شعراء «هايكو» في ضيافة «بيت» المعتمد بن عباد
نُشر: 23 يوليو 2023 م
ضمن «سعي حثيث للقاء عشاق الشعر في أماكن متباعدة» خارج محور المدينة الحمراء، أقامت «دار الشعر بمراكش»، أخيراً، في «بيت» المعتمد بن عباد وحدائق أغمات، فقرة شعرية جديدة ضمن برمجة جديدة وسمتها بـ«هايكو»، وذلك في سياق انفتاحها أكثر على هذا النمط من الكتابة الإبداعية.
وتميز برنامج هذا الموعد الثقافي بزيارة ضريح المعتمد بن عباد، ومعرض حول سيرة المعتمد، بريشة الفنان فوزي البصري، فضلاً عن فقرة شعرية، بمشاركة الشعراء نور الدين ضرار ولبنى منان وبالزين سعيد الجيداني، مع مرافقة موسيقية للفنان خالد بدوي.
وقالت إدارة الدار إن طبيعة هذا الموعد الثقافي تؤكد مزيداً من «الحرص على تنويع برمجتها وإبداع فقراتها الشعرية والثقافية والفنية، والانفتاح أكثر على أيقونات وإشراقات هذه الشجرة الشعرية المغربية الوارفة». ورأت في معرض البصري تكريماً من هذا الفنان التشكيلي لذكرى المعتمد، شاعراً وملكاً، حيث يعرض لوحات تحكي للزوار أهم محطات سيرة هذا الملك الشاعر، في أجواء أندلسية تطل على جبال أوريكة وحدائق أغمات الوارفة.
وعدّت إدارة الدار أن فضاء «بيت المعتمد» يمثل «إطلالة على صفحة من تاريخ المغرب والأندلس، احتفاء بمدينة أغمات التاريخية، أول عاصمة للمرابطين (1056 - 1147م)».
وبخصوص فقرة «هايكو»، قالت إنها تشكل أول لقاء شعري وثقافي ضمن هذا المسار الجديد، ولحظة تستعيد من خلالها الدار الإرث الأندلسي للشاعر المعتمد بن عباد (1040 - 1095م)، ويستدعي خلاله الشعراء المشاركون، في ديوان شذري، «مفارقات الزمن وانجراحات الشاعر أمام مصيره»، خصوصاً وهم يتأملون عتبة الشاهد، بعضاً مما طلب المعتمد كتابته على قبره: «ولا تزال صلاة الله دائمة/ على دفينك لا تحصى بتعدادِ».
وفضلاً عن اختيارها لتنظيم فعاليات ثقافية، تستقطب أغمات كثيراً من السياح من جنسيات عربية وغربية، خصوصاً من إسبانيا، يحرصون على زيارة ضريح المعتمد. وهي الزيارة التي تبدو بالنسبة إليهم كما لو أنها سفر عبر الزمن، يعيدهم إلى تاريخ مضى.
يتطلب الوصول إلى أغمات، انطلاقاً من مراكش، على مسافة نحو 30 كيلومتراً، سفراً عبر طريق أوريكة، حيث ينفتح مجال ومستقبل المنطقة على عشرات المشاريع السياحية الكبرى.
على طول الطريق، تسترعي انتباه الزائر عشرات الجــِــمال التي يوظفها البعض في المجال السياحي، بعد أن حملت، قبل نحو ألف عام، المرابطين من الصحراء ليحكموا معظم بلاد الغرب الإسلامي وبلاد الأندلس. مر الزمن وتغيرت الأحوال، فصارت الجــِمال التي ركبها الملثمون في تنقلاتهم وحروبهم، تُركب للمتعة من طرف سياح قادمين من فرنسا وإسبانيا والسويد والولايات المتحدة والصين، وغيرها من بلدان العالم.
الهندسة المعمارية للضريح الذي يحتضن قبر الملك الأندلسي وقبر زوجته اعتماد الرميكية، فضلاً عن قبر أحد أبنائهما (أبو سليمان الربيع)، التي تتشكل من قبة مصغرة وفق العمارة المرابطية، تزينها بعض الأبيات الشعرية التي نظمها الأمير الشاعر في رثاء حاله، تفرض على الزائر رهبة، تعيد عقارب الزمن إلى مجد غابر، تخللته كثير من المآسي، بشكل يؤكد أن الدنيا دوائر.
داخل الضريح، لا يمكن للزائر إلا أن يستعيد علاقة الملك الأندلسي بزوجته وأبنائه، فضلاً عن معاناته في إقامته بأغمات؛ خصوصاً حين يقرأ شاهد قبر زوجته: «هنا قبر اعتماد الرميكية زوجة المعتمد التي شاركته في نعيمه وبؤسه»؛ أو الأبيات التي كتبها المعتمد، قبل موته، وطلب أن تكتب على قبره، ويبدأ أولها بالحديث عن «قبر الغريب»؛ فيما يكون الزائر مع أبيات أخرى للمعتمد تزين الضريح، يقرأ في أولها: «عَلِّل فُؤادَكَ قَد أَبَلّ عَليلُ/ وَاِغنَم حَياتَكَ فَالبَقاءُ قَليلُ».
أما أبيات لسان الدين بن الخطيب (1313 م _ 1374م)، التي قالها سنة 1360م، حين زار قبر المعتمد، والتي يقرأ فيها الزائر: «قد زُرْتُ قبْركَ عن طَوْع بأغْماتِ/ رأيتُ ذلك من أوْلى المُهمَّاتِ - لِمَ لا أزورُكَ يا أنْدى الملوكِ يداً/ ويا سِراجَ اللّيالي المُدْلِهمَّات - وأنتَ من لو تخطّى الدّهرُ مَصْرعَهُ / إلى حياتي أجادَتْ فيه أبياتي»، فتؤكد للزائر مكانة ملك إشبيلية، عند من عاصروه أو من سمعوا به، في عصور لاحقة.