تعليق على قرار حكم تمييزى (اختيار الدين) والاتجاه الاخير لمحكمة التمييز الاتحادية

القاضى/هادى عزيز على اصدرت محكمة التمييز الاتحادية الجليلة حكمها المرقم 285\ شخصية اولى \2008 المؤرخ31\12\2008 والذى جاء فيه :- ( ...الثابت من وقائع الدعوى ان المييز - المدعى – قد صار مسلما تبعا لدينة والده , وحيث ان من صار مسلما تبعا لديانة سواء بصفة اصلية او تبعية اى تبعا لدين احد الابوين كما هوفى حالة الدعوى موضوع التدقيقات التمييزية لا يجوزالرجوع عن اسلامه اذ ان ذلك يعد بمثابة الردة التى منعها الاسلام وعاقب عليها ...) , هذا هو المبدأ الذى جاءت به محكمة التمييز, والذى سيكون موضوع تعليقنا . مقدمة من الملاحظ ان البعض من غير المسلمين يلجأ الى الدخول فى الدين الاسلامى , وان بعض من هذا البعض يدخل الاسلام لاسباب لا تخفى على اللبيب , وملخص ذلك هو ان يتقدم بطلب الى محكمة الاحوال الشخصية يطلب فيه الدخول للدين الاسلامى , وعندما يمثل امام القاضى المختص ويساله عن اسباب اختاره الاسلام دينا , وبعد ان يتاكد القاضى من صدق اقواله وثبوت انصراف ارادته للدين الجديد اختيارا يطلب منه النطق بالشهادتين وعندما ينطق بهما يبلغه القاضى بانه اصبح مسلما له ما لهم وعليه ما عليهم , وبعد ذلك تصدر له حجة اشهار اسلام وترسل نسخة منه الى دائرة الاحوال المدنية المسجل فيها لتاشير اسلامه فى حقل الديانة . الى هنا , فالامر طبيعى جدا وان الطلب المذكور يندرج تحت مفهوم حرية الارادة وحرية العقيدة التى كفلتها الدساتير والمسطرة تحت ابواب الحقوق والحريات والمستمدة اصولها من الشرعة الدولية لحقوق الانسان . الا ان لهذا الاجراء اثار شرعية وقانونية ,فمن حيث الاثار الشرعية يكون اولاد من اسلم مسلمين تبعا لاسلام اى من الابوين ويقول جانب من الفقه بعدم جواز الرجوع عن الدين الاسلامى حتى ولو بلغوا سن الرشد وهو ذات الراى الذى ذهبت اليه محكمة التمييز موضوع تعليقنا هذا , اما الاثار القانونية , فان النصوص القانونية تقول بتبعية القاصرين فى الدين من اعتنق ا لدين الاسلامى من الوالدين . اضافة الى الاثار الشرعية والقانونية فهناك اثار اجتماعية لابناء من اسلموا والمتعلقة بالبيئة الاجتماعية الى انسلخ عنها او البيئة الجديدة التى وفد اليها . لما تقدم فسوف يكون تعليقنا على هذا الموضوع بثلاثة جوانب , الاول يتناول مسيرة محكمة التمييز والتطبيقات القضائية التى تناولت هذا الموضوع وما استقرت علية احكامها وما انعطفت عن تلك الاحكام , والثانى الجانب الشرعى وما تناوله الفقه فى هذا الجانب قبولا بهذا الموضوع او نفيا له , اما الجانب الثالث فهو النصوص القانونية الى عالجت هذا الموضوع وعلى الوجه الاتى:- (1) اولا الجانب القضائى استقر قضاء محكمة التمييزولعقود عديدة من عمرها القضائى على مبدا يتضمن اعطاء الحق للابن الذى اعتبر مسلما لاسلام احد والديه والذي بلغ سن الرشد, طلب العودة الى دين والديه قبل اسلامهما وضمن شروط وضعتها التطبيقات القضائية تلك وهي : - البلوغ 2- العقل 3- الاختيار , حيث يتقدم الابن بدعوى الى محكمة الاحوال الشخصية يطلب فيها العودة الى دينه السابق لاسلام احد والديه مشفوعة بما يكفى من المستندات الرسمية التى تثبت وصوله سن البلوغ وبعد ان تتحقق محكمة الموضوع من توفر وشروط الدعوى وهى. البلوغ – الذى يرد فى احيان كثيرة مرادفا لسن الرشد – هو بلوغ سن الثمانى عشرة سنة كاملة وحسبما نصت عليه احكام المادة (106 ) من القانون المدنى والمادة السابعة من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وبنفس المعنى جاءت احكام المادة ( 3) من قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 كما ان اتفاقية الطفل التى صادق عليها العراق واصبحت جزء من القانون الوطنى تعرف الطفل بانه ممن لم يتم الثامنة عشرة من العمر . العقل اما العقل :- فيقصد به – الاهلية – والاهلية نوعان الاول اهلية الوجوب ويقصد بها : - وصف فى الشخص يقوم على مدى صلاحيته لكسب الحقوق وتحمل الواجبات , اما النوع الثانى فهو اهلية الاداء ويقصد بها صلاحية الشخص لصدور العمل القانونى , اى مباشرته للتصرف القانونى . عليه فان للاهلية عوارضها وهى العته والسفه ودو الغفلة والجنون . الاختيار اما الاختيار :- وقصد به انصراف ارادة الشخص للقيام بالعمل الذى يعتد به قانونا وشرعا ويرتب اثرا قانونيا للتصرف المذكور . وبعد ان يتاكد القاضى من تحقق الشروط تلك , يصدر حكمه برجوع المدعى لدينه السابق . لقد تجلى المبدأ الذى استقرعليه قضاء محكمة التمييز ولامد زمنى طويل نسبيا المثبت فى العديد من الاحكام التمييزية وغطى مساحة زمنية واسعة امتدت لعدة عقود , ولا يمكننا فى هذه الفسحة الضيقة ايراد الكم الكبير من تلك الاحكام ونكتفى بايراد حكم واحد للتعبير عن المبدأ المذكور , نورده على سبيل المثال :- حكم محكمة التمييز المرقم 201\ هيئة عامة ثانية \1976 المورخ فى 25\ 12\ 1976 ( الحكم الشرعى هو انه اذا اسلم الصبى تبعا لاسلام ابيه فأنه يحق له العودة الى دينه السابق اذا تحققت شروطها وهى البلوغ والعقل والاختيار وبما ان المدعية قد اسلمت تبعا لاسلام ابيها عندما كانت قاصرة وانها بعد بلوغها قد اختارت وهى رشيدة البقاء على دينها المسيحى فتكون قد استعملت حقها ا لمقرربمقتضى احكام الشرع ) . الحكم منشور فى مجموعة الاحكام العدلية العدد الرابع السنة السابعة صفحة ( 106) . ان القضاة الافاضل ( قضاة محكمة التمييز ) وزملائهم الاخرين المجايلين لهم فيما بعد والذين استقر ذلك المبدأ على ايديهم , لايمكن الشك باسلامهم اطلاقا كما لا يمكن القدح بامكانتياتهم العلمية ومدى سعة اطلاعهم على احكام الشؤريعة الاسلامية. فقد تفيئنا تحت ظل علمهم الغزيز ونهلنا من سمو احكامهم ولا زلنا وكانوا علامة مضيئة فى مسيرة القضاء العراقى تستحق منا التبجيل ونورد بعض الاسماء الجليلة المساهمة فى ترسيخ هذا المبدأ , وعلى سبيل المثال المثال لا الحصر : المرحوم محمد شفيق العانى والمرحوم مالك الهنداوى والمرحوم صادق حيدر والمرحوم ضياء شيت خطاب والمرحوم سالم عبيد النعمان . الا ان محكمة التمييز الجليلة , قد تحولت عما استقر عليه قضاءها السابق وانعطفت الى توجه جديد يختلف عما استقرت عليه سابقا واعتبرت الرجوع الى الدين السابق يخالف القانون مستندبن لنص الفقرة (3) من المادة ( 21) من قانون الاحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972( غير منشور ) وهذا النزوع تأ سس على اساس نص القانون وليس على اساس الوجه الشرعى , وكنوذج لهذا المبدأ هو حكم محكمة التمييز المرقم 6936\ شخصية اولى \ 2004 المؤرخ فى 24\2\ 2004 وخلاصة الدعوى ان المدعية رفعت دعوى ضد المدير العام للجنسية والاحوال المدنية اضافة لوظيفته بينت فيها ان والدها كان صابئى الديانة واعتنق الدين الاسلامى وان المدعى عليه اضافة لوظيفته غير ديانتها من الصابئية الى مسلمة وسجلها فى سجلاته على هذا الاساس , ولبلوغها سن الرشد حيث طلبت دعوته للمرافعة والحكم بالزامه بتصحيح الديانة وجعلها صابئية بدلا من مسلمة فى سجلاته , وقد ردت محكمة الموضوع دعوى المدعية . طعنت المدعية تمييزا بحكم محكمة الاحوال الشخصية , وقد اصدرت محكمة التمييز حكمها المشار اليه اعلاه الذى جاء فيه :- ( لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزى مقدم ضمن المدة القانونية قررقبوله شكلا ولدى عطف النظر على القرار المميز وجد انه صحيح وموافق للقانون ذلك ان المادة 23\3 من قانون الاحوال المدنية رقم 65 لسنة ذ972 نصت على ان الاولاد القاصرين يتبعون فى الدين من اعتنق الدين الاسلامى من الابوين وحيث ان والد المميزة استسلم واعتنق الدين الاسلامى فتكون ابنته مسلمة الديانة تبعا له ) . وتعليقنا على هذا الحكم هو ان نطاق سريان النص المذكور يشمل القاصرين حصرا من الاولاد ولا يمتد اثره الى سواهم لذا لايمكن تطبيقه على الراشدين لعدم شمولهم بالنص المذكور ,اذ لا يمكن ان نحمل النص اكثر مما جاء فيه , ويبدوا ان محكمة التمييز قد لاحظت ذلك مما حدى بها الى هجر هذا المبدأ والبحث عن مبدا اخر تستقر عليه . واخير وجدت محكمة التمييز المبدأ الجديد المشار اليه فى صدر موضوعنا هذا وملخص الدعوى التى اسست عليها محكمة التمييز حكمها تتلخص بما يلى :- اقام المدعى دعواه امام محكمة الاحوال الشخصية فى الكرادة المتضمنة ان والده مسيحى الديانة وانه اشهر اسلامه وحيث انه كان قاصرا انذاك فقد سجل فى حقل ديانته الاسلام الحاقا بدين ابيه وحيث انه قد بلغ السن القانونى ( ثمانية عشر سنة ) فانه يروم الرجوع عن ديانة الاسلام والعودة الى الديان المسيحية وفقا للقانون وأسوة باشقائه البالغين فطلب دعوة المدعى عليه للمرافعة والحكم له بالرجوع عن اسلام والابقاء على الديانة السابقة , اصدرت محكمة الاحوال الشخصية حكما يتضمن رد الدعوى طعن الدعى تمييزا بالحكم المذكور , وقد صدقت محكمة التمييز الحكم المذكور مسببة قضاءها وفق ما مبسوط فى الحكم المذكور نصا فى صدر موضوعنا هذا , محاولين مناقشة ذلك فى الجانب الشرعى ومن ثم فى الجانب القانونى . الجانب الشرعى ان ما ذهبت اليه محكمة التمييز من ان الردة منعها الاسلام وعاقب عليها , هل هو رأى مطلق ؟ هل هو متفق عليه ؟ ام ان هناك من يخالفه , وللوقوف على حقيقة الامر ينبغى المرور على المصادر الفقهية التى تناولت هذا الموضوع والرجوع الى المصادر النقية لاحكا م الشريعة الاسلامية , ونقصد بالمصادر النقية :. ( القران والسنة النبوية ) لذا نحاول جاهدين عرض الرأى الاخر الذى لا ياخذ بمفهوم الردة وعرض ما لديهم من ادلة واسانيد . المذاهب الفقهية والردة مذهب ابى حنيفة واصحابه لم يضعوا الردة بين الحدود فهم يدرسونها فى كتبهم ملحقة بالسير وهم يقررون ان المرتدة لاتقتل بلا خلاف بينهم كما يقولون بان الصبى العاقل تصح ردته ولكنه لا يقتل بل يحبس فقط . ( بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى – القاهرة -1968 – 71-134) . المالكية الردة لديهم من حدود الله , كما يذكر فى كتاب الاقضية مستندين الى حديث الرسول ( من غير دينه فاضربوا عنقه ) والتغيير لديهم هو فى صميم الدين كأن يجعل الصلوات عشر او ان يكون رمضان ستون يوما , او يغير فى اركان الدين او العقيدة كما حدث لمسيلمة الكذاب فهولاء هم الذى يرى الامام قتلهم . كما انهم اختلفوا فى قتل المراة . الموطأ – الامام مالك – القاهرة ص 458 الامامية فى