قصص من دهاء العرب :
يُحكى أنه في أيام تولي عبد الملك بن مروان حكم الدولة الاسلامية تم تعيين كلثوم بن الأغر قائداً لجيش الدولة، وقد عُرف كلثوم بذكائه ودهائه وسرعة بديهته، وقد كان الحجاج بن يوسف الثقفي يكن لكلثوم بالكثير من مشاعر الكراهية والبغضاء.
وذات يوم فكر الحجاج بن يوسف في خطة للإيقاع والوشاية على كلثوم بن الأغر، وبالفعل نجحت مكيدته وحكم عبدالملك بن مراون على كلثوم بالاعدام بالسيف، وما إن وصل الخبر الى والدة كلثوم ارتدت ثيابها وذهبت مسرعة الى عبدالملك بن مروان تستسمحه للعفو عن ابنها.
استحى عبدالملك من تلك العجوز التي تجاوزت بعمرها المائة عام، ثم فكر قليلاً وقال لها: سأحيل الأمر الى الحجاج حيث سأطلب منه أن يكتب ورقتين الأولى بها كلمة يُعدم والثانية لا يعدم، ونجعل ابنك يختار ورقة منهما قبل ان نُنفذ فيه حكم الإعدام، وتأكدي انه ان كان مظلوماً حقاً فسوف يُنجيه الله ويُرشده الى اختيار الورقة المكتوبة بها لا يعدم.
خرجت أم كلثوم من قصر الملك وهي في شدة حزنها ويكاد قليها ينعصر على ولدها لأنها تعلم مدى الكره الذي يحمله الحجاج في قلبه لإبنها وانه من المتوقع ان يكتب في كلتا الورقتين يُعدم، وعندما رآها ابنها حاول طمئنتها وقال لها: لا تقلقي بشأني يا أماه فأنا سأتصرف.
وفي اليوم التالي وقف الحجاج أمام كلثوم بحضور عبدالملك بن مروان وتجمع القوم في اليوم الموعود والجميع ينتظر رؤية ما سيحدث بين الحجاج وقائد الجيش ومن منهما سينتصر، وبالفعل كما توقعت أم كلثوم فقد قام الحجاج بكتابة كلمة يُعدم في الورقتين.
وفي ساحة القصاص وأمام الملأ طلب الحجاج من كلثوم اختيار ورقة واحده وهو يُظهر على شفتاه ابتسامة خُبث ومكر، فابتسم كلثوم بكل ثقة واختار ورقة وقال للحجاج: هذه الورقة التي اخترتها، ثم قام ببلعها دون أن يفتحها.
اندهش الجميع من فعلته وسأله الملك: ما هذا الذي فعلته يا كلثوم؟ كيف تأكل الورقة قبل ان نقرأ ما بها؟ قال كلثوم: يا مولاي لقد اخترت الورقة التي ستحدد مصيري وبلعتها دون أن اعلم ما يها، وان أردت معرفة ما بها فعليك بفتح الورقة الأخرى فهي بالضرورة عكسها، وافق الوالي وسحب الورقة الثانية ثم فتحها فكان بها كلمة يُعدم، فأعلن الوالي ان كلثوم قد اختار أن لايُعدم وبالتالي فقد تم العفو عنه.
العبرة من القصة:
قدر قليل من التفكير في الأمور قد يكون طوق النجاة لك من الكثير.