ديارٌ خلَت دهرًا بُعيدَ عَمارِها
فَهل تُرجعُ الأيامُ دارًا لِصَاحِبِ
إذا صَاحَ فيها البومُ طالَ صِياحُهُ
وأصداءُ تأتي خلفهُ دونَ حاجِبِ
على سَهلِ غابٍ طالَ حُزنٌ وحَسرةٌ
وطالَ وقوفٌ دونَ نفعٍ لطَالبِ
إذا قُلتَ لا يُرعِيكَ سمْعًا فَيعقِلُ
وإن قُلتَ لا يُدنيكَ منهُ بِجَانِبِ
أصمُّ فما يدري بكيفِ تَحاورٍ
وما عِلمهُ قدرَ الأسى والمَصَائبِ
على غابِ عزٍّ سالَ دمعٌ مُعزَّزٌ
على أرضهِ سَالتْ نُفوسُ أطَايبِ
فَلا تَأمنِ الدُّنيا تُخادعُ خلَّها
وَمن تَخدَعِ الدُّنيا فَليسَ بِصائبِ
وما لكريمٍ عندَ دُنياهُ مَوقفٌ
إذا مَرَّ كانَ الأمرُ ريحَ سَحائبِ
وما صَاحِبٌ دامت لَنا منه صُحبةٌ
وهل قَد رأينا قَطُّ غيرَ مُعاتِبِ
وَفينا فما عهدُ الوَفا بِمُقابَلٍ
وما قد رأينا غيرَ نذلٍ وَخائبِ
أخي ناصِري إن قَلَّ حولي مُناصِرٌ
فعهدي بِه وافٍ فَدتهُ حَرائبي
فَدتهُ سيوفٌ ذاتَ برقٍ تُقارِعُ
لتَحمي حِمى غَيثٍ لكلِّ الأقاربِ
ألا إنَّ خيراللَّهِ بحرٌ تَلاطَمَ
وَفاضَ فما يُثنيهِ قهرُ النَّوائبِ
أخوهُ أبو بَكرٍ وَليدُ المَعامِعِ
شَبيبُ حُروبٌ شَيخُ رأيٍ مَعاقِبِ
إذا سِرتُ أعظِمْ سائرًا ما يُشابَهُ
وإنِّي إذا أركب صَعيبُ مَراكبِ
أحُثُّ على دربِ المَكارِهِ راحتي
وما رَاحتي إلا بِدَربِ المَصاعِبِ
أُديمُ على رغمِ الخُطوبِ بَشَاشَتي
وأسري كَما ليثٍ حَديدِ المَخالبِ
أمَا كانَ أمري يا هديلُ بِنافذٍ
فما كانَ مَعصِيًّا ولا بِمُجَانَبِ
أديري عُيونًا مِنكِ نحوي فأبسِلُ
وإن غِبتِ عنِّي لا أحِلُّ لِعائبِ
عَشقتُكِ لا ضعفًا فِعالي تُصَدِّقُ
ولكنَّ طَبعَ الحُرِّ سَهلُ تَقَارُبِ
دعي لومَ سيفي إنَّ سيفي لَطيِّبٌ
وهل يأتِ عزٌّ دونَ سيفِ مُحارِبِ
بهِ سادَ الأعرابُ كِسرى وَقومَهُ
كَذا قيصرٌ أتراكُ جَمعُ الصَّقالبِ
بهِ أخضَعت جبَّارةُ الأرضِ عاديًا
بهِ كانَ عبدالْمَلْكِ ضَرَّابُ ضَاربِ
وهل قد أتى عصرٌ خلا من تَدافُعٍ
فما يعتلي إلَّا عَتيدُ قَواضِبِ
فخيلٌ وحَدٌّ لا يُضيمَانِ صَاحِبًا
وسيفٌ رَهيفٌ منهُ نبعُ الأعاجِبِ
فَذلَّت لهُ هاماتُ قومٍ تَعاظموا
ليونُ وَقشتالا بِمُرهفِ حَاجِبِ
علاهُم وأرداهُم وصَالَ خِلالَهُم
إلى أن عَدا قهرًا عَلى شنتِ ياقُبِ