنا السياسي الذي يزدهر عمله كلما ارتفعت نسبة الجهل الاجتماعي, لذلك نجد الخرافة والاسطورة لها سوق رائج وتصبح عند البعض حقيقة مطلقة يقاتل الاخر عليها.

· خرافة الزمن الجميل
صعدت من كراج بغداد الجديدة متوجها الى باب المعظم, وما ان تحرك حتى بدا عجوز ذو شارب كث يتكلم عن زمن صدام ويقارنه بالزمن الحالي, فيقول:” كان العراق له هيبة كل الدول تخافه! وكانت الحصة التموينية الافضل في العالم! وجعلت العراقي لا يحتاج السوق! وكان الامان منتشر بسبب قوة صدام ونظامه العادل! وبقي غارق بهذه الاسطوانة العتيقة التي يرددها البعثية في الاماكن العامة بهدف جعلها ثقافة وحقيقة تجعل المواطن غير الواعي يؤمن بها, فخطاب بقايا البعث والعابثين هو تدمير الحاضر بأي وسيلة ممكنة.

في تلك اللحظة لم يسكت من في الباص, فكثر اللغط حتى قال شاب بصوت عال: “يا حاج انك تروج لحزب البعث المحظور, وهذا يدخلك في قانون الإرهاب, ويجب أن نسلمك لاقرب سيطرة”… فضحك كل من في الباص, وارتعد خوفا العجوز وتكلم محاولا تغيير الوضع المخيف الذي سقط فيه .. فقال: “كنت فقط امازحكم اي زمن جميل بل كان زمن الذل والعار والف لعنة على روح صدام المجرم”.

نعم الكثيرون يرجون لزمن عار العراق (صدام) ويعتبروه الزمن الجميل في اكذوبة الهدف منها تدمير الذاكرة العراقي وتشكيل وعي منحرف يقبل رجوع بقايا حزب البعث المجرم.