وا حسرتاهُ على بغداد


شعر عادل الشرقي



أقولُ والنارُ تسري في شعابِ دمي

وا حسرتاهُ على بغداد وا ألمي

وا لوعتي من سكاكينٍ تُمزّقُها

كي لا يُرى من عُراها أيُّ مُرتسمِ

ووا دماءَ العراقيين كم هُرقت

على أديمِ الأسى والنارِ والعدمِ؟

ووا بكائي ووا حُزني على بلدٍ

كان اسمُهُ عندما أتلوهُ ملءَ فمي

فهو العراقُ الذي كانت مضائفُه

تفيضُ أركانُها بالخيرِ والنّعَمِ

وهو العراقُ الذي قد كان مِربدُه

يفوحُ بالشعرِ والإبداعِ والنغمِ

وهو العراقُ الذي ناحت لنكبتِهِ

عينُ الرجالِ وما نامت ولم تنمِ

ياسائلينَ دعوني أشتكي عطشي

فإن قلبي لأهلي في العراق ظَمي

وإن قلبي حريقٌ ليس يطفئه

إلاّ قيامُك يابغداد فلتقُمــي

وفجري الأرضَ بركانا تموج به

أجسادُهم مثلَ موجِ النارِ في الحممِ

ضاقَ الخناقُ عليهم فامنعي دمَهم

من أن يفرَّ كجنحِ اللّيلِ في الظُلَمِ

هاقد تدحرجَ في الأنقاضِ مُنكسِرا

بوشُ المخاتلُ حتى ديسَ بالقد مِ

مودّعاً بحذاءٍ صاغَ منتظرٌ

طريقَهُ نحو وجهٍ قـُدّ من سُدُم

فكلّما مرّ قومٌ قال قائلُهم :

هذا الذي حينَ ولّى بالحذاءِ رُمي

هذا الذي تأنفُ الدنيا لطلعتِهِ

لأنه بائعُ للدينِ والذّمـــــمِ

هذا الذي كان في إيذائِهِ مرَحا

يمشي لشدّةِ مايخلو من القيـــمِ

ألقى بحقدٍ على بغداد من دمهِ

جمراً وأمطرها سيلاً من الحمــمِ

وكان يعني ويعني في ضغائنه

بغدادَ نا بنتَ هارونٍ ومُعتصِــمِ

ليحرق الأرض لايُرضي فرائصَه

إلاّ عويلٌ وأشلاءٌ كمنتقــــمِ

إلاّ بمشهد طفل صار يأكلُــهُ

الفسفورُ فاحلولكت عيناهُ ثم عَمي

مبددٌ صوتُ بعض العرب ليس لهم

قلبٌ ولا ولولت موصولةُ الرحمِ

إن نامَ شارونُ عن إيذائنا سِنةً

فالبعضُ منهم عن الإيذاء لم ينمِ

لأنه راضعٌ من صدرهم لبنـاً

وشاربٌ خمرةَ الغازي فمًا لفمِ

صاروا بإيذائهم ناراً على علمِ

وقد أذابوا نثارَ السمِّ في الدسمِ

هم يدفعونَ عدانا كي تطيل بنا

قتلاً وكيما يشيـعوا أبلغَ الألمِ

ولو تحريتَ عنهم قال قائلُهم :

بأنه قطُ لم يقعد ولم يقُـــمِ

مخاتلونَ تراهُم في حبائِلِهم

من شدةِ المكرِ بين الخَصمِ والحكَمِ

يُخفونَ في حجرِهم سراً خناجرَهم

ويدلفونَ بـــلا ظلٍّ ولا قدمِ

باعوا مآذنَ بيتِ الله في ضِعةٍ

واستبدلوا رايةَ الإسلامِ بالصنــمِ

بكاءُ أهلي غناءٌ في حناجرِهم

وأدمعي نخبُهــم في كلِّ مُضطَرَمِ

وآه بغداد يا أرضي ويا قِيَمي

يـاصبرَ كلِّ العراقيـين في شممِ

ماجئتُ أبكيكِ لاوالله معذرةً

لم يعنِ دمعي بأني غير مُبتسـمِ

إني لأعلمُ أنَّ الأسدَ قد كسرت

ظهرَ العدو وأنَّ الغيَّ لم يـَـدُمِ

فأطفأَت كلَّ أحلامِ الغزاةِ وقد

فرَّ العدوّ بظهرٍ جدّ مُنقصـــمِ

وأعرفُ الأهلَ كانوا وسطَ أحلكِها

موتاً يصولونَ فيها صولَ مُقتحمِ

لكن قلبي تشظّى عندما شهقت

أمٌّ لموتِ وليـــدٍ غير مُنفطمِ

وحين أبصرتُ في التلفازِ كوكبةً

من الصبايــا بلا سقفٍ ولا خيمِ

فعندها قد أصيبَ القلبُ بالصممِ

أحسستُ أن جناحَ الخافقينِ دُمي

أحسستُ أني سأمشي أدمعاً ودماً

زحفاً على الرأس لامشياً على القدمِ

لكي أصلي لجذعٍ يحتميــنَ بهِ

وأفتديــه بأولادي ونضح دمي

وكي أقيمَ من الأضلاعِ في جسدي

سدّاً يقيهُنَّ هَولاً جِدُّ مُحتــَـدمِ