ما هي العقلية التي تسيطر على حياتك؟
ينقسم العالم حولنا بين أناس منغلقين على أنفسهم يبتعدون عن كل ما هو جديد، لا يعتقدون أن بإمكانهم تغيير أفكارهم وصفاتهم وقدراتهم، وأناس منفتحين على العالم الخارجي وعلى التعلم والتطور والتجارب والخبرات الجديدة.
إن أولئك الذين ينظرون إلى ذكائهم وشخصياتهم على أنها غير قابلة للتغيير يتمتعون بعقلية ثابتة، يعتقدون بأن الذكاء والصفات الشخصية غير قابلة للتغيير، وأن الإنسان يولد بذكاء وصفات مُحددة لا يستطيع تغييرها فيما بعد. وعلى العكس من ذلك، يعتقد الأشخاص ذوو العقلية المتطورة أو العقلية القابلة للنمو، أن بإمكانهم تحسين صفاتهم الشخصية أو تغييرها مع مرور الوقت، فدائماً هناك فرصة للنمو والتطور حتى في أكثر الأوقات صعوبة.
بعد عقود من البحث، اكتشفت كارول دويك (Carol Dweck)، الباحثة في علم النفس بجامعة ستانفورد أهمية قوة التفكير، ومدى تأثير تلك القوة على حياتنا. في كتابها، طريقة التفكير: السيكولوجيا الجديدة للنجاح (Mindset: The New Psychology of Success)، أظهرت دويك كيف يمكن أن يؤثر النجاح في المدرسة والعمل والرياضة والفنون وأي مجال تقريباً من مجالات النشاط الإنساني، بشكل كبير على الكيفية التي نفكر بها في مواهبنا وقدراتنا. إن الأشخاص الذين لديهم عقلية ثابتة يعتقدون بأن القدرات والمواهب ثابتة، ما يجعلهم أقل تطوراً ونمواً من أولئك الذين لديهم عقلية متطوّرة وقابلة للنمو، والذين يعتقدون بإمكانية تطوير قدراتهم ومواهبهم.
ما يتصف به أصحاب العقلية الثابتة
إن أصحاب العقلية الثابتة يفسرون الفشل على أنه نقص في قدراتهم. وبما أنهم يعتقدون أنه لا يمكنهم تنمية أو اكتساب أي مهارة جديدة، فسيتجنبون المحاولة مرة أخرى في المستقبل. يتّصف أصحاب العقلية الثابتة بمجموعة من الصفات أو الخصائص:
- لن يتطوروا كثيراً مع مرور الوقت، وذلك لاعتقادهم بأن صفاتهم وقدراتهم ثابتة، فإما أن تكون موجودة أو لا. فمن وجهة نظرهم لا يوجد لديهم ما يمكن تطويره.
- عادة ما يكونون منشغلين في الدفاع عن أنفسهم وأفكارهم وتصرفاتهم، فأصحاب العقلية الثابتة يعملون بجد لحماية ذواتهم أو الأنا الخاصة بهم، والتي ترتبط بشكل كبير بما يتحلّون به من صفات. مما يدفعهم إلى تجنب التحديات، واعتمادهم على الأخرين لتوكيد الصفات التي يمتلكونها وبالتالي تعزيز احترامهم لذواتهم.
- يعتمدون بشكل رئيسي في تقييمهم لأنفسهم على ما يحصلون عليه من نتائج، وعلى حكم الناس عليهم. فمن وجهة نظرهم، نتائجهم هي ما يعرّفهم ويحدد من يكونون، فأصحاب العقلية الثابتة لديهم حاجة مُلحة لتحقيق النجاح، فالنجاح يعني أنهم أشخاص جديرون بالتقدير، فعندما ينجحون يشعرون بالتفوق، لأن النجاح يعني أن صفاتهم الثابتة أفضل من صفات الآخرين. أما الخسارة فتفقدهم الشعور بالقيمة والأهمية، وتزعزع ثقتهم بما يملكون من صفات.
- يبذلون كل طاقتهم في تقديم الأعذار، فعندما يخسر أصحاب العقلية الثابتة، سيحاولون إصلاح تقديرهم لذواتهم بدلاً من التعلم من أخطائهم، وينكرون أخطاءهم، ويلقون باللوم على شخص آخر، ويبحثون عن الأشخاص الأسوأ حالاً منهم، ليستعيدوا تقديرهم لأنفسهم.
ما يتصف به أصحاب العقلية النامية
- أما أصحاب العقلية المتطورة والقابلة للنمو (فهم أكثر انفتاحاً وتقبلاً للتحديات التي تصادفهم في حياتهم، ولديهم القدرة والعزيمة للمحاولة مراراً وتكراراً بعد أي فشل. يستمتع هؤلاء الأشخاص بالقدرة على تحدي أنفسهم، وذلك من خلال تنمية مهاراتهم ومواهبهم باستمرار وبشكل فعّال. هم أشخاص يتميزون بالمثابرة والإصرار، ويتعاملون مع النقد بشكل إيجابي. يتميز أصحاب العقلية القابلة للتطور والنمو بمجموعة من الخصائص، منها:
- يتطورون كثيراً مع الوقت، فعقلية التطور التي يمتلكونها تجعلهم مهتمين بالتحسين والتطوير المستمر.
