تعريف اقتصاد السوقلم يعد مصطلح السوق يعني المكان الذي تباع فيه السلع وتشترى كما هو الحال في سوق الملابس أو سوق اللحوم، ولا يعني المراحل التي تمر بها السلع بين المنتج والمستهلك أقنية التسويق، بل يعني الطريقة المجردة التي تتم بموجبها عمليات بيع السلع وشرائها وتحديد أسعارها. وباستخدام المصطلح بهذا المعنى فإنه ينطبق على القرارات التي لا حصر لها والتي يتخذها منتجو السلعة الذين يخلقون العرض، ومستهلكو السلعة الذين يخلقون الطلب، والتي تسهم في تحديد مستوى سعر السلعة. ينطبق مصطلح السوق على قرارات الإنتاج والاستهلاك التي تتخذها الأسر والأفراد والتي تسفر مؤثراتها المشتركة عن تعيين سعر السوق للسلعة.
يدل التعريف على أن مصطلح السوق مفصول عن أية تغطية جغرافية معينة. إذ إن المجال الجغرافي للمصطلح يعتمد على السياق الذي يستخدم فيه، فربما ينطبق على الوضع المحلي في جزء ما من الاقتصاد الريفي أو ربما ينطبق على الدولة كلها، أو على المنطقة، أو حتى على الاقتصاد العالمي. وهكذا فإن عبارة السوق العالمية تنطبق على عملية تشكل السعر على الصعيد العالمي للسلع التي خضعت للعمليات التجارية بين دول العالم.
تعمل الأسواق بطرق عدة بحسب عدد المساهمين على كل جانب من جوانب السوق وحجم هذه المساهمة، وبحسب كفاءة انسياب المعلومات بين المشترين والبائعين، وبحسب البنية التحتية الطبيعية كالطرق والسكك الحديدية، التي تنقل بوساطتها السلع، ويستخدم الاقتصاديون مصطلح السوق التنافسي لوصف الحالة التي يوجد فيها بائعون ومشترون كثر، كل منهم صغير بمفرده بحيث لا يؤثر مباشرة على سعر السوق.
أما مصطلح السوق الناقصة أو مصطلح فشل السوق فهو يعني أن بعض مكونات الوضع التنافسي في السوق غائب، فعلى سبيل المثال، يمكن لمشتر أو بائع واحد كبير جداً، أن يؤثر مباشرة على سعر السوق بقرارات بيع أو شراء يتخذها، وهذه حالة تعرف بـ الاحتكار. كما أن المعلومات حول الأسعار واتجاهاتها يمكن أن توزع بشكل غير متساو، الأمر الذي يصب في صالح بعض المشتركين في السوق دون سواهم. وكذلك يمكن للأسواق أن تتجزأ بسبب سوء وسائل النقل والاتصالات، أو يمكن أن تختفي بسبب ارتفاع تكاليف المعاملات التجارية وفشل تبادل المعلومات وأسباب أخرى. "
- آليات السوق:
تقوم فلسفة السوق كما هو معروف في الاقتصاد السياسي على عدد من الفرضيات أهمها :
1. وجود اقتصاد يقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، والتخصص وتقسيم العمل، والتبادل النقدي السلعي على نطاق واسع.
2. يتيح هذا الاقتصاد حرية التملك والعمل والإنتاج والتحول والتنقل والتبادل، من خلال مؤسساته القائمة وتنظيماته والتشريعات والقوانين النافذة.
3. كما يتيح حرية اتخاذ القرارات بما يهيئه من إمكانية وحرية للاختيار. (2)
4. وحتى تكتمل هذه الفرضيات فإن مفهوم السوق يستند إلى مبدأ كمال السوق، وهذا المبدأ يعني سيادة الحالة الطبيعية للسوق، وهي ظروف المنافسة الكاملة كشرط أساسي لعمل آلياته بكفاءة.
(هذه الفرضيات النظرية الاقتصادية النيوكلاسيكية. والتي تأسيساً عليها قدمت بناءها حول عمل آليات السوق والذي يتمثل في مجموعة من القوانين المفسرة لسلوك المنتج الفرد والمستهلك الفرد، وفي تفاعل قوى العرض والطلب من أجل بلوغ الأسعار التوازنية على مستوى السلعة والسوق. كما قدمت تصوراً للرفاهية الاجتماعية مبنياً على هذه القوانين الجزئية. كما قدمت مفهوماً معمماً للكفاءة في توظيف واستخدام الموارد وعوامل الإنتاج وفي توزيع عائد العملية الإنتاجية). (3)
ووجدت النظرية الاقتصادية النيوكلاسيكية أن في سعي المنتجين لتحقيق أعلى ربح ممكن، وسعي المستهلكين لتحقيق أقصى إشباع ممكن في حدود الإمكانات المتاحة، يمكن تحقيق أفضل استخدام للموارد وأفضل توزيع لعائد العملية الإنتاجية بين من اشترك بهذه العملية. وهذا ما يسمى بعمل اليد الخفية في اقتصاد السوق. فهل هذا صحيح ؟
إن تقييم النموذج التاريخي للنمو الرأسمالي، وفقاً لآليات السوق يبرز لنا ظاهرتين أساسيتين هما : (4) الأولى – إهدار الموارد المتاحة. الثانية – تدمير البيئة نتيجة الاستخدام الجائر. وهذان الأثران نتيجة طبيعية للعمل وفقاً لمعيار السعي لتحقيق أقصى ربح ممكن، وهو المعيار الرئيسي في ظل اقتصاد السوق. بل أكثر من ذلك فإن السعي لتحقيق أعلى ربح ممكن قد لعب ويلعب باستمرار دوراً بارزاً في تشكيل فنون الإنتاج بما يتلاءم مع هذا القانون، وليس بما يتلاءم مع حماية البيئة أو مع احتياجات المجتمعات والتنمية المستدامة فيها.
لو قبلنا بالصحة النظرية لمفهوم السوق النيوكلاسيكي وآليات عمله في دول المركز والدول الرأسمالية المتقدمة (وهي أحياناً أمور تحتاج إلى إقامة الدليل عليها والبرهان)، فإلى أي مدى يمكن قبول وتطبيق نفس المفهوم ونفس الآليات بالنسبة للدول الأخرى كالدول النامية ؟
إن تطبيق وتقبل آليات السوق يرتبط بعدد من العوامل أهمها :
1 ـ مدى واقعية شروط السوق.
2 ـ الإطار الاجتماعي والاقتصادي لهذا السوق.
3 ـ تقسيم العمل الدولي وتنظيم الأسواق العالمية.
4 ـ أسلوب إدارة الاقتصاد الوطني.
5 ـ البنية الاقتصادية والاجتماعية الفعلية لكل دولة عربية، وللدول العربية مجتمعة.
الجدير بالذكر أن كفاءة عمل آليات السوق رهن بطبيعة هذا السوق وخصائصه ودرجة اتساعه ونماء مؤسساته.
إن اقتصاد السوق لا يعني ترك إدارة النشاط الاقتصادي أو غالبيته للقطاع الخاص، وإنما هو نظام متكامل بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويفترض توفر المعلومات وسرعة وحرية تداولها. كما يفترض أن تكون الأسواق حرة، والوصول إليها متاحاً لجميع الناس. كما أن وجود نظام السوق يجب أن يتيح المنافسة.