رجل ستيني ملتحي ، يرتدي ملابس قديمة، كلما رأيته اسمع منه عبارة وحيدة ( انباع ....انباع....انباع ) .
في المرة الأولى سألت صديق يعرفه عما يقوله الرجل المتعب ، أجابني : أن البروفسور (خيري ) ،وهذا اسمه، تم إعفاءه من منصبه كمدير عام من التربية ،و تم تكليف شاب خريج إعدادية زراعة بدلا" عنه ،لانه اشترى المنصب من الحزب الذي تكلف أحد سراقه بها كوزير ..و عندما رأيت جار سابق للاستاذ خيري ، أجابني على نفس السؤال قائلا": عندما رجع الاستاذ من ليبيا ،وكان استاذ في إحدى جامعتها ،بعد الاحتلال الامريكي وجد بيته مباع ، ولم تنفع شكواه في القضاء على المشتري و التسجيل العراق ، فأصبح يردد في كل مكان (أنباع..أنباع..أنباع)...
الأغرب ، ما سمعته من صديق في الأمن حين أبلغني : أن الابن الوحيد للاستاذ خيري قد تم خطفه ، ورغم من أن الأستاذ قد دفع فدية ، إلا أننا وجدنا ابنه مقتولا" مذبوحا مسلوبا" منه الكليتين والقلب و الخصيتين والعيون والأسنان ،، وجدناه مشوه كأنه أشلاء لحم مقطع داخل ملابسه ..ومنذ ذالك الوقت ، كان يردد (أنباع..انباع..انباع).
في اخر مرة التقيته ، دفعني الفضول لسؤاله عما يردده دائما ، أجابني الاستاذ خيري : انباع منصبي ، و انباع مسكني ، و انباع ابني كأعضاء بشرية ،، وهذا قليل ومدمر لي ، لكن الكثير والمدمر للناس أن يباع الوطن ، و أن يباع المستقبل ، و أن يباع الضمير .
قال عبارته الأخيرة لي و الدموع في عينيه : يا سيد الاوجاع ..كل شيء في هذا الوطن مباع ، و لاتنا يرمون بنا إلى التهلكة والضياع ، و شعبنا يغرق في التيه و الخداع ..
المأساة الحقيقية أن اقتصاد وسياسة و العقل الجمعي في العراق ينحدر سريعا" نحو الهاوية ... جماهيريا" ، انتفض الشعب لالغاء مجالس المحافظات ،وتم الغائها بقرار من مجلس النواب ، لكن تم إعادتها لأنها جزء دستوري .... خدميا" ، لم يحظى الناس بخدمات في أي محافظة ، فتوفير الخدمات لم تكن في ذمة المحافظ أو مجلس المحافظة لأنهم ببساطة جاءوا يسرقون لا يخدمون!.
إعلاميا" ، كان الفريق الاعلامي ل المحافظ و مجلس المحافظة مشغولون بنشر اخبارهم الكاذبة ،و جولاتهم الميدانية المفبركة و صور استقبالهم للفقراء على صفحات التواصل الاجتماعي كنجوم دعاية واعلان.. أخلاقيا" ، لم نرى اي عضو مجلس محافظة حريص على متطلبات و خدمات الناس ، بل إن أعضاء مجلس المحافظة في صراع بينهم وبين المحافظ من أجل الحصص في المشاريع والاستحواذ على مشاريع المحافظة،، ولو كانت لدينا رقابة حكيمة و صارمة ،، لرأينا كل اعضاء المحافظات السابقين وراء قضبان السجون ،بسبب أن تريليونات الدنانير قد ذهبت هباء"..
المصيبة ، أن حدود العراق البرية و البحرية لم تبقى بعيدة عن البيع ، و حتى اجواءه ، بوجود ثلة من المسؤولين الفاسدين و الفاشلين ، بل حتى ما في أعماق أرضه من نفط وغاز و معادن كانت عرضة للسرقات والهدر عبر جولات التراخيص وآخرها العقد المشبوه لشركة (توتال) الفرنسية ...
كان الإنكليز يقولون : عندما تحفر أرض العراق ، تجد في الاعماق النفط والثروات ، و قريب من السطح الآثار و شواهد الرسالات والحضارات ، و على الارض الخيرات من الطيبات والخضروات ، و بشر بعقول عبقرية ... لكن للاسف ، الان ،،كل شيء مسروق حتى العقول و الضمائر وربنا منك القوة والعزم ..على البغاة و قوى الظلم...
البروفيسور د ضياء واجد المهندس.
رد مع اقتباس