- يتميز هؤلاء الأشخاص بالالتزام والمثابرة لتطوير أنفسهم حتى في أصعب الظروف والأحوال.
- يتعاملون مع الفشل بشكل مختلف، فالفشل لا يحدد هوية هؤلاء الأشخاص، ولا من يكونون. بالنسبة لهم الفشل مجرد مشكلة أو تحدي يجب عليهم مواجهته والتعلم منه والتغلب عليه.
- لا يُقيّم أصحاب العقلية المتطورة ما يقومون بفعله اعتماداً على النتائج التي تم تحقيقها، بل على ما يقومون به من محاولات ومجهود وصولاً لتلك النتائج. على عكس أصحاب العقلية الثابتة، التي تعني النتائج الكثير بالنسبة لهم.
كيف يكتسب الأشخاص تلك العقليات؟
- من أهم الأشخاص الذين يُساهمون في اكتسابنا لعقلياتنا وطرق تفكيرنا، هم الأهل والمدرسين، سواءً كان ذلك بقصد منهم أو بدون قصد. فيمكن للأهل والمدرسين أن يُساعدوا في تعزيز العقلية الثابتة لدى الأبناء، بدون نية مسبقة لذلك، من خلال عبارات الثناء والمديح المبالغ فيها والتي لا قد لا تتطابق مع الواقع.
- فتكرار سماع عبارات المديح والثناء من المعلمين والأهل، يمكن أن يؤدي إلى اكتساب الأبناء للعقلية الثابتة، فمن خلال المبالغة في التأكيد على فكرة أنهم أذكياء أو يتعلمون بسرعة، وأن ذلك هو سبب نجاحهم، سيؤدي ذلك حتماً إلى خلق عادات ذهنية ثابتة تمنعهم من تعلم أشياء جديدة.
- كما أن الإكثار من اللوم والحكم على الأبناء او الطلاب بالفشل بسبب ما يقومون به من أخطاء، سيعزز من بناء عقليات ثابتة رافضة للتطور والنمو.
- وفي المقابل، عند قيام الأهل والمعلمين بربط نجاح أبنائهم بما قاموا به من مجهود، وخلق بيئة يكون الفشل فيها فرصة للتعلم، فذلك سيعزز بناء عقليات مُتطورة قابلة للنمو لديهم.
كيف يمكن تغيير العقلية الثابتة إلى عقلية قابلة للنمو والتطور؟
إن عملية التحول إلى العقلية القابلة للنمو والتطور ممكنة، ولكنها تحتاج إلى الكثير من الوقت والالتزام والوعي والرغبة في التغيير. وبحسب ما ذكرته دويك في كتابها طريقة التفكير، يمكن التحول إلى العقلية القابلة للنمو والتطور من خلال مجموعة من الخطوات:
- تكمن بداية التحول عادة في تغيير وعيك لذاتك وأفكارك. كن أكثر وعياً بذاتك، ثق بنفسك وبما تمتلك من مهارات وبقدرتك على التغيير. تعرف على نقاط قوتك ونقاط ضعفك وتقبلها.
- انظر إلى الفشل بطريقة مختلفة، فالفشل لا يحدد هويتك وصفاتك ولا يعني بأنك فاشل. إن الفشل عبارة عن تحدٍ يحمل الكثير من الدروس والفرص في طياته.
- إن الحياة لا تسير عادة في اتجاه واحد، أو ضمن نمط واحد، فليس هناك نجاح دائم ولا فشل دائم، فالحياة مزيج من النجاح والفشل، من السعادة والحزن.
- أيقظ الطفل في داخلك. حاول أن تتعامل مع المواقف والأحداث والأشخاص في حياتك كما يفعل الأطفال. اسع للتعرف على كل ما حولك، وتعلم كل ما هو جديد بشغف وانبهار. اطرح الكثير من الأسئلة كما يفعل الأطفال واستمتع في رحلة بحثك عن الإجابات.
- اجعل التعلم عادة يومية، وضع خططاً لرحلة تعلمك وتطويرك. كن مثابراً وصبوراً في رحلة تحولك إلى العقلية القابلة للتطور والنمو، والتزم بخطة التطوير التي وضعتها. استمتع برحلة تعلمك وركز عليها بدلاً من تركيزك على نتائج تلك الرحلة.
- تعلم كيف تقدم نقداً بنّاءً للآخرين، وكيف تتلقاه. وتعلم من أخطاء الآخرين كما تتعلم من أخطائك.
- تعود أن تكافئ نفسك على التزامك وصبرك ومثابرتك وتعلمك أثناء الرحلة، وليس على ما تحققه من نتائج أو على ما تمتلك من صفات ومميزات.
إن العقليات قابلة للتكيّف والتغيّر من خلال الوعي الذاتي والكثير من المجهود. لتستطيع تغيير تفكيرك، عليك أن تتوقف عن الحكم على نفسك في كل وقت وفي كل موقف وفي كل تصرف تقوم به، كما يجب عليك أن تتوقف عن التركيز على أخطائك فقط. وبدلاً من ذلك، قم برؤية كل إخفاق أو فشل على أنه فرصة لتتعلم منه شيئاً جديداً يساعدك في تنمية وتطوير نفسك ومستقبلك.
المصادر
كتاب طريقة التفكير: السيكولوجيا الجديدة للنجاح - كارول دويك (2006)