الامامية للمرتد نوعان :- الاول – ولد على الاسلام ثم ارتد الثانى – الذى اسلم عن كفر ثم ارتد فهو يستتاب عندهم اما المراة فلا تقتل عندهم ولكن تحبس لاتعتبر الردة عندهم حد بل تعزير ( شرائع الاسلام للعلامة الحلى – 2- 243 وما بعدها ) حديث من بدل دينه فاقتلوه ================ تتناول كتب الفقه هذا الحديث بكثير من الشرح والتفصيل , وامتد ذلك البحث طويلا , وان اخر الدراسات الحديثة الصادرة بهذا الموضوع خرجت بنتيجة مفادها ان هذا الحديث هو ( حديث أحاد وهو حديث مرسل , لان حديث التواتر او الاستشهاد او الاستفاضة لا يتصف الحديث بشى منها اذا حدث ذلك بعد عصر الصحابة الذين رووه , كما ان الحديث روى مرسلا وجرى فى بعض طرقه تدليس مع الواقعة المشار اليها اختلف رواتها اختلافا كبيرا خاصة فى موقف امير المؤمنين عليا من هذا الموضوع ) ( الدكتور طه جبر العاوانى – لا اكراه فى الدين – مكتبة الشروق – القاهرة -2007). يضاف الى ذلك ان هذا الحديث قد روى بصيغ مختلفة , فيقال انه ورد بصيغة منها : من بدل دينه فاقتلوه , ومن يقول من رجع عن دينه فاقتلوه واخر يقول من ترك دينه فاقتلوه ومنهم من يقول من غير دينه فاضربوا عنقه وهو الذى تناوله المذهب المالكى والذى اشرنا اليه فى السطور السابقة . موقف الخليفة عمر بن الخطاب قدم على الخليفة عمر بن الخطاب رجل من قبل ابى موسى الاشعرى فسأله عن الناس , فأخبره ثم قال له عمر هل كان من مغربة خبر ؟ فقال نعم , رجل كفر بعد اسلامه , فقال ما فعلتم به ؟ قال قربناه فضربنا عنقه فقال عمر افلا حبستموه ثلاثا واطعمتموه كل يوما رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويرجع الى امر الله ؟ ثم قال عمر اللهم انى لم احضر ولم امر ولم ارض اذا بلغنى . ( موطأ مالك -1-211 ) . الاسراء والمعراج والردة تتحدث الكتب ان هنا ك البعض من ا لمسلمين ارتدوا عن الاسلام بعد سماعهم موضوع الاسراء والمعراج , لابل ان قسم من ذلك البعض التحق بجيوش اعداء المسلمين , وممن تذكره الكتب :- ( ذكر لنا ان الناس ارتدوا بعد اسلامهم حيث حدثهم بمسيره , انكروا ذلك وكذبوا به وعجبوا منه وقالوا : تحدثنا انك سرت مسيرة شهرين فى ليلة واحدة ) . ( الطبرى – جامع البيان فى تأويل القران – دار الجيل – بيروت -8 -76 ). ويقال ايضا : ( روى الحاكم المستدرك عن عائشة انها قالت : لما اسرى بالنبى الى المسجد الاقصى ,اصبح يتحدث الناس بذلك فأرتد ناس ممن كانوا امنوا به وصدقوه وسعوا بذلك الى ابى بكر) – النيسابورى –ابو عبد الله الحاكم – المستدرك على الصحيحين – ان من المرتدين كثر ايام الرسول وبعضهم قريب منه وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد بعض الاسماء : عبيد الله بن اسد والسكران بن عمرو وكاتب الوحى الملقب بكاتب بنى النجار ومقيس بن صبابة الليثى وعبد الله بن خطل وسواهم . وبهذا الصدد يقول الشافعى :- ( ما ترك رسول الله- ص – على احد من اهل دهره لله حد بل كان اقوم الناس لما اقترض الله عليه من حدود ) ,وقال بن الطلاع فى احكامه : ( لم يقع شى من المصنفات المشهورة انه – ص – قتل مرتدا ) . لذا فالواقع ينفى وجود اى دليل يدل على ان الرسول (ص ) قد قتل من ارتد عن دينه – وان ذلك حكم الله – لما تردد فى انفاذ ذلك الحكم لاى سبب من الاسباب لا اكراه فى الدين يذهب جانب من الفقه الى عدم الاخذ بمفهوم الردة على وفق الرأى الوارد فى الحكم التمييزى موضوع التعليق مستندين الى بعض كتب التفاسير , ففى تفسير المنار – محمد رشيد رضا يقول ان الاية الكريمة ( لااكراه فى الدين فقد تبين الرشد من الغى .. ) نزلت فى رجل من الانصار من بنى سالم يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان وكان هو مسلما فقال للنبى الا استكرهما فقد ابيا الا النصرانية ؟ وفى بعض كتب التفا سير انه حاول اكراههما فأختصموا الى النبى , فقال يا رسول الله ايدخل بعضى النار وانا انظر , ولم يأذن الرسول الكريم فى اكراههما على الاسلام وقد نزلت الاية الكرية " لا اكراه في الدين " فى ذلك ) . دار المعارف – بيروت – 1\117 و3\ 36 . الايات القرآنية وحرية الاختيار ان العديد من الايات القرآنية ليس فيها عنصر الاكراه للدخول الى الدين الاسلامى بل انها تبين حرية الانسان فى اختيا ر ما يعتقد لكون العقيدة شان انسانى خاص بين الانسان وما يعتقد , فليس لاحد ان يكره احد على الاعتقاد او تغيير اعتقاده وبأى نوع من انواع الاكراه , فعلى سبيل المثال لم نجد اى نص يبيح للمسلم اكراه زوجته غير المسلمة للدخول فى الدين الاسلامى . الايات الواردة هنا على سبيل المثال منها : - ( افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) يونس 99 (وما انت عليهم بجبار ) ق45 ( لست عليهم بمصيطر ) الغاشية 22 ( ولو شاء الله ما اشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما انت عليهم بوكيل ) الانعام 107 . الردة ليست من جرائم الحدود وهذا الجانب من الفقه يقول وباصرار ان الردة ليست من جرائم الحدود لكون القران الكريم لم يورد عقوبة للمرتد ويستدلون بذلك بالايات التالية والتى نور دها على سبيل المثال :- ( ياايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتى الله بقوم يحبهم ويحبونه ) المائدة 54 ( ان الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم واولئك هم الضالون ) ال عمران 90 ( كيف يهدى الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجاءهم بالبينات ) ال عمران 86 ( ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما يبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط اعمالهم ) محمد 32 ( ان الذين امنوا ثم كفروا ثم امنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا ) النساء 137 العقاب اخروى ويؤكد هذا الجانب من الفقه ان لاعقاب دنيوى للمرتد وحسبما بينته الايات الكريمات المذكورة بل ان العقاب الذى يتوعد به المشرع المرتد هو عقاب فى الاخرة وهو امر اختص به المشرع الكريم ذاته وليس لغيره ان يحل محله في هذا الامر ودليلهم الايات التالية : - ( من يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم فى الدنيا والاخرة واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ) البقرة 217 ( ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من احدهم ملء الارض ذهبا ولو افتدى به اولئك لهم عذاب اليم وما لهم من ناصرين) ال عمران 91 ( فا نما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) الرعد 40 . ( ومن يدع مع الله اله اخر لا برهان له به فأنما حسابه عند ربه ) المؤمنون 1170 الردة مسالة سياسة وليست مسالة ايمان يذهب جانب من الفقه ان الردة موضوع يتعلق بالسياسة ولا علاقة له بموضوع الايمان بالاسلام لان الاسلام لايكره الناس على اعتناقه و وهناك الايات التى تفصح بوضوح عما اراده الشارع الكريم كقوله : - ( افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) و( لا اكراه فى الدين ) . بل ان هذا الجانب يصر على ان الردة هو خروج عن النظام السياسى والذى يقابله حديثا مصطلح الخيانة العظمى , والا كيف يمكن تفسير علماء اجلاء ولهم شان كبير فى الفقه الاسلامى ولا يمكن الشك فى اسلامهم ومع ذلك اعتبروا مرتدين , ومنهم على سبيل المثال :- ابو حيان التوحيدى محمد بن عبدالكريم المشهور بالشهرستانى صاحب كتاب الملل والنحل عمر بن على بن الحسن بن على المكنى بابى المعالى والذى يلقب بعين القضاة ابراهيم بن عمر بن حسن البقاعى صاحب تفسيرنظم الدررفى تناسب الايات والسور ابن زرقون شيخ المالكية صاحب كتاب – المعلى فى الرد على المحلى – سيف الدين على بن ابى على التغلبى الامدى والذى لم يكن فى زمانه من يجاريه فى علم الكلام محمد بن عبد الله بن سعيد التلمسانى القرطبى الذى اشتهر بالطب والمنطق والحساب صدر الدين بن الوكيل الذى افتى وهوفى عمر العشرين الكياهراسى زميل الغزالى وقرينه وسواهم ( كتاب لا اكراه في الدين – الدكتور طه جابر العلواني مصدر سابق ) مما تقدم وما توفر لدينا من ادلة واسانيد يمكن قول الاتى : - 1- لم نجد فى المصادر النقية للشريعة الاسلامية ما يؤيد ان الردة من الحدود لعدم النص عليها فى القران الكريم او السنة النبوية الشريفة , الا ان قسم من الفقه ادخلها فى باب التعزير وحيث انها كذلك فهى لاتعدوا كونها راى فقهى حسب ولا يمكن الصعود فيها اكثرمن ذلك . 2- ان حديث من بدل دينه قاقتلوه حديث احاد وهو حديث مرسل وورد بصيغ مختلفة وهو يتعارض مع سيرة الرسول الكريم الذى لم يقتل مرتدا حال حياته مع وجود المرتدين فى ايامه وهومختلف عليه . 3 – ان الايات الكريما ت التى اوردناها اعلاه تثبت ان الدين الاسلامى ليس بدين قسر او اكراه فمن شاء فليؤمن اما من يرتد فقد توعده الشارع الكريم بعقاب الاخرة لعدم وجود نص قرانى لعقوبة دنيوية للردة لا تصريحا ولا تلميحا كما لايوجد نص يكره المرتد على العودة الى الاسلام بل ان الكثير من النصوص تؤكد حرية الانسان فى اختيار ما يعتقد . 4- ان الردة الصق بالسياسة منها بالدين لان الايمان هو اصل الدين وجوهره اذ من غير المقبول ضم انسان الى الاسلام مع عدم الايمان به لكون الفقهاء يقولون ان الايمان ياتى عن طريق البيان والبرهان وليس عن طريق الكره والاذعان . 5- يقصد بالردة هو الرجوع الذى تم بعد تفحص الاسلام والايمان به ايمانا خالصا وقبول مبادئه واحكامه ولا ينطبق هذا الامر على ابن من اعتنق الاسلام لان لا معرفة له باحكامه ومبادئه ,لا بل انه لم يبلغ به حتى . ثالثا الجانب القانونى =========== الجانب القانونى ويشمل النصوص القانونية التى تناولت هذا الموضوع والتى لايمكن ان نتركها خلف الظهر مع وجودها ضمن النظام القانونى القانوني خاصة وان الاحكام العامة التى جاء بها قانون الاحوال الشخصية تنص على : - ( اذا لم يوجد نص تشريعى يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادى الشريعة الاسلامية الاكثر ملائمة لنصوص هذا القانون ) المادة (2) من القانون . عليه فان قانون الاحوال الشخصية قد رسم الطريق للقضاء فى امر كهذا مفاده عدو جواز الركون الى مبادى الشريعة الاسلامية مع وجود النص القانونى الذى يعالج الموضوع المطروح امام القضاء , وخلاف ذلك نكون قد سلكنا طريقا خلاف الالية التى رسمتها السلطة التشريعية لابل ان الركون الى احكام ا لشريعة الاسلامية مع وجود النص القانونى يكون بمثابة امتناع عن تطبيق القانون الواجب التطبيق . عند مراجعة النصوص القانونية التى تتناول هذه الحالة نجد ان هناك نصا قانونيا يتضمن :- ( لكل انسان حق فى حرية الفكر والوجدان والدين . ويشمل ذلك حريته فى ان يدين بدين ما ,وحريته فى اعتناق اى دين او معتقد يختاره , وحريته فى اظهار دينه او معتقده ) المادة 18 وهذا النص ورد فى القانون رقم 193 لسنة 1970المنشور فى الوقائع العراقية العدد 1927 المؤرخ فى 7\10\ 1970وهو القانون الذى صادق فيه العراق على العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واصبح جزء من النظام القانونى الوطنى خاصة وان العهد المذكور لم يلغى او يعدل او تحذف بعض احكامه لابل انه تمتع بحماية دستورية بموجب احكام الدستور الدائم عندما نصت المادة ( 130) من الدستور على ( تبقى التشريعات النافذة معمولا بها , ما لم تلغ او تعدل , وفقا لاحكام هذا الدستور ) . قد يحتج البعض بأن المعاهدات ليست مصدرا من مصادر قانون الاحوال الشخصية , وهذا القول لاسند له من القانون لان المعاهدة او الاتفاقية تصبح جزء من القانون الوطنى وان التصديق على المعاهدة يلزم العراق باحكامها . المادة (2) من قانون المعاهدات رقم 111 لسنة 1979 , وحيث انها اصبحت قانونا وطنيا فان له الاولوية فى التطبيق وفق احكام لمادة الاولى فقرة (2) من قانون الاحوال الشخصية . اضافة الى ما تقدم وعلى فرض تعارض نص المعاهدة المصادق عليها مع نص فى القانون الوطنى فان العلوية تكون لنص المعاهدة استنادا لحكم المادة (27) من اتفاقية فينا لعقد المعاهدات 1969المصادق عليها من قبل العراق , حيث ان هذه المعاهدة جاءت ولاول مرة بمبدأ القواعد لقانونية الدولية الامرة , ونصت على ( مع عدم الاخلال بنص المادة 46 ,لا يجوز لاي طرف في معاهدة ان يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذ هذه المعاهدة) . هذا ومن المعلوم ان القانون المدني عندما تناول احكام التنازع من حيث المكان وفي مواده المتعلقة بالاحوال الشخصية كالزواج والطلاق والتفريق والبنوة الشرعية والوصاية والقوامة والنفقة والميراث والوصايا وسواها من المواضيع الاخرى الواردة في نص المواد (19 – 28) من القانون المدني , نجده يضع نصا حازما في المادة 29 ينص على :- ( لا تطبقاحكام المواد السابقة اذا وجد نص على خلافها في قانون خاص او معاهدة دولية نافذة في العراق ) , ومن النص الاخير يتضح مدى احترام المشرع للمعاهدات الدولية . اضافة لما تقدم فان النصوص الدستورية جاءت واضحة وصريحة فى هذا الشان ولايمكنا المرور عليها من دون اعمالها , لكون الدولة تكفل حماية الفرد من الاكراه الفكرى والسياسى والد ينى , المادة 37 \ ثانيا من الدستور , لذا فان رد دعوى المدعى موضوع تعليقنا ما هى الا صورة من صور الاكراه الدينى التى منعها الدستور , اضافة لما تقدم فأن الدستور ذاته قد نص وبموجب قاعدة دستورية امرة بان لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة , المادة (42) من الدستور . قد يحتج البعض ان الحكم بالردة هى من ثوابت احكام الاسلام التى اقرها الدستور والتى لا يجوز سن قانون يخالف ذلك , وهذا الرأى مردود لان حكم الردة هو مجرد رأى فقهى مختلف عليه ولا يمكن ادراجه ضمن ثوابت احكام الاسلام . لما نقدم وفى ضوء الادلة القضائية والشرعية والقانونية فأن طلب لرجوع الى الدين السابق لمن اسلم باسلام احد والديه وبلغ سن الرشد ان يستجاب الى طلبه وبذلك نكون قد عدنا الى مارسمه لنا السلف الجليل من القضا ة .